Saturday, September 10, 2011

«الصوت الفردي» و«النسبية» يستعرضان عضلاتهماهل يخلع المسيحيون رداء تحالفاتهم... ليلتحفوا جبّة البطريرك الانتخابية؟
كلير شكر
قد تكون من المرّات النادرة التي لا يضطر فيها البطريرك الماروني، إلى «توضيب» مشاكل رعيته المتناثرة بين المحاور السياسية، ضمن حقائب رحلته الخارجية. غادر بشارة
بطرس الراعي إلى فرنسا، مطمئن البال إلى أن أبناءه «القادة» مهيأون نفسياً للالتقاء حول أجندة تشريعية مشتركة، ولو أنها قد تكون محصورة ببند وحيد: قانون الانتخابات
النيابية.
فالاجتماع الأول الذي احتضنه الديمان، خلّف انطباعاً إيجابياً في أذهان سيّده، بعدما خرج ممثلو القوى الأربع الأساسية من الصرح البطريركي، متفقين على أنهم سيتفقون
على صيغة موحدة لهذا المشروع الحيوي، وفي أصعب الحالات سيلتقون حول مبدأ مشترك. وللوصول إلى هذه النتيجة، يفترض بقادة الشارع المسيحي، وضع خلافتهم المزمنة جانباً،
كما خلع رداء تحالفاتهم السياسية، ولو مؤقتاً، (وهنا التحدي الأصعب) لبلورة صيغة قانونية موحّدة، تحمل وظيفة محددة ألا هي تحسين التمثيل المسيحي في البرلمان.
لكن طموحات رأس الكنيسة المارونية، لن تقنع باجتماعات اللجنة المصغرة، لا بل تتطلع إلى الاجتماع الموسّع للنواب الموارنة، الذي تمّ تأجيله إلى 23 الشهر الحالي،
كي تتمكن اللجنة من إنجاز مسودة عمل اللقاء الموسّع، علماً بأن البطريرك الراعي حاول إضفاء طابع شمولي على اللقاء المرتقب، من خلال دعوة الطوائف المسيحية الأخرى
للمشاركة في ورشة عمل. وهو لذلك أجرى سلسلة اتصالات مع مسؤولي الطوائف الأخرى، التي فضّلت أن يحافظ اللقاء على طابعه الماروني.
أما الاعتبارات التي تحكم هذه الخطوة، فتكمن في:
ـ الاتفاق على صيغة مشتركة تكون وظيفتها بشكل أساسي تحسين التمثيل المسيحي، بمعنى تأمين أكبر عدد من نواب منتخبين من أبناء طائفتهم.
ـ لا محرمات مسبقة وضعت على طاولة النقاش التقنيّ.
ـ احترام اعتبارات الطوائف الأخرى، كي لا ترمى حصيلة هذا العمل في سلّة المهملات.
وعلى هذا الأساس، تعقد اللجنة المصغرة سلسلة اجتماعات جانبية، بالمفرق والجملة، لتنقيح مشاريع الاقتراحات التي جرى عرضها في اللقاء، حيث من المفترض أن يرسي
النقاش على اقتراح واحد، وحتى الآن فإن النظام النسبي هو صاحب الأسهم المرتفعة في بورصة المشاريع المتداولة، وذلك على أساس المشروع الذي تقدم به وزير الداخلية
السابق زياد بارود والقائم على أساس تقسيم لبنان إلى خمس عشرة دائرة مع اعتماد النظام النسبي، علماً بأن مشروع one man one vote الذي تقدم به مركز عصام فارس
ممثلاً بالسفير عبد الله بو حبيب، لم يرم بعد عن طاولة النقاشات التقنّية، وإنما جرى تشريحه خلال الاجتماع الأخير للجنة، لاستعراض «عضلاته التمثيلية»، كما سيصار
إلى مناقشة كل اقتراح، بحسناته ومساوئه، إلى جانب النتائج المرجوّة منه.
