Sunday, September 11, 2011

> سلامة والحوت: شراكة في استغلال السلطة

سلامة والحوت: شراكة في استغلال السلطة

يوميّاً، ترد شكاوى من مواطنين عن حالات رفع السرية المصرفية عن حساباتهم على نحو جائر واعتباطي وخارج آليّة القانون. هذه إحدى الوقائع الغريبة التي أخرجها مدير
شركة «MEA» وحاكم مصرف لبنان

محمد وهبة, حسن شقراني

في 30 حزيران عام 2010، أرسل رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط (MEA)، محمّد الحوت، كتاباً إلى مصرف لبنان يطلب فيه متابعة قضية احتيال على الشركة. في
اليوم التالي
مباشرة، أصدرت هيئة التحقيق الخاصة في المصرف، برئاسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (الهيئة التي تهتم بقضايا تبييض الأموال)، قراراً بتجميد حسابات أشخاص من عائلة
واحدة ورفع السرية المصرفية عنها، من دون أي تدقيق بادعاءات الحوت وصلة الأشخاص المشمولين بطلبه لرفع السرية عن حساباتهم وتجميدها. شمل القرار 6 أشخاص، بينهم
المتهم الأساسي (ق. ح.)، وأختاه (م. ح. وت. ح.)، إضافة إلى أخيه (ع. ح.) وزوجته (ع. ق.) وابنه (ص. ح).
ووفقاً للرسالة التي تلقاها سلامة وعمل بمضمونها من دون أدنى تحقيق، فإنّ محمّد الحوت يتّهم المعنيّ الأساسي في القضية (ق. ح.) بإدارة عملية «سوء ائتمان واحتيال
بقيمة ثلاثة ملايين دولار أميركية في فرع الشركة (MEA) في كانو ـــ نيجيريا»، وبأنّه «عمد إلى تهريب تلك الأموال إلى لبنان». كذلك فإنّه «من خلال اللقاءات معه
أفاد بأنّ جزءاً كبيراً منها كان لمصلحة شقيقه (ع. ح.)... كما أفاد عن حركة حسابات بين شقيقه (ع. ح.) وشقيقته (م. ح.)».
محمد الحوت

القضية بحسب المعلومات التي توافرت لـ«الأخبار» من جانب أحد المحقّق معهم معقّدة؛ وما يزيد الأمور تعقيداً وغرابة هو رفض مراجع قضائيّة مطّلعة على هذه القضية
التعليق عليها. غير أنّ ما يُثير الريبة في الموضوع هو أنّ هيئة التحقيق اتخذت قراراً مباشراً في غضون 24 ساعة (أو حتّى أقلّ)، يخالف القواعد القانونية لعملها.
فبحسب المادّة الثامنة من قانون مكافحة تبييض الأموال (القانون الرقم 318 الصادر في 20 نيسان 2001) «بعد تدقيق المعلومات، تتخذ الهيئة ضمن مهلة ثلاثة أيام عمل
قراراً مؤقّتاً بتجميد الحساب أو الحسابات المشبوهة لمدّة خمسة أيام قابلة للتجديد مرّة واحدة إذا كان مصدر الأموال لا يزال مجهولاً أو إذا اشتُبه بأنّه ناجم
عن جرم تبييض أموال».
وتُضيف المادّة إنّه «في خلال المهلة المذكورة، تقوم الهيئة بتحقيقاتها في شأن الحساب أو الحسابات المشبوهة، إمّا مباشرة أو بواسطة من تنتدبه من أعضائها أو
المسؤولين المعنيين لديها أو من تعيّنه من بين مفوّضي المراقبة، ويقوم كلّ من هؤلاء بمهماته، شرط التقيّد بالسرية ومن دون أن يُعتدّ تجاهه بأحكام القانون» الخاص
بسرية المصارف والصادر في عام 1956. وبعد إجراء التحقيقات اللازمة وخلال مهل التجميد المؤقت للحساب أو للحسابات المشبوهة، تُتابع المادّة نفسها، «تُصدر الهيئة
قراراً نهائياً إمّا بتحرير هذا الحساب إذا لم يتبيّن لها أنّ مصدر تلك الأموال غير مشروع، وإمّا برفع السرية المصرفية عن الحساب أو الحسابات المشتبه فيها ومواصلة
تجميدها». أمّا في حال عدم إصدار الهيئة أي قرار بعد انقضاء المهلة، توضح المادّة القانونية، «فيُعتبر الحساب محرّراً حكماً».
رياض سلامة

