Sunday, September 11, 2011

> هذا ما يجعل ميشال عون زعيماً كسروانياً أول

هذا ما يجعل ميشال عون زعيماً كسروانياً أول
لا زوار لسوق جونية ولا مستثمرين فيه (هيثم الموسوي)

يختلف مضمون كسروان عن الشكل. المنطقة التي «يضربها» بقية اللبنانيين بـ«حجر كبير» تعاني قحطاً سياحياً وقصوراً إنمائياً. ولكن، لأن «التجربة العونية» لا تزال
أرحم من سابقاتها، يعقد القضاء لواء الزعامة للجنرال البرتقالي

غسان سعود

في منزل قديم تحوّّل مطعماً، كان أصدقاء إيلي غسطين يحتفلون بزيارته السريعة للبنان. هو أحد المقربين جداً من بشير الجميّل. بعد تنقّله بين مناصب إدارية عدة،
استقر منذ نحو عشرين عاماً في الولايات المتحدة. لا حاجة إلى التساؤل نخب من سيشرب غسطين حين يرفع كأس العرق. يعلم أصدقاؤه أن زيارته للبنان ليست إلا زيارة
للعماد ميشال عون. علاقة غالبية البشيريين بلبنان تمرّ بالجنرال؛ اسألوا مسعود الأشقر وشربل خوري والآخرين. «كاس عون». تقع عجلتون في المنتصف، تقريباً، بين
الساحل الكسرواني والجرد. لا يبقى في غالبية الكؤوس إلا الثلج. جرّبت كسروان الكثيرين وخلصت إلى: كاس عون. الكتلاويون المتقاعدون من العمل الحزبي ــــ وهم كثر
جداً في كسروان ــــ يحبّون ميشال عون أكثر كلما تحدث كارلوس إدّه أكثر. العائلات تدور في فلك عون: جيلبرت زوين، الغائبة سياسياً وتشريعياً وخدماتياً، حاضرة
دائماً بأصوات عائلتها.