ويبدو أن بورصة الاقتراحات تميل إلى هذين المشروعين، بعدما تدّنت حظوظ الدائرة الفردية، لاعتبارات تقنية بحت، تحول دون تبنيه لبنانياً، وإن كان معمولا به في
كثير من الدول المتقدمة، ويوصف بأنه الأمثل. إذ أنّ الاختلاط الجغرافي بين الطوائف اللبنانية، وتشابكها الديموغرافي، يمنع تطبيقه، لجهة رسم دوائر انتخابية على
قياس الطوائف والمذاهب في العديد من المناطق الملوّنة طائفياً. وعلى سبيل المثال كيف يمكن رسم دائرة انتخابية للمقعد الدرزي في بيروت؟ أو المقعد الكاثوليكي
في المتن الشمالي؟
وإذا كان لاقتراح بارود الكثير من المصفّقين، كونه يتمتع بمقومات تحسين نسبة تمثيل الناخبين المسيحيين، لا سيما وأن نظام النسبية يلاقي مؤيدين من طوائف أخرى
نظراً لوظيفته الوطنية، فإن له أيضاً معترضين، أو غير متحمسين له انطلاقاً من جملة اعتبارات من شأنها إضعاف مهمته. وبرأي هؤلاء فإن نظام النسبية لا يضفي على
الانتخابات الميثاقية الطائفية، ذلك لأنه في حال تمّ اسقاط هذا النظام على نتائج انتخابات العام 2009، لتبيّن لنا أن 41 نائباً مسيحياً فقط سينتخبون من ناخبين
مسيحيين، في حين أن البقية سينجحون برافعة أصوات الطوائف الأخرى، سواء تمتّع هؤلاء بحيثية شعبية، أو لم يتمتعوا. وعلى سبيل المثال سيحمل النواب المسيحيون في
بعلبك ـ الهرمل وبيروت الثالثة، على أكتاف الأصوات الإسلامية، مهما كانت قيمتهم التمثيلية.
وبتقديرهم، فإن أبرز الثغرات التي «تحفرها» النسبية، هي المتصلة بتمثيل الأقليات، السياسية والطائفية، ذلك لأن المحاكاة العلمية التي أجريت لهذا النظام حذّرت
من هذه «الهفوة»، وأثبتت أن مرشح أي أقلية سيكون حكماً من اللائحة الأضعف، بعدما تستنفد اللائحة الأقوى المقاعد المخصصة لها، وقد لا يكون هذا المرشح هو الممثل
الحقيقي لهذه الفئة. وهذا ما سيحصل مع مرشح المقعد الماروني في مدينة طرابلس على سبيل المثال، أو المرشح العلوي.
وفي اعتقاد هؤلاء، فإن النسبية لا تلغي حرب المحادل القائمة على أساس المال والإعلام، نظراً للحاجة إلى تجييش الرأي العام وتعبئته وراء اللوائح المتنافسة. كما
أنها تسجن الناخب ضمن اللوائح المعلّبة سلفاً من جانب الزعامات الطائفية وتقيّد حريته، من دون إغفال صعوبات الفرز وتعقيداته والتي تستدعي إخضاع رؤساء الأقلام
لدورات متخصصة كي يتمكنوا من العملية الحسابية، علماً بأن القوى السياسية ليست أفضل حال، لا سيما وأن النسبية ستفرض ثقافة جديدة في تركيب التحالفات، كما تركيب
اللوائح.
ولا يغفل هؤلاء تسجيل ملاحظة جوهرية على الاقتراح الذي تقدم به بارود والقائم على أساس دمج بعض الدوائر، إذ أن «اللصق» برأيهم يؤدي إلى ذوبان المناطق الصغيرة
ضمن «الأوعية» الكبيرة، بما يخضعها لتأثيرها. كما أن النسبية تمنح الطوائف الثلاث الكبيرة ورقة الطغيان على الطوائف الصغيرة.