وفي بندها الرابع، تقول المادّة الثامنة إنّه «عند الموافقة على رفع السرية المصرفية، على الهيئة أن تُرسل نسخة طبق الأصل عن قرارها النهائي المعلّل إلى كلّ
من النائب العام التمييزي وإلى الهيئة المصرفية العليا بشخص رئيسها وإلى صاحب العلاقة وإلى المصرف المعنيّ وإلى الجهة الخارجية المعنية، إمّا مباشرة أو بواسطة
المرجع الذي وردت المعلومات عن طريقه».
إذاً، المادّة القانونية واضحة لناحية تسلسل الإجراءات علمياً للتوصّل إلى قرار برفع السرية المصرفيّة أو تحرير الحسابات المعنيّة إذا ما أظهرت التحقيقات وجوب
ذلك؛ وهو تماماً ما خالفه قرار الهيئة الممهور بتوقيع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الأوّل من تمّوز عام 2010 (يحمل القرار رقم 2/43/12/20120)!
فقرار الهيئة الذي اتُّخذ بالإجماع، يفيد بالآتي: «أوّلاً تجميد الحسابات العائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للأسماء الواردة أدناه (ذُكرت آنفاً الأحرف الأولية
منها حرصاً على احترام قواعد عدم الإفصاح) لدى جميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان بالانفراد أو بالاشتراك، ورفع السرية المصرفية عنها لدى المراجع
القضائية المختصّة». وفي مادّته الثانية، يقول القرار إنّ الهيئة قرّرت «تكليف أمين سر الهيئة إبلاغ نسخة طبق الأصل عن هذا القرار إلى كلّ من النائب العام التمييزي
والهيئة المصرفية العليا بشخص رئيسها والمصارف والمؤسسات المالية المعنية وأصحاب العلاقة».
وهكذا يكون قرار الهيئة قد خالف بنوداً من القانون المرعي الإجراء الخاصة بمكافحة تبييض الأموال في لبنان؛ مخالفة تطرح العديد من التساؤلات في شأن الصلاحيات
المنوطة بالهيئة وبرئيسها رياض سلامة. أبرزها: هل يُمكن بكلّ بساطة رفع السرية المصرفيّة عن أي كان حتّى قبل إتمام التحقيقات كاملة والتوصّل إلى نتيجة نهائية؟
وهل يعتبر سلامة أنه يتربع على عرش «دكان» ويفتح في المجال أمام نديمه محمد الحوت لكي يقتصّ ساعة يشاء من شركائه التجاريين، بمعزل عن أي تدقيق أو تحقيق بمدى
صحّة الادعاء؟ وكيف يبرر سلامة استمرار تجميد الحسابات ورفع السرية المصرفية عنها، على الرغم من أن معظم الذين شملهم القرار لم يتبيّن وجود حركة في حساباتهم
بعد واقعة الاختلاس التي يدّعيها الحوت؟
بحسب مصادر معنية، فإن ما يرسل إلى النيابة العامة يكون مبنياً على «الشبهة» وبعد درس الموضوع. إذا تبيّن وجود أمر جدّي يتعلق بالشكوى المرفوعة إلى الهيئة المصرفية
العليا مخالف لقانون مكافحة تبييض الأموال الرقم 318، ولا سيما المواد الأولى والثانية والثالثة والرابعة منه، يُتخذ قرار ويحوّل إلى النيابة العامة. «ففي هذا
