Sunday, September 11, 2011

الراعي يرد على "الحرب" ضده مؤكداً مواقفه: لم يعط الأسد فرصة للإصلاح... ونخاف من الأسوأ بعده
عند وصول الراعي إلى مطار بيروت (عباس سلمان)
غراسيا بيطار
فتح الرئيس الفرنسي عينيه واسعا جدا لدى سماعه بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق. توسّع البؤبؤ فكاد أن يغطي مساحة "اللغط" الذي رافق زيارة البطريرك الماروني الى
ربوع "الأم الحنون". إنه "لغط مبني على الاجتزاء". هكذا يفهم من كلام سيد بكركي الذي حرص فور عودته على عقد لقاء مصارحة مع حلقة ضيقة من الإعلاميين لكبح جماح
"حرب" اشتمّ بعض المقربين طلائعها ضدّه. "إنه نتاج الغرف السوداء"، هكذا يقرأ بعض المعنيين "الملدوغين" حديثا من "الجحر" عينه. "العداء لإسرائيل" طبع خطاب بطريرك
الموارنة. على ثلاثة مخاوف ركّز وبإعادة نظر في المقاربة الفرنسية طالب. "إنها مخاوف للاستدراك" يقول. "الورشة" قائمة في الصرح والكنيسة القديمة تخضع للترميم.
فيدخل العائد الكبير مباشرة الى الصالون الكبير حيث شُيّد مذبح مؤقت لأداء صلاة الشكر وإلى جانبيه الوزير سليم كرم والنائب نعمة الله أبي نصر والمطارنة رولان
أبو جودة، بولس صياح وسمير مظلوم وكهنة وأقارب ومحبون. "هل وصلك ما قيل عنك سيدنا؟". يسأل أحدهم البطريرك فيجيب: "أنا أرى الناس كبارا وأريد دائما أن أراهم
هكذا". تصغر الحلقة فيسترسل بالكلام. والكلام البطريركي أوله إعجاب شديد بـ"الجدية لدى المسؤولين الفرنسيين والتنظيم والاحترام والكبر والعمق". كل اللقاءات
التي عقدها هناك كانت حول طاولات وحتى العشاءات كانت تحت عنوان "عشاء عمل". يندهش لقدرة مضيفيه على حصر كل لقاء بـ 45 دقيقة. بالتمام. يقدّر عاليا حرص رئيس
فرنسا على استقباله بحفاوة لا حدود لها. يأبى إلا أن ينتظره على درج الطائرة مستقبلا ومودعا "استقبال رئاسي" وصفه من رافقه في الزيارة. لماذا كل هذا "الدلال"؟
يعلق البطريرك: "المسألة تعود الى كونهم يريدون أن يستوضحوا ويعرفوا الحقيقة بموضوعية بعيدا عن أي مصلحة أو ارتهان بعدما اعتادوا ربما على من يذهب اليهم من
لبنان شاكيا ومستزلما". ويتابع: "لقد عرضوا لرؤيتهم عن لبنان والمنطقة وجهّزوا ملفاتهم وفتح باب الاستفسارات". مطر غزير من الأسئلة هطل على البطريرك من المسؤولين
الفرنسيين وفي مقدّمهم نيكولا ساركوزي الذي "محاطا بمستشاريه الستة، على ما يؤكد الراعي، كان الأكثر جدية". سأل عن السنّة والشيعة في لبنان، وضع المسيحيين في
لبنان والشرق، حزب الله، الوضع السوري، المحكمة الدولية.... هو يجيب وهم يدوّنون. "همّ المسيحيين في الشرق حاضر في الأجندة الفرنسية" يؤكد الراعي. ولأن سوريا
في قلب هذا الشرق، يسرد البطريرك ما قاله للفرنسيين: لسنا مع النظام السوري ولا مع غيره فالكنيسة لا تدعم أنظمة. أما القيامة التي قامت على عبارته "إعطاء فرصة
للأسد"، فأوضح البطريرك أنه في لقاء ضمّ حوالى 40 شخصا وقف أحد الحضور وسأله السؤال نفسه بصيغ مكرّرة: "ماذا كان يجب أن يُعمل في سوريا". فأجابه: "كان يمكن
أن يعطى فرصة لاستكمال الإصلاحات التي بدأها منذ آذار الماضي". وتضمنت إجابة الراعي كذلك وصفه الرئيس الأسد بـ"المعتّر" le pauvre التي فسّرها البعض في غير
مكانها ويقول البطريرك في هذا الإطار: "أضفنا هذا الوصف على الرئيس السوري لأننا قلنا إن وراءه حزبا وبالتالي لا يقدر أن يقرر وحده فبدلا من أن يزعل هو زعل
آخرون". وهل صحيح أنه تلقى من الفرنسيين جزما بأن النظام السوري الى سقوط؟ اكتفى الراعي بالإجابة: "هم سائرون بالسياسة التي تعنيهم وأنا لن أفصح عمّا قالوه
فليتكلموا هم إذا أرادوا". "لقد قلتها لهم عاليا، يتابع، هل يعقل أن تعترف الأسرة الدولية بإسرائيل دولة يهودية، ألا تشجع بذلك على زيادة المجموعات الأصولية
والدول الدينية المتطرفة؟". في الشق السوري قيامة أخرى قامت متهمة البطريرك بـ"استعداء سنّة لبنان". على هذا يجيب: "لقد حصل اجتزاء لكلامي فأنا لم أربط الإخوان
