Saturday, September 17, 2011

بمقدور المسيحيين في الدائرة الواحدة إيصال 47 نائباً بأصواتهمهل تنقذ النسبية «وليد بيك» من الغرق في «المساحات الوسطى»؟
كلير شكر
تبدأ مقاربة اللبنانيين لقانون الانتخابات من جدلية «أي قانون نريد»، في حين أن المنطق يفرض عليهم أن يدشنوا نقاشهم، بالسؤال الآتي «ماذا نريد من قانون الانتخابات».
ذلك، أن الإجابة على هذا الساؤل تسحب من أمامهم الكثير من الأفكار العديمة الجدوى، لتحملهم إلى برّ الاقتراح النموذجي الذي يترجم أفكارهم وتطلعاتهم.
بتقدير رئيس «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات» الباحث الانتخابي عبدو سعد أن «أجندة» الاقتراح الأمثل، يجب أن تضمن تحقيق الوظائف الآتية: بناء الدولة، عدالة
التمثيل، ولادة أحزاب وطنية عابرة للتركيبات الطائفية، القضاء على التمايز في القوة الاقتراعية لأصوات الناخبين حيث لا يجوز أن يكون المعدل العام لأصوات الناخبين
للمقعد الواحد متفاوتاً بشكل كبير ليكون، على سبيل المثال لا الحصر، في بنت جبيل 41 ألفا وفي البقاع الغربي 20 ألفا، تحسين نوعية المرشحين، والقضاء على آفة
شراء الأصوات.
لهذا يعتقد سعد أن النظام الأكثري الذي حكم القوانين الانتخابية اللبنانية منذ العام 1920، غير مخوّل لتحقيق هذه الأهداف، لاعتبارات عدة، أهمها أن هذا النظام
لا يتيح لكل المكونات الطائفية عدالة التمثيل، وتحديداً الطوائف المسيحية، التي تطالب باقتراح يسمح لها بانتخاب نوابها بأصوات ناخبيها، لا سيما بعد الخلل الديموغرافي
الذي أصاب البنية اللبنانية، حيث صار عدد الناخبين المسيحيين وفق لوائح الشطب للعام 2010، لا يمثلون أكثر من 38,8%، في حين أن الناخبين المسلمين يمثلون نحو
61,2% من اجمالي عدد الناخبين.
وبالتالي فإن خوف الطوائف المسيحية صار مبرراً، ومطالبتهم بقانون يساعدهم على انتخاب نوابهم بقوتهم الذاتية صارت محقّة، وفق سعد، الذي يعتبر أن النظام الأكثري،
ومهما كان حجم الدوائر الانتخابية، أعجز من أن يؤمّن هذه الوظيفة، علماً بأن المسيحيين غير قادرين على تأمين وصول كل نوابهم، أي الـ64، ولذلك، يفترض عليهم «التصويت»
لمصلحة الاقتراح الذي يسمح لهم بترجيح كفة نواب يمثلونهم.
ولأن صوت الناخب المسلم له قوة الترجيح في معظم الدوائر المختلطة، ولأن الصوت المسيحي ليس له قوة التأثير إلا في الدوائر الصافية طائفياً، فإن النظام الأكثري
يفقد مقوماته أمام هذه الواقع، علماً بأن إرضاء المسيحيين لا يفترض أن يختصر تطلعات القانون الانتخابي، نظراً لوجود اعتبارات أخرى لا تقل أهمية.
ولا بدّ للإشارة إلى شرط أساسي لاعتماد النظام الأكثري، تحترمه تلك الدول التي لا تزال تعتمد هذا النظام ومنها الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا، ألا وهو
وجود أحزاب كبرى عابرة للوطن ببرنامجها وأهدافها وتطلعاتها، الأمر الذي تفتقد إليه التركيبة الحزبية اللبنانية، التي لا تزال أحزابها أسيرة مجموعات طائفية.
أما بالنسبة للدوائر الصغيرة التي ينادي بها البعض، كمنقذ للأقليات الطائفية والسياسية من براثن الأكثريات، فهي تلغي الحاجة، برأي سعد، إلى التحالفات السياسية
أو حتى الانتخابية وتزيد من حالة التقوقع، كما تشجّع على استخدام المال الانتخابي لأن أصوات الناخبين ستصاب حكماً بالتشتت بفعل هجمة الترشيحات، ليصبح المال
هو الرافعة الأساسية للمرشح.
ويسرد سعد مثالاً على النتائج التي يمكن أن تُصنّع في مصنع الدوائر الصغيرة، مشيراً إلى أن المملكة الأردنية اعتمدت في العام 2003 قانوناً انتخابياً مشابهاً
للقانون اللبناني، استفادت منه الأحزاب المنظّمة، وفي طليعتها «الأخوان المسلمون» ما دفع القيادة الأردنية إلى تغيير قانون الانتخاب واعتماد الدوائر الفردية
ودوائر متعددة المقاعد مع تقييد حق الناخب بالتصويت لمرشحٍ واحد. فكانت النتيجة فوز أبناء العشائر ورجال الأعمال بأغلبية المقاعد، بمعنى أن هذا الاقتراح عزّز
النفَس العشائري وآفة شراء الأصوات... وهنا تكمن «الخطيئة» التي قد توقعنا بها الدوائر الصغيرة وفق النظام الأكثري.