لا يزيد وزنها الشعبي، صحيح، ولكنه لا ينقص أيضاً. بين الحاضرين طبيب يتذكر نصيحة غسطين له قبل عشرين عاماً بعدم العودة من الولايات المتحدة إلى لبنان، لأن رفيق
الحريري «لن يصنع أي ربيع». بينهم أحد المسؤولين الحاليين النادرين في حزب الكتلة الوطنية ممن يعتقدون أن كارلوس إدّه «أفهم» من الفاتيكان وبطريرك الموارنة
بمصلحة المسيحيين في الشرق. وبينهم أيضاً كابتن طيران ممن تعجزهم فضائح محمد الحوت وعجائب رياض سلامة عن الكلام في أي شأن آخر. كلما تحدث الكتلاويّ أكثر ترتفع
أسهم عون أكثر. يحلم الكسرواني لو يعذب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع نفسه، مرة، بعقد مؤتمر صحافي لمطالبة الإدارات الرسمية المعنية
بمعالجة الصرف الصحي في كسروان بتسريع عملها، بدل الانشغال بمؤتمر صحافي يومياً للمطالبة بصرف أموال اللبنانيين على المحكمة الدولية. بال المزارعين في تصريف
تفاحهم وبال جعجع في المحكمة الدولية. يركض الوقت. يأتي ناصر مخول بالعود. يلحّ الكتلاوي في طلب أغنية «سكابا يا دموع العين سكابا». الأفواه المليئة بالتبولة
والكبة النية تغني للمغتربين. تتحول الأمسية مسرحية رحبانية. يبدأ «المنطربون» من «حوّل يا غنّام، حوّل»، يمرون على «أتوب إلى ربي» وينتهون عند «قدّك الميّاس»
يا دمشق. تتلاشى كل المدينية الكسروانية المصطنعة حين ينتقل مخول من العود إلى الناي. ترقص عينا الكاتب السياسي جورج أبو معشر مع آلاف الذكريات؛ ابنه يرأس تجمع
رجال الأعمال في القوات اللبنانية، ومنصور البون ابن خالته، أما هو فيؤمن بعون. ينتخب الكسرواني عون لأنه يفضّل جلسة حميمية كهذه حول ناي، على جلسة رسمية في
حضرة أوركسترا أممية، ولأنه يبادر إلى سؤال الوفود الكسروانية حين يلتقيها عن موسم التفاح هذا العام، ولأنه يعلم أن الكسرواني سئم حروب الآخرين ويريد الاستقرار
في أرضه ليشرب يوم الأحد عرقاً ويأكل تبولة وكبة نية... وقد يدبك مغنياً للبنان. حين يتحدث البعض عن كسروان يعتقدون بأنها منطقة تبدأ من نهر الفنون عند نهر
الكلب وتنتهي في الكازينو. هم لا يعلمون أن أهل هذه المنطقة يعملون في الكازينو أكثر بكثير مما يسهرون فيه، وأن من يعدّ طعام المطاعم عادة لا يأكل منه. يختلف
مضمون كسروان عن الشكل. حين انتخبت كسروان قبل الحرب الخطيب الكتائبي لويس أبو شرف، لم تنظر إلى إخراج قيده، لم تبالِ بأنه «غريب» غير كسرواني. انتخبت رجلاً
يبقي الكسرواني في أرضه. خطيب حزب الكتائب اليوم سامي الجميّل لا يقدم للكسروانيّ ما يبقيه في أرضه. خطة الكهرباء، توفير المياه، التصالح مع القوى السياسية
الأخرى، كلها تمهّد لإبقاء الكسروانيّ في كسروان. في موازاة العناوين الكبرى التي يرفعها عون، ثمة عناوين صغيرة تتجاهلها القوى الأخرى.
من الوسط الكسروانيّ إلى سوق جونية. كبرت تلك المحال التجارية الصغيرة عند مدخل السوق مئة عام في الأعوام القليلة الماضية. بعضها تهدّم، البعض يترنح بين السقوط
والصمود، ومعظمها أقفل. لا زوار للسوق ولا مستثمرين فيه. يمكن سياح الصدفة أن يلتقطوا لأنفسهم صوراً مع سوق يظنونه تراثياً: نواب المنطقة وجمعياتها التجارية
وبلديتها مفضلون على... السياح وكل من يحب الأماكن الميتة. فوق المحال، تربط الشرفات المنازل بعضها ببعض. مسنّون على الشرفات، ومثلهم نحو خمسة يجتمعون في السوق
حول طاولة زهر. صوت النرد حين يصطدم بالطاولة فيرقص ثانيتين قبل الثبات على رقم، كصوت الموجة عائدة إلى البحر مع بعض الحصى. يروي أحد «اللعّيبة» أن تكلفة المعيشة
ترتفع هنا يومياً، لأن كل مسيحي يبحث عن استقرار سكني بعيداً عن خطوط التماس القائمة والمفترضة يشتري في كسروان، الأمر الذي يزيد الطلب على كل شيء مضاعفاً قيمة
العرض. جونية التي تحاصر بخليجها البحر تُشعِر أهلها بأنهم يسيطرون ــــ حتى ــــ على البحر.
عتب «اللعّيب» الآخر على «نواب عون» كبير. كانت المنطقة تنتظر من هؤلاء أكثر. النقد هنا عام، لا تفاصيل. يتحمّل النائب بالنسبة إلى ناخبه مسؤولية انقطاع الكهرباء
وارتفاع فاتورة المولدات الكهربائية الخاصة والضرائب الكثيرة وشحّ المياه وتراجع السياحة وعدم إيجاد الشباب فرص عمل. وضع الكسرواني أفضل مادياً ــــ ربما ــــ
من وضع آخرين كثر لأن غالبية العائلات الكسروانية لا تزال تملك، بحسب أحد لاعبي الزهر، أرض تفاح أو دراق. تمسح ليلى أوراق الشجرة على شرفتها، تقطع غناءها مع
سلوى القطريب لتوصي بإعلام الجنرال أن المنطقة تعتبر نفسها ممثلة اليوم بعشرة وزراء، وسيكون الحساب عسيراً إذا لم يحقق هؤلاء تطلعات الكسروانيين. يخرج أحد العونيين
ورقة من جيبه: إنجاز «الاتصالات» الأول مضاعفة سرعة الإنترنت. معالجة أزمة الكهرباء تبدأ مع إقرار الخطة. أقرّ المجلس النيابي أخيراً الاعتمادات لإنشاء محطات
تكرير في عدة مناطق كسروانية. بعد إنجاز سد شبروح، بدأ العمل بمشروع نبع الحضيرة لتكون كسروان أول قضاء يحلّ تماماً أزمة المياه. أما بالنسبة إلى الطرقات، فبدأ