الإطار، هناك مئات الشكاوى أو الكتب المرفوعة من أفراد وشركات إلى الهيئة للتدقيق والتحقيق في قضايا من هذا النوع، لكن القرار المتخذ هو عبارة عن تدبير احترازي
مبنيّ على شبهة اختلاس أو سرقة للمال العام، كما هي حالة شركة طيران الشرق الأوسط، لكن القرار المعلل يبقى داخلياً ولا يرسل إلى النيابة العامة إلا بعد أن تطلبه
هي».
إذاً، هو قرار مبني على الشكّ تتخذه الهيئة المصرفية العليا، لكن الضالعين في القانون المالي يؤكدون أن المبدأ العام المبني على مواد القانون 318 التي تحدّد
آليّة دراسة القرارات وإصدارها، ولا سيما المادة الثامنة منه، تشير إلى أن استنفاد الآلية كلها خلال 24 ساعة يعيب القرار، أي يجعله قراراً استنسابياً أو كيدياً.
فالقاعدة القانونية، بحسب رئيس مجلس شورى الدولة السابق يوسف سعد الله الخوري، تقول إنه يحقّ للمشتبه فيه الدفاع عن نفسه وأن تتاح له هذه الفرصة. «فإذا كانت
آلية اتخاذ القرارات وإصدارها بحسب المادة الثامنة من القانون 318، وإذا لم يكن هناك أي نص قانوني ثانٍ مخالف، فعلى الهيئة إصدار القرار على مرحلتين». السبب
وراء هذا الأمر يعود، بحسب الخوري نفسه، «إلى ضرورة توفير حق الدفاع للفريق المعني، وبالتالي لا يجوز اتخاذ كل القرارات واختصارها في يوم واحد، وإلا فإن القرار
ينطوي على عيب جوهري، إذ يجب أن يتم التحقيق». والتحقيق «يفسح المجال أمام الفريق المعني بالدفاع عن موقفه، لا بل من الواجب منحه مهلة كافية للدفاع عن نفسه،
ولا سيما إذا كان ملف القضية كبيراً، لأن حرمان الفريق المعني من حق الدفاع يبطل العمل الذي تقوم به السلطة».
ولكن للأسف، فإنّ قرارات الهيئة لا يمكن المراجعة فيها حتى في حالات تجاوز حدّ السلطة، كما هي الحالة الراهنة. فالبند الثالث من المادّة الثامنة من القانون
الرقم 318 يفيد بالآتي: «لا تقبل قرارات الهيئة أي طريق من طرق المراجعة العادية وغير العاديّة الإدارية أو القضائية، بما في ذلك المراجعة لتجاوز حدّ السلطة».
هذا الأمر يفتح أسئلة كبيرة عن إعطاء حاكم مصرف لبنان مثل هذه الصلاحيات الاستنسابية التي يمكن فيها تجاوز حدّ السلطة من دون أي من طرق المراجعة والنقض. في
المقابل، هناك مطالعات قانونية تؤكد أنه ما دامت القرارات التي تصدرها الهيئة غير موقّعة باسم الشعب اللبناني، فهي قابلة للطعن والمراجعة، لأنها ليست هيئة قضائية،
بل هيئة ذات طابع قضائي، أي يمكن اعتبارها إدارية ويمكن الطعن بها.

مقالات أخرى لمحمد وهبة:
list of 5 items
• تجارة الفحم منجم للأرباح
[1]
• انتخابات نقابة «أوجيرو» معرّضة للطعن والإبطال
[2]
• ضمان صحّي لكل اللبنانيين
[3]
• التدفقات الماليّة الخارجيّة متواصلة
[4]
• فرصة لتغيير النمط الاقتصادي 2/2
[5]
list end

No comments:

Post a Comment