Monday, September 19, 2011

> فنون الهدر العام

فنون الهدر العام

مجلس الإنماء والإعمار ينفق ملياري دولار خلافاً للأصول
مرحلة التسعينيات تلاحق المالية العامة (مروان طحطح)

كشف ديوان المحاسبة عن فصل من فصول التحايل على القوانين وإخفاء صرف المال العام «على العمياني»، فقد تقدّم مجلس الإنماء والإعمار بطلب للحصول على مساهمة مالية
من موازنة رئاسة مجلس الوزراء لعقد مشاريع وإنفاق أموال بناءً على القانون 246/1993، فتبيّن أن الاعتمادات اللازمة لتنفيذ المشاريع في هذا القانون «لم تُدرج
أصلاً في أي من الموازنات العامة»، ما «أخفى جزءاً من النفقات العامة، وغيّر نسبة العجز المالي للدولة»

محمد وهبة

طيلة 15 سنة كان مجلس الإنماء والإعمار ينفق الأموال خلافاً للأصول. عقود المشاريع المعقودة لم يكن لها أي وجود في أي موازنة، وكانت بلا أي اعتمادات. هي فضيحة
جرى التأسيس لها بقانون يخالف كل منطق. ففي عام 1993 أقرّ مجلس النواب القانون 246، الذي يخصّص اعتمادات لتنفيذ 12 مشروعاً بقيمة 2093 مليون دولار لمدّة 10
سنوات، إلا أنه أجاز للحكومة عقد صفقات المشاريع قبل رصد الاعتمادات في الموازنة العامة، على أن تلحظ في برنامج يقرّ في موازنة 1993 وما يليها. هكذا بكل بساطة
قرّر مجلس النواب أن ينفق هذه المبالغ «على العمياني». مُدّد العمل بهذا القانون 5 سنوات إضافية انتهت عام 2007. ورغم أن اعتمادات الدفع لم تصدر في أي موازنة،
استمرّ مجلس الإنماء والإعمار على مدى السنوات الماضية في عقد الصفقات والمشاريع الممولة بمساهمات مالية مسحوبة من موازنة رئاسة مجلس الوزراء. هذه هي أبرز مواصفات
مرحلة ما سمّي «الإعمار»!

هدر «الإعمار»

تكشفت هذه الفضيحة حين تلقى ديوان المحاسبة كتاباً من المراقب المركزي لعقد النفقات في مجلس الإنماء والإعمار، يطلب فيه حجز اعتماد بقيمة 40 مليار ليرة في موازنة
رئاسة مجلس الوزراء من بند المساهمات المالية لتمويل مشاريع في مجلس الإنماء والإعمار بناءً على القانون 246/1993. قبل أشهر، ورد إلى الديوان أيضاً مشروع مساهمة
للمجلس من البند نفسه بقيمة 15 مليار ليرة، لكنه لم يكن قد بتّه بعد.
أظهرت دراسة هذين الملفين نماذج من ممارسات الهدر منذ عام 1993 بواسطة مجلس الإنماء والإعمار؛ «إنفاق بلا اعتمادات، وتنفيذ مشاريع تؤدي مواربة إلى إخفاء جزء
من النفقات العامة، وتغيّر في نسبة العجز المالي للدولة» يقول الديوان. هكذا بدأت مرحلة «الإعمار» عام 1993. في حينه أُعطي مجلس الإنماء والإعمار صلاحيات واسعة
لتنفيذها بعدما دُمجت فيه كل المجالس الإنشائية. أُتبع هذا المجلس مباشرة برئاسة مجلس الوزراء ليكون ذراعاً تنفيذية لرئيس مجلس الوزراء، ومخطّطاً لكل مشاريع
البنية التحتية، سواء في منطقة وسط بيروت، أو في بيروت الإدارية وفي ضواحيها، وباقي المناطق. ثم أُطلقت يد المجلس بمبالغ كبيرة كان أبرزها القانون 246/1993.