النواب تنفيذ مشروع متكامل لتزفيت كل الطرق الكسروانية.
قدم النواب السابقون، المنافسون الجديون الوحيدون للعونيين في كسروان اليوم، لأهالي المناطق زفتاً وكابريهات. لا بنية تحتية ولا مشاريع سياحية أو صناعية أو
تجارية مهمة. قبلهم مرّت القوات اللبنانية في المنطقة. يقول خصومها في وصف ما ألحقه الحكم القواتي بكسروان إن بعض عناصرها كانوا يعتقدون الزفت سوساً والـ«موكيت»
سجاداً، فيحاولون نزعه لشحنه إلى مناطقهم. لا تزال التجربة العونية مقارنة مع التجارب السابقة أرحم إذاً. توحي بعض وجهات النظر بتعب أهالي هذه المنطقة من السياحة،
واقتناعهم بوجوب التركيز أكثر على مشاريع إنتاجية، سواء صناعية أو تجارية. والواضح في هذا السياق أن المستثمرين في توفير فرص العمل للكسروانيين، حتى لو خارج
لبنان، كآل افرام، يحظون بتقدير شعبي أكثر بكثير ممن يقضون الوقت في تقديم الواجبات الاجتماعية أو كتابة البيانات السياسية. بالقرب من بكركي، أنشأ الكاتب السياسي
جورج بشير مركزاً طبياً شبه مجاني. ستجد، سواء زرته عند الثامنة صباحاً أو الرابعة عصراً، أكثر من خمسين كسروانياً ينتظرون الدور لمعاينتهم. هنا دليل إضافي
على تقصير الوزارات المعنية من جهة وعلى الوضع الاقتصادي الذي يدلّ المواطنين على المراكز الطبية شبه المجانية من جهة أخرى. على أحد الجدران في المركز قائمة
طويلة بأسماء المتبرّعين. تدل الأسماء على «تضامن مسيحيّ» شبه استثنائي، فلا يكاد يغيب أي اسم من أسماء «المتموّلين المسيحيين».
لا يمكن المرور من هنا من دون التوقف عند «الشعور المسيحي» المزمن بالاستهداف. هنا أيضاً كأنه فصل من مسرحيات زياد الرحباني. يظهر من نعمة الله أبي نصر رأسُهُ
وكفاه. الرأس يردّد «كيف صرنا 30%؟» واليدان تولولان. الـ«نا» في صرنا للمسيحيين، والثلاثون في المئة أيضاً. تعجز كفاه عن التصديق. زوار أبي نصر اليوميون يصدقون
أكثر منه حتى «وجود مؤامرة». يردّدون عبارات مثل «خطة تلاعب بديموغرافيا البلد». لا يمكن أبي نصر ألا يحدثك عن مرسوم التجنيس الشهير. هو كان محامياً في الرابطة
المارونية حين قرر اللجوء إلى القضاء لحل هذه المشكلة. يومها سخر منه زملاؤه المحامون ومختلف مرجعيات البلد. صدر الحكم عن مجلس شورى الدولة بإعادة النظر في
المرسوم قبل ثماني سنوات، لكنه عبثاً يطالب بتنفيذ الحكم. «إنها المؤامرة». ولها وجوه أخرى: كيف تريد لنعمة الله أبي نصر التصديق أنه ما من مؤامرة «والمسيحي
الذي هجّر من بلدته قبل ثلاثة عقود لم يعد بعد»؟ إنها المؤامرة، اسألوا عن منع المغتربين من الاقتراع: «أكثر دولة في العالم تحتاج إلى مغتربيها هي أكثر دولة
في العالم تهملهم». على مكتبه كتابان، واحد عن «شيعة جبل عامل ــــ نشوء الدولة اللبنانية». وآخر عن «الدليل الحقلي لتطوير الشرق الأوسط». «يشعر المسيحي»، يتابع
أبي نصر، «بالغبن، وبأنه مبعد عن السلطة التي تتقاسمها طائفتان: السنّة (التنفيذية) والشيعة (التشريعية). أما المسيحيون فيصفقون هنا وهناك».
هنا، أيضاً، يوحي عون للشعب الكسرواني بأنه يفعل شيئاً، فيما غيره يتفرج أو يسهم في تكريس الواقع القائم. أبو شربل الذي يوقف سيارة الأجرة المرسيدس 190 بالقرب
من بلدية جونية يقولها حرفياً: «عون يحارب الشعور الانهزامي لدى البعض، فيما غيره يكرّسه. عون يطلب من أبنائنا حين يزورونه العودة إلى أراضيهم في حراجل وغوسطا
وكفرذبيان لحماية وجودهم من خلال زراعة أرضهم والاهتمام بأشجارها، فيما غيره يدعونهم إلى الذود عنها بالسلاح. عون يربح من أخطاء الآخرين: لماذا يحقّ لمختلف
الوزراء أن يصرفوا المليارات من دون أي مساءلة فيما تقوم القيامة حين يطلب أحد الوزراء المسيحيين المال لتنفيذ خطة إنمائية؟».
خلال خمسة أيام، زار إيلي غسطين عون مرتين. الكسرواني يعلم أن عون ما كان ليتردد في مشاركة أصدقاء صديقه كؤوس العرق وصحون التبولة والكبة النيّة وغيرها، لو
نسّق الأمر مسبقاً. وهذا ما يجعل عون الزعيم الكسرواني الأول.

برونزاج شرعي

يرى النائب نعمة الله أبي نصر أن المشروع الأساسي الذي يمكن تكتل التغيير والإصلاح أن يقدمه كإنجاز تاريخي لمنطقة كسروان، هو المرفأ السياحي الذي يمكنه استقبال
السفن السياحية، على غرار ما هو حاصل في مختلف دول البحر المتوسط. هذا المرفأ «سينعش المنطقة ويوفر لفنادقها وأسواقها ومنتجعاتها المختلفة ومراكزها السياحية
آلاف السياح، يومياً». سياحياً، لا بد من الإشارة إلى أن غالبية رواد الفنادق في الساحل الكسرواني إيرانيون. وليس للأمر علاقة بتفاهم التيار الوطني الحر وحزب
الله، يشرح صاحب فندق صغير، بل بتدني أسعار الغرف في فنادق كسروان مقارنة مع بيروت والمناطق السياحية في الجنوب والشمال. كثافة الإيرانيين تدفع أحد المستثمرين
إلى التفكير جدياً في إنشاء «مسبح شرعي». «برونزاج» شرعي في كسروان.

No comments:

Post a Comment