وبالتالي فإن اقتراح «الصوت الواحد» الموضوع راهناً على طاولة البطريركية المارونية، قد يكون أقل سوءاً من غيره من الاقتراحات القائمة على النظام الأكثري، لكنه،
وفقاً للمحاكاة العلمية التي أجراها رئيس «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات»، لا يستطيع أن يحقق قفزة نوعية أو فارقاً كبيراً عن «قانون الستين» لناحية تأمين وصول
نواب بأصوات المقترعين المسيحيين. وهنا، يكتفي سعد بعرض نموذج عكار، حيث أثبتت نتائج انتخابات العام 2009 أن «تيار المستقبل» يمثل نحو 80% من أصوات المقترعين
السنّة، في حين أن خصومه يمثلون أقل من 20% من هذه المجموعة. وبالتالي بمقدور «التيار الأزرق» أن يوزّع «بلوكات» أصواته على جميع مقاعد الدائرة حتى لو تعددت
لوائحها، ليفوز بها جميعاً، من دون أن يتمكن المسيحيون من ان يسجلوا أي موقف لمصلحتهم. كما دائرة بيروت الثانية وغيرها من الدوائر المماثلة.
وعلى هذا الأساس، يعود «أبو النسبية» إلى نقطة ارتكازه الأساسية: النظام النسبي. يؤكد أولاً، أن كل الانتخابات التي كانت تجري في لبنان منذ العام 1920، كانت
تشهد تحالفات بين القوى المسيحية والقوى الإسلامية لا سيما في الدوائر المختلطة، وقد تحول هذا الارتباط ، في العام 2005، إلى تحالف سياسي. وبالتالي إن مفهوم
هذا التحالف ليس طارئاً أو مستجداً على الثقافة الانتخابية.
ويعتبر أن أول مقتضيات اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية، هو أن يختار الحليف المسيحي المرشحين المسيحيين على اللائحة، على أن يختار الحليف
المسلم المرشحين المسلمين. ولهذا من المرجح قيام لائحتين أو ثلاث لوائح تنافسية، تكون كل واحدة منها ملوّنة طائفياً.
ولا يغفل حصول بعض الاستثناءات، منها أن يقوم مثلاً الحليف المسلم بتسمية مرشح أو مرشحين مسيحيين، أو العكس. ولكن بالنتيجة، إن هذا الاقتراح يقدّم الضمانة بأن
المسيحيين سيأتون بنوابهم الـ64، باستثناء مقاعد قليلة نادرة، كما أنه يساهم برفع نسبة الاقتراع لدى الناخبين المسيحيين بسبب شعورهم بقوة صوتهم، أسوة بما حصل
خلال الدورة الأخيرة في الدوائر الصافية طائفياً.
ولا يرى تغييرات جذرية في الخارطة السياسية للبرلمان، بنتيجة هذا الاقتراح، علماً بأنه سيحمل وجوهاً جديدة إلى مقاعد النواب، وقد تتبدّل بعض الوجوه بفعل تحسين
نوعية المرشحين لكسب تأييد الشارع من باب إضافة رصيد للائحة، وقد تتمكن القوى غير المتمركزة جغرافياً في بقعة محددة، من تعزيز حضورها التمثيلي.
كما يسمح هذا الاقتراح وفق سعد للقوى المنتشرة جغرافياً من التحرر من الارتهان السياسي، لتحوّل تحالفها الانتخابي إلى تحالف سياسي، بعدما تتمكن من الإثبات أنّ
نجاحها هو بفضل قواها الذاتية، وليس محادل حلفائها.
وفي العموم، فإن النسبية، وفقاً لمحاكاة علمية أجراها سعد على نتائج انتخابات العام 2009، قد أثبتت أنها تساهم بوصول 47 نائباً مسيحياً بأصوات الناخبين المسيحيين.
ماذا عن الصرخة التي أطلقها وليد جنبلاط والمعبّرة عن الخوف من الذوبان في وعاء المساحات الكبيرة؟
يردّ سعد أن النظام النسبي وضع لحماية التنوع والتعددية، أياً كان نوعها، وهو يساهم في تحجيم الأحادية ويصون حقوق الأقليات السياسية والطائفية. وبالتالي لا
مبرر لمخاوف «البيك الجنبلاطي»، ذلك لأن هذا الاقتراح سيحفظ له حجم زعامته الدرزية بشكل أساسي، حيث من غير المرجح أن يتقلّص حجم كتلته النيابية لا سيما بمقاعدها
الدرزية، خصوصاً اذا اعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة بحيث يراكم مزيداً من المقاعد في كتلته النيابية بسبب تحالفه مع شخصيات غير درزية تكون من حصته. وبالنتيجة،
ووفقاً لدراسات رئيس «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات»، فإن هذا الاقتراح سيعزز الحضور السياسي لسيّد المختارة من خلال شراكته المؤثرة في انتاج كتلة وسطية فاعلة
ويضمن له المزيد من الاستقلالية تجاه القوى السياسية الكبرى.

No comments:

Post a Comment