Tuesday, September 6, 2011

إخفاء «فرع المعلومات» لدليل التسجيلات أبرز سبب لتمييز الحكمخيانة فايز كرم في ميزان المدافعين.. والمعترضين قانونياً
كرم في القفص ناظرا الى الارض خلال محاكمته
علي الموسوي
أمّا وأنّ المحكمة العسكرية الدائمة قد أصدرت حكمها على القيادي في «التيار الوطني الحر» العميد المتقاعد في الجيش اللبناني فايز كرم بتجريمه بجناية الاتصال
بالعدوّ الإسرائيلي، على طريقة المثل الشهير «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم» على حدّ توصيف أحد المحامين المتخصّصين في قضايا العملاء وشبكات التجسّس الإسرائيلية،
فإنّ هذا الحكم على أهمّيته نسبة إلى مكانة الشخص المحكوم وانتمائه الحزبي والسياسي، يستحقّ قراءة قانونية، خصوصاً وأنّه أثار انتقادات سياسية لم تسلم المحكمة
العسكرية منها.
ومع أنّ الحكم على كرم ليس الأوّل من نوعه، وسبق أن صدرت أحكام مماثلة وبعضها أشدّ قسوة من الحكم على كرم، إلاّ أنّه استحوذ على اهتمام مختلف الأوساط السياسية،
حيث نصّب سياسيون أنفسهم ليس مدعين عامين، وإنّما قضاة حكم يعرفون بالقانون وحيثياته، وأظهروا براعة قلّ مثيلها في تقدير العقوبة المناسبة، من دون أن يقاربوا
الحكم من جوانبه القانونية كافة.
وعلى الضفّة المقابلة، استبسل قياديون في «التيّار الوطني الحرّ» الذي ينتمي كرم إليه، في الدفاع عنه إلى حدّ اعتبار الحكم مجحفاً، فلماذا أفرط هذا «التيّار»
في الدفاع عن عمالة كرم وكأنّه يحاول أن يرمي بثقلها عن نفسه مع أنّ اتهام فرد ضمن مجموعة ومجتمع بجرم ما، لا يعني اتهاماً للجميع؟ ولماذا لم يقلّد «التيّار»
سواه من الأحزاب السياسية اللبنانية في التزام الصمت إزاء محاكمة أشخاص منها متهمّين بالتعامل مع العدوّ الإسرائيلي وإعلان البراءة منهم، وملفّات المحكمة العسكرية
الدائمة تشهد على وجود عشرات، إن لم نقل مئات دعاوى التعامل والاتصال لأشخاص بعضهم كان ممن ناهض إسرائيل والآخر حمل البندقية وقاتلها في غير معركة ومنازلة،
وبعضهم الآخر كان حزبه السياسي غارقاً بالعلاقة لا بل العمالة مع الإسرائيليين سياسياً وليس عبر شبكات تجسّس فقط؟.
وقد جرت محاكمة هؤلاء الحزبيين المتعاملين من دون إثارة سياسية أو إعلامية، ومن دون التطاول على القضاء، ومعظمهم إن لم نقل كلّهم، أمضى محكوميته وخرج من السجن
وعاد إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي وفي جعبته سجل عدلي يشي بأنّه محكوم عليه بجناية الاتصال والتعامل مع العدوّ، أيّ الخيانة، وهي الأفظع في سلّم الجرائم المكروهة
والمنبوذة لدى المجتمعات ولاسيّما تلك التي تعيش حالة صراع مع إسرائيل.
إنّ اجراء مقارنة بين نتيجة الحكم على كرم وخلاصات الأحكام الصادرة بحقّ أشخاص آخرين مدانين بالتعامل، يحمل افتئاتاً على المحكمة وعلى القضاء في آن معاً، إذ
أنّ لكلّ ملفّ ولكلّ دعوى ولكلّ قضيّة، حالتها ووضعها ووقائعها الخاصة، ولا تجوز المقاربة ولا المقارنة سواء أكان العميل كبيراً أو صغيراً، ويجب التفريق بين
الاتصال وبين التعامل، وبين العمل الأمني التخريبي الذي يجرّ خلفه دماء ويؤدّي إلى إزهاق أرواح مواطنين ومقاومين كما حصل في حالات كثيرة منها على سبيل المثال
حرب تموز 2006، وبين اقتصار التجاوب مع التجنيد على الاتصال، كما أنّه يفترض التمييز بين المؤسّس لشبكات وخلايا تجسّسية وبين المغلوب على أمره لأسباب تتصل بحياته
مثل كثيرين كانوا في قراهم الجنوبية خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي.
وما دام العميد كرم مقتنعاً ببراءته ومتمسكاً بها، أو كما حاولت «البروباغندا» المضادة التي ساقها «التيّار الحرّ» في مواجهة الحملة الشعواء التي قادها آخرون
ضدّ كرم، تصوير الأمر، فلماذا لم يبادر، هو أو وكلاؤه المحامون، أو فريقه السياسي، طوال فترة المحاكمة، إلى إحضار صديقه جو حدّاد من فرنسا أو الضابط السوري