صفقات بلا اعتمادات

آنذاك، كان بيد الحكومة كل ما يلزم للإنفاق السهل والسريع. الرقابة لم تكن «كاملة» لأن الرقيب أو المشرّع (مجلس النواب) كان يمنح الحكومة مثل هذه السلطات المطلقة.
ففي القانون 246 أعطيت الحكومة صلاحيات واسعة؛ ببساطة، أُجيز لها «عقد صفقات المشاريع قبل رصد الاعتمادات اللازمة في الموازنة العامة». أيضاً تضمن القانون 246
تخصيص اعتمادات لتنفيذ بعض المشاريع وأعمال الاستملاك والتجهيز ضمن قيمة 2093 مليون دولار (3155 مليار ليرة بسعر الصرف اليوم)، على أن يوزّع المبلغ على 12 مشروعاً
تراوح قيمتها بين 15 مليون دولار و600 مليون. كانت مدّة تنفيذ كل هذه المشاريع محدّدة بنحو 10 سنوات، إلا أنها مدّدت لاحقاً خمس سنوات إضافية بعد تمديد العمل
بالقانون فترة مماثلة. أما تمويل الأعمال المذكورة في القانون، فلم يحصرها القانون بوسيلة واحدة، إذ أشار إلى إمكان تغطيتها بالمساعدات والقروض وسندات الخزينة
«إضافة إلى وسائل تمويل استثنائية أخرى تُعتمد بتاريخ لاحق للقانون».
ولفت القانون إلى أنه يجب «تحديد برنامج اعتمادات العقد والدفع التي ستلحظ في موازنة 1993 وما يليها بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير
المال»، ثم تطرق إلى «تحديد التفاصيل المالية والفنية والإدارية والمحاسبية عند الاقتضاء بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المال». بعد ذلك،
وُضع جدول للدفعات امتدّ من عام 1993 حتى 2002 (قبل أن يمدّد له لمدّة 5 سنوات بموجب قانون موازنة 2002)، فيما أعطيت صلاحية تحريك الحسابات العائدة لهذا البرنامج
لرئيس مجلس الوزراء ووزير المال «بعد لحظها سنوياً في الموازنة العامة».

أصول النفقة

في تعليقه على محاولات تغطية الإنفاق بمساهمة مالية خارجة عن القانون، يقول ديوان المحاسبة إن «الموازنات التي تضمنت اعتمادات تنفيذاً للقانون 246 اقتصرت على
موازنتي 2001 و2002، وهما بقيمة 254 مليار ليرة و125 ملياراً. أما السنوات السابقة، فلم ترد على نحو اسمي وبلغت قيمتها 75 ملياراً في 1997، و85 ملياراً في 1998».
لا بل إنه يجزم بأن «قانون البرنامج واعتمادات الدفع التي وجب لحظها في الموازنة العامة لعام 1993 لم ترد في الموازنة أو في أي موازنة تليها». هذا يعني أن كل
ما قامت به الإدارة لجهة عقد الصفقات غير قانوني «لأنه يؤدي إلى عقد النفقة خلافاً للأصول».
لا يُعتدّ بتبريرات الإدارة في مثل هذه المواقف، لأنه لا مبررات لمخالفة القوانين، لكن مصادر مجلس الإنماء والاعمار تصرّ على أن المخالفة حصلت بعد عام 2007،
على عكس الوجهة التي يراها ديوان المحاسبة، حين يشدّد على أن كل الإنفاق كان مخالفاً لأصول عقد النفقة. أصرت الإدارة في البدء على إنكار معرفتها بالأمر، لكنها
أقرّت لاحقاً بالمخالفات التي تعود إلى «خلل في التنسيق بين مجلس الإنماء والإعمار ووزارة المال كان سيجري تصحيحه في مشاريع الموازنات التي لم تقرّ، مثل موازنتي
2008 و2009».
في الواقع، فإن تمويل هذه المبالغ جرى بواسطة المساهمات التي تتيح إخفاء جزء من النفقات العامة، وتغير نسبة العجز المالي للدولة. هذه التفاصيل تظهر وضعية مجلس
الإنماء والإعمار بوصفه ذراعاً تنفيذية لرئيس الحكومة. كل البنية التحتية في لبنان تمت بواسطة هذه الذراع، وبحكومات حريرية إلى أن بلغنا المرحلة الآنية التي
«تتميّز» بالعجز على كافة الصعد؛ عجز البنية التحتية، المالية العامة، عجز اقتصادي، عجز عن الرؤية، عجز ادارة!

1.45 مليار ليرة

هي قيمة المساهمة المالية لمجلس الإنماء والإعمار الممنوحة من رئاسة مجلس الوزراء عن الفصل الثالث من عام 2011، والواردة في اعتمادات عام 2010 من أجل «مشروع
تعزيز قدرات مجلس الوزراء»

المساهمات تتضاعف... مرات

اعتادت الحكومات الماضية أن تنفق الأموال العامة بواسطة المساهمات المالية لتتمكن من إخفاء هذا الإنفاق وإبعاده عن حسابات العجز العام، وعن الرقابة الفعلية.
إلا أن هذه المساهمات زادت عام 2011 بصورة غير مقبولة مقارنةً بأرقام 2005. فعلى سبيل المثال، زادت مخصصات المجلس الأعلى للخصخصة من 315 مليون ليرة إلى 4 مليارات،
فيما زادت صيانة المطار من 25 مليار ليرة إلى 36 ملياراً، والتمويل المحلي من 53 مليار ليرة إلى 160 ملياراً.

No comments:

Post a Comment