Thursday, September 15, 2011

> إسرائيل تعلن «الحرب» على بدو فلسطين

إسرائيل تعلن «الحرب» على بدو فلسطين

مخطّط جديد للاحتلال لتهجير سكّّان النقب والاستيلاء على أراضيهم
فلسطينيات يلتقطن صورة مع أفعى في عكا ثاني أيام عيد الفطر الماضي (تسافرير آبايوف ـ أ ب)

العرب البدو في النقب لا يزالون في عين مخططات التهجير، بعدما صادقت الحكومة الإسرائيلية على مخطط لإخلاء 30 ألفاً منهم، وتركيزهم في قرى «معترف بها»؛ مخطط يحمل
بين طيّاته مأساة ضحيتها كثيرون وتجعل من قرى الصحراء أرضاً خصبة للتوتر

فراس خطيب

الحال التي يعيشها الفلسطيني داخل الخط الأخضر لا تزال استثناءً على الحالة السياسية العامة. قد تكون المتغيرات التي تعيشها شعوب المنطقة بارقة أمل نحو «غدٍ
أفضل»، لكنّ المخططات التي تعدّها الحكومة الإسرائيلية تبشّر بمواجهة شبه محسومة بين مواطنين يسكنون أرضهم، وبين دولة تحاول إخلاءهم وتجميعهم في قرى هي أصلاً
تعاني بؤساً منذ الأزل.
اختارت الدولة العبرية في هذه الآونة تحديداً «تصفية الحساب» مع فلسطينيي النقب. وفي وقت تتعهد فيه بالتعاطي مع الاحتجاجات الإسرائيلية على غلاء المعيشة وأزمة
المسكن، قرّرت الحكومة الإسرائيلية المصادقة على توصيات لجنة «براور» القاضية بإخلاء أكثر من 30 ألفاً من العرب البدو في النقب الفلسطيني في منطقة «السياج»
من الأرض التي يملكونها منذ ما قبل عام 1948، لتسكنهم في تجمعات سكانيّة في الصحراء نفسها.
سياسة تصب في إطار مبدأ استيطاني يستهدف العرب البدو، الذين يعيشون في صحراء النقب، ويقوم على توطين أكبر نسبة من العرب على أقل مساحة من الأرض. لكن في هذه
المرة أيضاً، اتبعت حكومة بنيامين نتنياهو سياسة أكثر تصعيداً وتشمل أكبر نسبة من العرب في مخطط واحد، اعتبره فلسطينيو النقب بمثابة «إعلان حرب»، رافضين الالتزام
بقرار الإخلاء.
ويسكن النقب حوالى 614 ألفاً، من ضمنهم 192 ألف فلسطيني من البدو. يسكن منهم ما يقارب الـ 70 ألفاً في قرى غير معترف بها، بينما يعيش الباقون في بلدات معترف
بها رمزياً. وهذه البلدات «المعترف بها» هي أشبه بتجمعات سكنية تعاني من قلة الميزانيات ونقص الخدمات، كحال القرى الفلسطينية في الداخل أو أسوأ.
وعدم الاعتراف بالقرى يعني عدم تقديم الخدمات الأساسية، مثل خطوط المياه والكهرباء أو مسطحات بناء ومواصلات، ما يجعل هذه القرى تعيش ظروفاً مأسوية. ولكن على
الرغم من هذه الظروف، فإنّ بدو النقب صمّموا على البقاء حفاظاً على أراضيهم.
في المقابل، ترى الدولة العبرية أن الأراضي المُقامة عليها هذه القرى هي «أراضي دولة»، والبدو الذين يعيشون هناك هم «معتدون». وترى مديرة وحدة الأرض والتخطيط
في المركز القانوني «عدالة»، المحامية سهاد بشارة، في حديث إلى «الأخبار» أنّ ادعاء الحكومة العبرية غرضه «تشويه تاريخ البدو في النقب ونكبتهم كباقي الشعب الفلسطيني»،
مشدّدةً على أنّ «معظم القرى التي يجري الحديث عنها كانت قائمة قبل النكبة وقبل قيام إسرائيل، والقسم الآخر منها أُقيم في أعقاب عمليات تهجير قبائل بدوية من
النقب الغربي الى منطقة «السياج» الواقعة شمال شرق مدينة بئر السبع وهي المنطقة الحدودية مع الضفة الغربية».