ولهذا تمكن اقتراح «الصوت الواحد للشخص الواحد» من حجز مكان له على طاولة النقاش البطريركية، كونه لا يشكّل أولاً انقلاباً على الثقافة الانتخابية الموروثة
على اعتبار أنه يعتمد النظام الأكثري، وباستطاعته ثانياً، الحفاظ على الميثاقية الوطنية، من خلال المساهمة في تشكيل لوائح مختلطة طائفياً من باب تعزيز التحالفات
وحض ناخبي المجموعات الطائفية على المشاركة تصويتاً. ويعتبر مروجو هذا الطرح، أن مشروعهم يتمتع بالقدرة على تعزيز الخيار الفردي من خلال سلّة المرشحين المعروضة
أمامه والموزعين على اللوائح التنافسية، وتحسين نوعية المرشحين لاستقطاب الناخبين، ويعزز التنافس بين مرشحي الخط السياسي الواحد.
ويقضي الاقتراح بأن يدلي الناخب بصوت واحد لمرشّح واحد في دائرة فرديّة أو متعدّدة المقاعد. ويفوز بالتالي المرشحون الذين يجمعون أكبر عدد من الأصوات. وفي لبنان
حيث يختلف عدد المقاعد بين الدوائر إذا تم اعتماد القضاء دائرة انتخابية (من 2 في دوائر بشرّي والبترون وصيدا إلى عشرة في دائرتي بيروت الثالثة وبعلبك ـ الهرمل)،
اقترح مركز عصام فارس تعديل النظام ليصبح «الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود»، بحيث يقترع الناخب:
ـ لمرشّح واحد في الدوائر التي تضم ما بين مقعد وثلاثة مقاعد ضمناً.
ـ لمرشّحين على الأكثر في الدوائر التي تضمّ ما بين أربعة وستة مقاعد ضمناً.
ـ لثلاثة مرشحين على الأكثر في الدوائر التي تضمّ ما بين 7 و10 مقاعد ضمناً.
وبمقدور هذا الاقتراح، وفق مريديه، أن يؤمن الميثاقية الطائفية، ووفقاً لهواجس المسيحيين، يعني أنه يحمي مقاعدهم التمثيلية من «نهم» الطوائف الأخرى، ذلك لأنه
يساهم في إيصال 50 نائباً مسيحياً منتخبين بأصوات المسيحيين إذا ما اعتمد اقتراح الصوت الواحد، فيما بمقدوره إيصال 47 نائباً مسيحياً بواسطة الناخبين المسيحيين
إذا ما اعتمد اقتراح الصوتين أو الثلاثة أصوات. بالنتيجة لا يمكن لقدمي مرشح مسيحي أن تطأ البرلمان إذا لم يكن يتمتع بحيثية شعبية، حتى لو تمّ انتخابه من ناخبين
من طوائف أخرى، وذلك باستثناء المقعد الماروني في بعلبك.
للإشارة، فإن نتائج انتخابات العام 2009، بيّنت أن 33 مقعداً مسيحياً فقط في دوائر ذات غالبية ناخبة مسيحية، مقابل 20 مقعداً مسيحياً في دوائر غالبية ناخبيها
مسلمون، في حين أن هناك 58 مقعداً مسلماً في دوائر ذات غالبية مسلمة.
وعلى هذا الأساس يعتبر هؤلاء أن الصوت الواحد من شأنه أن يدفع المسيحيين للتصويت للمقاعد المسيحية، حتى في الدوائر ذات الغلبة للطوائف الإسلامية، وعلى سبيل
المثال في دائرة طرابلس ستصب أصوات المسيحيين للمقاعد المسيحية، في حين أن المعارك الطاحنة بين الأقطاب السنيّة، ستلهيها عن المعارك الجانبية الخاصة بالطوائف
الأخرى، وبالتالي فإن النواب المسيحييين سيفوزون بأصوات المسيحيين.
كما لا يخشى واضعو الاقتراح، «نقزة» قد يثيرها في أذهان الطوائف الأخرى، لا سيما لدى الجناحين الشيعيين، كما أن «تيار المستقبل» على سبيل المثال، قد يلجأ إليه
كونه اقل ضرراً بالنسبة لحساباته، من نظام النسبية. أضف إلى تمتعه بمميزات عديدة أبرزها، سهولة الفرز، وتدني الحاجة للمال الانتخابي.

No comments:

Post a Comment