عدنان بلول للتأكيد بأنّه حصل منهما فعلاً على أرقام الهواتف الثلاثة البلجيكية والنمساوية والألمانية ما دامت براءته موجودة بحوزة هذين الشخصين؟.
أمّا الذريعة التي قدّمها أحد نوّاب «تكتل التغيير والاصلاح» بأنّ «حدّاد يمكن ما بدو يجي على لبنان»، فساقطة قانوناً ولا يعتدّ بها، لأنّ عدم حضور حدّاد غير
المطلوب وغير المتهم، لا يفيد كرم على الإطلاق، والتواري يفسّر ضدّ المتهم الرئيسي وليس عنصراً مساعداً لإظهار البراءة.
ويرى أحد المحامين الجزائيين أنّ الأفعال الجرمية الموجّهة إلى كرم ليست من النوع الذي يستحقّ عقوبة مشدّدة تصل إلى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبّدة، على
غرار ملفّات عملاء آخرين مثل أحمد الحلاّق، حسين عليان، أسامة بري، علي منتش، أكرم سوني، محمود رافع، هيثم السحمراني، ذلك أنّ اتصال كرم بالإسرائيليين وهو على
بيّنة من أمرهم وصفتهم وغايتهم كما أوضحت المحكمة في متن حكمها وكما بان خلال مجريات المحاكمة، لم يثبت ان تُوّج بأيّ عمل أمني يؤثّر على لبنان دولة وشعباً
ومقاومة، ولم يجلب الويلات عليهم، ولم يؤذ أحداً، باستثناء صاحبه فقط، ولم يفض إلى قتل أيّ لبناني، ولذلك استنسبت المحكمة وارتأت أنّ ما أتى به كرم من اتصالات
هاتفية واجتماعات ولقاءات يستحقّ العقوبة التي أنزلتها به وهي السجن ثلاث سنوات خفضت الى سنتين مع الأشغال الشاقة، ولو أنّ المحكمة لمست بأنّ كرم بالغ في اتصالاته
ومعلوماته لما تردّدت في إنزال أقصى العقوبة وأشدّها به كما فعلت مع عملاء آخرين أسرفوا في عمالتهم وخيانتهم إلى حدود القتل أو المساهمة فيه.
ويبدو أنّ النقطة الأضعف في ملفّ كرم هي التناقض الرهيب في نفي المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وجود تسجيلات لديها تتعلّق بالعميد كرم، بينما الضابط المسؤول
عن القسم الفنّي في المديرية قال أمام المحكمة بأنّه جرى إتلاف التسجيلات بعد خمسة عشر يوماً، وعادة في موضوع حسّاس ومهمّ لا يمكن إتلاف أيّ تسجيل، وعادة أيضاً
تحتفظ الأجهزة الأمنية بكلّ شاردة وواردة سنوات وسنوات، ولا تقوم بإتلاف أيّ مستند، أو قصاصة ورق، أو قرص مدمج، إلاّ بعد مرور ما لا يقلّ عن خمسين سنة فكيف
تفسّر المديرية العامة لقوى الأمن هذا التناقض؟. وهل يعقل أن يتلف «فرع المعلومات» التسجيلات قبل الانتهاء من محاكمة صاحب العلاقة ولفظ الحكم المبرم بحقّه؟.
ليس خافياً على أحد أنّ ما أدلى به الضابط المسؤول عن القسم الفني في الفرع الأمني المذكور مجاف للحقيقة جملة وتفصيلاً، كما أنّ رئيس المحكمة العميد نزار خليل
لم يتشبّث بطلب إحضار هذه التسجيلات وتسليم المحكمة نسخاً عنها لكي يبنى على الشيء مقتضاه القانوني السليم، مع أنّه في حال إبرازها بوجه كرم والتحقّق من صحّتها،
فإنّها دليل ضدّه ودليل كاف لتثبيت إدانته.
ومن المؤكّد أنّ عدم تقديم التسجيلات للمحكمة سيكون على رأس الأسباب الموجبة المطروحة في طلب تمييز الحكم أمام محكمة التمييز العسكرية وبناء على أسبقيات في
هذا المجال فإنّ هذا سبب رئيسي ووجيه لقبول طلب التمييز.
ويؤخذ على التحقيق في ملفّ كرم عدم إثبات أنّ رقم الهاتف الموجود على هاتفه هو رقم أمني، ولا يكفي أن يقال بوجود الرقم، ولم تجر مقارنة هاتف كرم والرقم المذكور
بخطوط وأرقام عملاء آخرين، وإن كان الإسرائيلي عادة لا يتمادى في استعمال رقم هاتف واحد مع أكثر من عميل حتّى ولو كان ضمن شبكة تجسّس واحدة.
يبقى أخيراً أنّ الكلمة الفصل هي لمحكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضية أليس شبطيني العمّ المرشّحة لتولّي رئاسة مجلس القضاء الأعلى، فإمّا أن تبقي سجل كرم
خالياً من جرم العمالة، وإمّا أن تدمغه بها لينضمّ إلى كثيرين سبقوه في هذا المضمار الوسخ. واذا جاءت النتيجة تثبيتا للحكم، وهو الأرجح، فعلى «التيار الحر»
أن يسحب هذا الملف من التداول.. وإلا يصبح الإصرار على الإثارة من جانب «البرتقاليين» تحديدا مدعاة لأسئلة خطيرة جدا.

No comments:

Post a Comment