تجدر الإشارة الى أنّ عدد سكان النقب كان أكثر من 90 ألف نسمة عشية النكبة، لكنّ التهجير طالهم ولم يبق منهم سوى 12 في المئة، نُقلوا الى منطقة عُرفت بـ«السياج»،
وتم التضييق عليهم على أمل تهجيرهم. وتقول بشارة إنّ ما يلقاه اليوم سكان النقب من تهجير وترحيل هو «امتداد لسياسات إسرائيلية تبلورت وخُطّط لها منذ أكثر من
ستّين عاماً، حين أعدّت الحكومة الإسرائيلية خططاً لتركيز السكان البدو في تجمعات سكانية قليلة». وتضيف إنّه في ستينيات وثمانينيات القرن الماضي «أُقيمت 7 بلدات
عربية في النقب (تلّ السبع ورهط وشقيب السلام وعرعرة وكسيفة واللقيّة وحورة) واعتُرِف لاحقاً بـ 10 بلدات أخرى ليشكل مجموع مناطق نفوذ هذه البلدات جمعاء ما
نسبته نحو 1 في المئة من مساحة قضاء بئر السبع، فيما تمثّل نسبة البدو 31 في المئة من مجمل سكّان النقب».
وعن عملية تركيز البدو في قرى، تقول بشارة إنّها عملية «لم تنجح»، مبيّنةً أنّه «من الأسباب التي تقف وراء عدم نجاحها هو أنّ البلدات بُنيت على قسم من أراضي
القبائل البدوية التي صادرتها المؤسسة الإسرائيلية، وهناك رفض تام من قبل أبناء قبائل أخرى للدخول والسكن في هذه الأراضي، وفقاً لقوانين العشائر القاضية بعدم
الاعتداء على أراضي قبائل بدوية أخرى». وتضيف أسباباً أخرى «تعود للتركيبة الاجتماعية والاقتصادية للقبائل البدوية في النقب»، قبل أن تخلص الى أن «معظم مشاريع
تهويد النقب باءت بالفشل».
وتحاول الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تصوير مشكلة النقب على أنّ «البدو سيطروا عليها بغير حق وأنّهم غزاة ومعتدون». سنوات كثيرة مرّت وأهل المكان في مكانهم،
لكنّ الحكومات الإسرائيلية حاولت مراراً تضييق الخناق والتذرع بالقانون من أجل إخلاء البلدات. بدأت مسيرته هذه منذ سبعينيات القرن الماضي، حين بادرت المؤسسة
الإسرائيلية الى إجراءات تسجيل الملكيات على الأراضي في النقب. وتوضح بشارة، في هذا الإطار، أنّه «من خلال هذه الإجراءات، ادعت المؤسسة الإسرائيلية انعدام الملكية
البدوية، وبالتالي فإن دولة إسرائيل، ومع مرور عشرات السنين منذ وضع مخططات التركيز، وعدم التوصل الى «تسوية» في موضوع الملكيات، بادرت الى تعيين لجنة «غولدبرغ»
ومن بعدها لجنة «براور» من أجل وضع خطة حكومية مكثفة ومحددة في الوقت لإخلاء سكان القرى غير المعترف بها. لكن هذه «التسوية»، بحسب قواميس المؤسسة الإسرائيلية،
هي «تسوية مفروضة»، تلخّصها بشارة «إما أن تقبل بها، وإما أن تسجل الأرض بملكية الدولة».

كانت حكومة بنيامين نتنياهو قد صادقت، خلال اجتماعها الأسبوعي يوم الأحد الماضي، على المخطط الاستيطاني، الذي يقضي بترحيل أكثر من 30 ألفاً من المواطنين العرب
البدو عن أراضيهم في النقب. وخلال اجتماع الحكومة، تظاهر المئات من الفلسطينيين أمام مكتب نتنياهو احتجاجاً على خطة «براور ـــ غولدبيرغ» التي تهدف الى تصفية
ملكية عرب النقب لأراضيهم بصورة نهائية. وتبلغ كلفة هذا المخطط، وفقاً للتقارير، 6.8 مليارات شيكل (حوالى ملياري دولار)، بينها 1.2 مليار شيكل سيرصد لتطوير
البلدات البدوية التي سينقل البدو إليها.

No comments:

Post a Comment