Sunday, September 11, 2011

مدافع البطريرك وملوك الطوائف
واصف عواضة
لا يملك بطريرك الموارنة مدافع ولا صواريخ ولا حتى أسلحة خفيفة يقاتل بها الآخرين، شأنه شأن بابا روما الذي كان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين يسخر من مواقفه
السياسية. لكن البطريرك يملك قوة معنوية لها تأثيرها السحري في الساحة السياسية التي غالبا ما تنقسم حول مواقفه وآرائه المتعلقة بالشأن العام. وعليه، نادرا
ما أجمع الموارنة على زعيمهم الروحي، حتى انه نُسب الى الرئيس كميل شمعون ذات يوم كلام هدد فيه بأنه "سيجعل العشب ينبت على طريق بكركي"، في اشارة الى مقاطعة
الصرح البطريركي. وفي هذا السياق ليس البطريرك الحالي بشارة الراعي اول من يواجه هذه الحالة نتيجة مواقف صريحة أدلى بها في باريس، ويعتقد انها تنسجم مع الواقع
القائم في لبنان والمنطقة، ومن شأنها حماية المسيحيين الذين تعرضوا في العقود الماضية لحملة تهجير منظمة من كل دول المشرق. ويتضح في هذا المجال ان المشكلة ليست
في البطريرك الماروني بقدر ما هي في الموارنة أنفسهم الذين يريد كل فريق منهم ان يشد لحاف بكركي الى سريره، ليغطي مواقفه السياسية التي يتصف بعضها بالتهور في
محاكاة الاحداث في المنطقة، والرهان على المجهول الذي غالبا ما أثبت عقمه. وليس أدل على ذلك من اغتباط فريق من الموارنة اليوم بوصف مسؤول اميركي رفيع (على ذمة
الناقل) مواقف زعيمهم الروحي بأنها "نافرة ومتهورة". صحيح ان ما ينطبق على بطريرك الموارنة يكاد ينسحب على مفتي السنة الذي تعرض في الآونة الأخيرة لهجمة شرسة
من بعض أهله جراء إظهار بعض التوازن في مواقفه، لكن الهالة التي تُلقى عادة على كاهل بكركي، انطلاقا من أن "مجد لبنان أعطي لها"، تحمّل البطريرك وزر الكلمة
التي يطلقها في الشأن العام، أيا كانت وجهتها أو خط سيرها، وتربك بالتالي أي مسعى توفيقي له، سواء أكان على مستوى الطائفة ام على مستوى الوطن. لقد راهن البعض
على الراعي لقيادة تسوية تاريخية على مستوى لبنان انطلاقا من الشعار الذي أطلقه عند تنصيبه (شراكة ومحبة)، إلا انه من الواضح في ضوء ردود الفعل التي تواجه مواقفه
الاخيرة في الداخل والخارج، ان ثمة من يرفض أي دور متوازن لبكركي في هذا المجال اذا لم يكن منسجما مع تطلعاته ورهاناته. وليس سرا القول ان دور بكركي في هذا
المجال تم تعطيله منذ زمن، لأن البيت الماروني اساسا ليس حاضرا لرعاية مثل هذا الدور الوفاقي وتغطيته. والواضح ان مدافع البطريرك لن تقوى على ملوك الطائفة المارونية،
مثلما تعجز مدافع الرؤساء الروحيين قاطبة عن ملوك الطوائف في لبنان. وهذا يطرح من جديد علة النظام الطائفي في لبنان، حيث يستخدم الدين وسيلة وغطاء لكل الممارسات
الشائنة، ما يحول دون بناء وطن نظيف ودولة محترمة في نظر أبنائها وفي نظر الآخرين. وفي هذا المجال يبدو محرّما على بطريرك الموارنة، وعلى غيره، النظر الى الامور
بشيء من الواقعية والمنطق، تجنبا لسقوط الهيكل مرة أخرى على رؤوس الجميع، وتحديدا رؤوس المسيحيين.

No comments:

Post a Comment