المسلمين في سوريا بسنّة لبنان بل قلنا إنه إذا حصلت حرب أهلية بين السنّة والعلويين في سوريا فإن المسيحيين هم من سيتأثر وسيدفعون الثمن في كل الانظمة المتشددة".
وهنا حدّد رأس الكنيسة أمام الفرنسيين المخاوف الثلاثة حيال الوضع السوري والمنطقة: "أولا إذا كان لا بد من انتقال النظام فنحن نتخوف من الوصول الى الأسوأ لأن
هناك أنظمة ممولة ومسلحة وبالتالي بين السيئ والأسوأ نختار السيئ، ثانيا التخوف من حرب أهلية في سوريا لأن مجتمعاتنا مؤلفة من طوائف ومذاهب والمسيحي في النظام
المتشدد "بياكلها"، ثالثا نغمة التقسيم التي لم ننسها بعد ونتخوف من الوصول الى فتفتة العالم العربي الى دويلات مذهبية". تمنّى البطريرك على الفرنسيين أن يأخذوا
المخاوف الثلاثة في مقاربتهم للوضع في لبنان والمنطقة. فجاء دور "حزب الله". "أنت تشكّل الغطاء المسيحي الأكبر لسلاح ضد الدولة". سمع البطريرك الاتهام وأورد
ما قاله للفرنسيين: "ليس من الطبيعي أن يكون الحزب مسلحا وممثلا في الوقت نفسه في الحكومة والمجلس ولكن المسؤولية تقع عليكم أنتم كأسرة دولية قوموا بواجبكم
وانزعوا ذرائع الحزب بأن أرضنا محتلة وضد التوطين وعلينا البقية". لم يتحفظ ساركوزي على هذا الكلام ولكنه فتح عينيه أكبر وهو يصغي الى الراعي يقول له: هل محكوم
علينا أن تبقى إٍسرائيل على قلبنا والفلسطينيون هنا؟ ترموننا في النار وتقولون لنا إنكم تحترقون؟". وهنا يوضح بأنه لم يربط نزع السلاح بحق العودة بل "حزب الله
يقول إنه ضد التوطين فليقم إذاً المجتمع الدولي بمهمته ويطبق القرارات الدولية وينزع ذرائع حمل السلاح". أطلق البطريرك مواقفه من فرنسا "في فلك الفاتيكان" فجاء
التطابق غير المبني على "تخطيط" أو "تشاور مسبق" على ما حلّل البعض. وبعد كل ذلك هل سمع أي ضمانات فرنسية لحماية المسيحيين إذا ما فاجأت سوريا العالم؟ يجيب
بابتسامة: "في النهاية نحن لسنا سلطة سياسية. لقد طالبنا عاليا بتقوية الجيش وبسد الثغرات في الطائف والتي ظهرت بعد أكثر من عشرين سنة وتتعلق بصلاحيات رئيس
الجمهورية إذ لا يعقل أن انتخاب رئيس يحتاج الى دوحة وتأليف حكومة الى "س - س"...". وباستغراب العارف يسأل عما هي ثوابت بكركي التي اتهمه البعض بالتخلي عنها:
"بكركي لم تقل يوما بالعداء لسوريا والبطريرك صفير لطالما طالب بأحسن الجيرة معها". معلنا عن تمسكه بكل مكونات الشعب اللبناني وبالدور المسيحي "التوفيقي" بين
تلك المكونات. على وقع معلومات تردّدت عن "حملة استنكار" كادت بعض القوى المسيحية تنظمها في اتجاه بكركي ضد سيدها ولجمتها جملة اتصالات، عاد البطريرك إلى بيروت
وأسر للصحافيين أنه تلقى اتصالا من أحد الفرنسيين الرسميين يشير فيه إلى أن أثر الزيارة كان "طيبا جدا". ولكن ماذا عن أميركا وهل البطريرك متخوف من إلغاء زيارته
جراء الجو السيئ الذي نقله حياله بعض الإعلام؟ يجيب الراعي: "أنا ذاهب الى أميركا في بداية تشرين لكي أزور الأبرشيات لا الحكام... فبالنسبة الى البطريركية المارونية
فرنسا شيء وأميركا شيء آخر". في المطار أشار البطريرك بشارة الراعي بعد عودته من باريس أمس إلى انه "ينبغي أن ننظر الى الأمور بعمق لا بسطحية، وألا نكون جماعة
انتهاز، ولكن ان نكون موضوعيين" مضيفاً: انا لا أقول اي شيء آخر عما سمعته وقرأته، لكن أسفت ان معظمنا ينظر الى الأمور بسطحية، يتعلق بكلمة ويبني عليها، من
كرتون ومن سراب". أضاف: "ان ما قيل هنا وهنالك من تفسيرات ليست بمحلها ولا يتلاءم إطلاقا بما كنا فيه في هذه الايام من جدية والنظر بمسؤولية للأمور". وقال الراعي:
"لم أكن يوما كما أشار بعضهم، أنا أمين للشعار الذي اتخذته: شركة ومحبة، أحترم الجميع، أحب الجميع، أريد الخير للجميع، لست رجل شكوى ولا تشك". وكان في استقبال
الراعي في المطار وزير الدولة سليم كرم ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، القائم بالاعمال الفرنسي ديدييه شابير، النائب عباس هاشم، وفد يمثل المدير
العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمطارنة: رولان ابو جودة، بولس صياح وطانيوس الخوري ومستقبلون.

No comments:

Post a Comment