Thursday, September 15, 2011

> هل خرق الراعي ثوابت بكركي والفاتيكان؟

هل خرق الراعي ثوابت بكركي والفاتيكان؟
جان عزيز

سيمضي وقت ليس بقليل قبل أن تهدأ نفوس مسيحيي الأقلية حيال كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الأخير، وخصوصاً أنه تناول موضوعين يمثّلان آخر الأوراق
التعبوية لهؤلاء في الشارع المسيحي، أي حزب الله وسوريا. وثانياً لأن كلامه هذا صدر في باريس نفسها، مربط خيل هؤلاء منذ ستة أعوام، أي تحديداً منذ انقلب جاك
شيراك على نفسه، ورأيه بشأن ضرورة بقاء الجيش السوري في لبنان، حتى ما بعد التوصل الى سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط. وفي حمأة اعتراض مسيحيي الأقلية على
مضمون الموقفين المذكورين، وحدها الأحداث على الأرض، قد تفصل بين من المُحق ومن المصيب، ومن المخطئ ومن المتوهم، لكن مع ذلك ثمة مسألة تظل واجبة البحث. ألا
وهي صدور ردود فعل وتعليقات «تتهم» صاحب الغبطة في موقفيه هذين، بالخروج عن ثوابت بكركي ومرجعيتها الروحية أو الفاتيكان. وهو ما يستحق التدقيق في الوقت الراهن،
في انتظار إعطاء الوقت للوقت، ليحسم بين الصح والخطأ.
ففي مسألة سلاح حزب الله أولاً، من المفيد التذكير بأدبيات بكركي في هذا المجال، إذ لا يمكن أي صاحب ذاكرة أو عقل، ولو حتى سياسياً، إلّا أن يسترجع محطات أساسية
ومفصلية أربع، قاربت فيها البطريركية المارونية موضوع سلاح حزب الله. المحطة الأولى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان سنة 2000. يومها بادرت بكركي، وبرعاية
البطريرك صفير بالذات، الى إطلاق نداء 20 أيلول الشهير، للمطالبة بإنهاء الوجود العسكري للجيش السوري، بعد اندحار الاحتلال الإسرائيلي. وكان لافتاً أن هذا الموقف
البطريركي لم يأت على ذكر سلاح حزب الله. يومها انقسم البلد حيال النداء. من جهة، قام اللقاء التشاوري الذي تكفل بالهجوم على بكركي، وبين أعضائه الرموز والصقور،
أسماء بارزة من مسيحيي الأقلية الحاليين. وفي المقابل قام لقاء قرنة شهوان المؤيد للنداء وأصحابه، لكن رغم تناقض الفريقين، رفض البطريرك الانزلاق الى موقف من
موضوع الحزب، مشدداً على أن هؤلاء «مقاومون»، حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي.
الموقف نفسه تكرر بعد عام كامل. فعقب أحداث 11 أيلول 2001، وفي غمرة الحملة الأميركية على الإرهاب، وعشية الحرب على أفغانستان، حاول البعض ضم حزب الله إلى «معركة»
طالبان، على طريقة «الشطف بزوم واحد»، رغم التناقض العقائدي بين الطرفين المستهدفين. ومرةً ثانية وقفت بكركي مدافعة عن الحزب و«مقاوميه» و«سلاحه». حتى إنها
رعت يومها اللقاء اللبناني للحوار، الذي تكوّن من ممثلين لحزب الله وآخرين من «حزب البطريرك»، وتنقلوا بين مونترو في سويسرا واللقلوق في ضيافة فارس سعيد، تحصيناً
لموقف لبناني جامع، في التضامن مع «المقاومة».
مرة ثالثة أكثر تعبيراً لم تتأخر إلا سنة ونيف. ففي الربع الأول من سنة 2003، بدأت واشنطن تعد العدة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية لحربها على بغداد. وفي
هذا السياق جاء كولن باول الى دمشق، ونشطت عوكر على الخطوط البيروتية، لنسج شبكة عربية داعمة للهجوم الأميركي على العراق. وفي تلك الحمأة، ورغم موقف حزب الله
المعادي لنظام صدام حسين، كانت محاولات مجددة لضمه الى «شطفة» جاي غاردنر وبول بريمر وغزوتهما. غير أن الموقف البطريركي كان مطابقاً لمحطتيه السابقتين. حتى
إن بياناً تاريخياً صدر عن مجلس الأساقفة الموارنة برئاسة البطريرك صفير في آذار من تلك السنة، رفض الحرب، وأعلن تضامنه مع موقف بشار الأسد منها، حتى إنه أشاد
حرفياً «بحكمته وبعد نظره». وبعد أيام، جرَّ وليد جنبلاط كل مسيحيي البطريرك الى تلاوة سبحة الوردية في بازيليك حريصا، دفاعاً عن العراق، ورافضاً للحرب، بعدما
أفتى بنفطية رايس وتمنى الموت لولفوفيتز.
أما المحطة الرابعة، فكانت سنة 2005 بالذات. ففيما كانت 14 آذار تولد في ساحة البرج، كان البطريرك صفير في البيت الأبيض، رافضاً ضم سلاح حزب الله الى منطوق
القرار 1559، ومؤكداً على الصفة المقاوِمة لأعضائه...
أما مسألة سوريا وموقف بكركي منها، فقضية أكثر دقة وحساسية وتعقيداً. يكفيها اختصاراً ما أشار إليه البطريرك الراعي نفسه من نموذج عراقي يخشى تكراره في دمشق.
النموذج المذكور تمثل في التهجير بل التطهير وشبه الإبادة التي حصلت هناك بعد الاحتلال الأميركي. بعد سنتين على تلك المأساة، سعى الفاتيكان لدى باريس لمعالجة
الوضع. فطلبت منه إدارة شيراك أواخر عام 2005 جمع رؤساء الكنائس الشرقية في روما للتباحث معها في الأمر. يومها أرسلت باريس أحد دبلوماسييها يرافقه وزير حريري
سابق، لإبلاغ أحبار الكنيسة رسالتين: أولاً ضرورة التسليم بانتهاء الدور المسيحي في لبنان والمنطقة، وثانياً تنظيم هجرة مسيحية جماعية من العراق، إقفالاً للشكوى
و«النق»...
كل هذا تعرفه بكركي ويعرفه الراعي، ويعرفه المعترضون، ويعرفون أكثر منه بكثير...

No comments:

Post a Comment