Friday, September 2, 2011

> المفتي في العرقوب: كما تكونون نكون

المفتي في العرقوب: كما تكونون نكون
عفيف دياب

كأنها بلاد مستقلة، تلك المنطقة الواقعة عند مثلث الحدود اللبنانية ـــــ السورية ـــــ الفلسطينية. «فتح لاند» هو الاسم الحركي الذي عرفت به قبل الاجتياح الإسرائيلي
عام 1982، والذي طغى على اسمها الرسمي «العرقوب». زائروها الدائمون: القصف الإسرائيلي والمقاومون والحرمان، وقلما أتحفها مسؤول من رتبة رئيس أو وزير أو شيخ
كبير، بزيارة. فقابلت الصد بالصد ولم تكترث كثيراً لرجالات الدولة اللبنانية ورموز طوائفها. وبطبيعة الحال لم تُشغل يوماً باستقبال هذا المرجع الرسمي أو ذاك
الرمز الديني. همومها وشجونها في مكان آخر. مزاجها السياسي فريد من نوعه في لبنان، وتحديداً جنوبه، وهو حكماً لا يلتقي مع بعض أمزجة وعقائد وأيديولوجيات السياسة
اللبنانية ـــــ الطائفية ـــــ المذهبية. بلاد لها نكهتها الخاصة في كل شيء.
نكهة العرقوب، أحبَّ أن يتذوقها مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، فقدم إليه أحد رجالها وجبة دسمة، بعدما أبلغه همساً أن هنالك أكثر من 3 ملايين متر مربع
من أملاك الأوقاف الإسلامية في… مزارع شبعا المحتلة.
لم تكن «الأوقاف» المحتلة هي الشيء الوحيد الذي قدمته المنطقة الجنوبية النائية ـــــ المنسية على سفوح جبل الشيخ الغربية، إلى المفتي الذي حاول أمس توسيع خريطة
جولته بعد زيارة يتيمة منذ 11 عاماً اقتصرت على شبعا، فقدمت إلى نظره طبيعتها الخلابة وسنديانها المميز، وإلى أذنيه ما لم يسمعه يوماً في بيروت أو في غيرها
من المناطق.
أهالي العرقوب استقبلوا مرجعيتهم الدينية الأكبر، أمس، على طريقتهم الخاصة، بلا أعلام أحزاب أو تيارات ولا أقواس نصر وخطابات سياسية «خشبية». لم يسمع المفتي
في العرقوب أن الخطر يتهدد الطائفة، أو أن «حزب السلاح» يقضّ مضاجعها، أو أن رئاسة الحكومة في قبضة محاور الشر، بل سمع كلاماً مغايراً، ولمس ضعف الدولة في كل
شيء. وشاهد بالعين المجردة مواقع الاحتلال الإسرائيلي في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، وتحرك الدبابات المعادية عند بوابة المزارع.
في جولته التي شملت العرقوب وحاصبيا استمع قباني أكثر مما تتكلم. قيل له بوضوح وبأعلى الأصوات في كفرشوبا: «نحن هنا لا نصغي إلى الفتن، ولا نستجيب لعوامل الانقسام
والتشرذم. إننا نرفض الانقسامات المدمرة لوطننا ولوطنيتنا. نحن هنا لا نعرف إلا عدواً واحداً هو العدو الصهيوني». كلام كان واضحاً ولا لبس فيه. سمعه الزائر
وحفظه جيداً، إلى درجة أنه بدأ يكرره في بقية محطات جولته، بل وحوّله إلى وصية لأبناء العرقوب أعلنها من على بعد أمتار قليلة من موقع الاحتلال في رويسات العلم:
«إسرائيل عدوتنا. تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هو بوابة تحرير المسجد الأقصى وكل فلسطين».
وحتى برنامج الزيارة الذي أُعدّ جيداً، لم يسلم من نكهة العرقوبيين، فعندما قصد موكب قباني بلدة شبعا، فوجئ بحشد من الأهالي يتجمع عند بوابة مزارع شبعا. لم
يكن هدف المحتشدين استقبال الزائر، بل اعتراض الموكب، ومنعه من إكمال طريقه نحو البلدة ما لم يترجل مفتي الجمهورية قرب الخط الأزرق ويراقب المزارع المحتلة ويلقي
كلمة، مؤكدين أن وقوفه على بوابة المزارع هو جوهر الزيارة وهدفها. وبعد أخذ ورد لبى قباني طلب الأهالي وراقب جانباً من المزارع المحتلة ومواقع الاحتلال، وقال:
«وقفتنا هنا على بوابة مزارع شبعا، هي وقفة تاريخية. أمامنا الجيش اللبناني الأصيل وقيادته الحكيمة، هي الحارسة لأرض الوطن وللشعب اللبناني ولأمنهم وسلامهم
في هذه المنطقة والجنوب عامة. نحن نعاهدكم أن نكون معكم يداً بيد، وتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هو أمانة في أعناقنا».
وبعد تلبية رغبة الأهالي، توجه قباني إلى شبعا حيث أمّ المصلين، وألقى خطبة الجمعة التي ضمّنها مواقفه هو، والتي حاول فيها مراعاة تيار المستقبل المقاطع لزيارته،
فتحدث طويلاً عن الرئيس الراحل رفيق الحريري «شلت الأيدي التي اغتالته وخططت وأسهمت في قتله»، وعن ضرورة وفاء الحكومة بالتزاماتها في تمويل عمل المحكمة الدولية
«سبيلنا لكشف الحقيقة كاملة»، قبل أن يؤكد مطلبي: العدالة والاستقرار «وكلاهما مطلوب، العدالة مطلوبة كما الاستقرار، وواجبنا ومسؤوليتنا أن نحقق العدالة والاستقرار
معاً، لا أن نخسر الاثنين معاً».
وفي المحصلة، الزيارة نجحت سياسياً، وحتى شعبياً، رغم الهجوم «المستقبلي» على الناقل والمنقول، فالمفتي انتقل من بيروت إلى المنطقة النائية، على متن طوافة عسكرية
تابعة للجيش أنزلته في مرجعيون، ولم يستطع تيار المستقبل منع أهالي أي بلدة من استقباله، لأن المنطقة بحسب ما قال النائب قاسم هاشم لـ«الأخبار»: «كانت تنتظر
زيارة المفتي منذ عقود، وجولته كانت مهمة جداً لأنها رمزية بامتياز. فموقع المفتي ليس موقعاً عادياً، أو ملك لطائفة أو حزب». وأكد أن جميع أهالي شبعا وكفرشوبا
وكفرحمام والهبارية «نزلوا لاستقبال المفتي»، وبالتالي فإن «محاولات البعض إفشال الزيارة أو مقاطعتها شعبياً، قد فشلت».
الصحافيون أبوا أن تنتهي الزيارة دون سؤال المفتي عمّا يحكى عن خلاف بينه وبين المستقبل، فنفى وجود أي خلاف، مؤكداً أن العلاقة «جيدة جداً، وكل ما يشاع ويذاع
هو نوع من الوهم أو الإيهام»، لكن الصورة لم تكن بهذا الصفاء في جانب المستقبل، فالنائب خالد زهرمان، قال في لقاء تلفزيوني «ربما هناك سوء تفاهم في بعض المواقف»،
لكنه ذكر أن غياب نواب الكتلة عن صلاة العيد «لم يكن أمراً مبرمجاً»، الأمر الذي ناقضه النائب جمال الجراح، بالقول: «ما قمنا به هو التعبير عن موقف سياسي يعنينا».

No comments:

Post a Comment