Thursday, September 8, 2011

نموذج الكهرباء.. مؤشر جديد لافتقاد «التيار» للإدارة السياسيةعن النواب «العونيين» والتنظيم البرتقالي... والإخفاقات المفتوحة
اجتماع للتكتل
كلير شكر
بينما كان العماد ميشال عون يستعرض أمام الإعلاميين «معادلة الكهرباء مقابل الحكومة»، ملوّحاً بإمكان الانقضاض سياسياً على خيار نجيب ميقاتي، كان نواب «تكتل
التغيير والإصلاح» يستمعون إلى مفرداته «المدفعية»، مشدوهين لنبرته التصعيدية، يلاحقون وتيرة صوته، في محاولة لفك شيفرة الرسائل التي يريد إيداعها البريد السريع.
بدوا في حال «نقزة» جماعية، شبيهة لتلك التي أصابت الجمهور المتفرّج، الذي لم يحسب للفورة العونية هذا الحساب، ولم يعتقد أن غضب «الجنرال» قد يدفعه إلى إخراج
وزرائه من جنة السلطة... وقد طوّق «ضباطه» بجدار من التساؤلات على شاكلة: لماذا وكيف وإلى أين؟
فتشت «القيادات البرتقالية» في جعبها عن معطيات تفسّر غضب قائدها، فوجدتها خالية من أي «مونة» قد تساعدها على رسم صورة واضحة للمياه التي تسير من تحت قدميها...
استدعت ما توفر من ذخائر ذاتية لمواكبة الخطاب الناري لسيّد الرابية. عادة، بعض النواب ينجح في التقاط الإشارات واللعب على نفس «النوتة»، والبعض الآخر يستعين
بخبرات «الرفاق» للحفاظ على وحدة الصف، وهناك من يغرّد خارج السرب، أو يسير جنب الحائط كي لا «يزحط» في الكلام وهناك من قرر أن يبلع لسانه مذ انتخب نائباً وحتى
موعد الولاية النيابية الجديدة.
ما يسري على «الجنرال» يسري على «الصهر» أيضاً. فتش النواب عن قاموس جديد في السوق لتفسير بعض التعبيرات، لكنهم لم يجدوا مبتغاهم وعندما كان بعضهم يستمع الى
مقررات مجلس الوزراء ليل أمس، راح يضرب أخماسه بأسداسه: «قيل لنا في اجتماع التكتل الثلاثاء الماضي إننا لن نقبل ببحث أي تجزئة للتمويل ونبيه بري سيقف معنا
وكذلك «حزب الله» واذا أصر نجيب ميقاتي على موقفه سنضرب يدنا على الطاولة ونقدم على خطوة هي أكثر من اعتكاف وأقل من استقالة... باختصار سنعطل الحكومة وفرصة
إقرار أي مشروع اذا لم يقر مشروع الكهرباء بنسخته الأصلية وبلا تجزئة التمويل... الحقيقة أن من ضرب يده على الطاولة هو نجيب ميقاتي وأصر على المشروع معدلا ولم
نقدم على أية خطوة.. فماذا سنقول غداً لجمهورنا إلا المزيد من التبريرات التي لا طائل لها».
ليست المرّة الأولى التي يطلّ فيها أعضاء التكتل المسيحي الأكبر، لا بل كل قياداته على جمهورهم، مربكين في ملاحقة استراتيجية «جنرالهم»، يشكون ندرة الـ«داتا»
التي تخوّلهم مقارعة الخصوم بطلاقة وثقة بالنفس. حتى اولئك الذين يشكلون الحلقة الضيقة في «التيار الوطني الحر»، بمعنى أنهم من حملة «البطاقة البرتقالية»، لا
يملكون أحياناً، «امتياز معرفة» لا تفاصيل الأحداث ولا عناوينها.. ولو المفصلية منها.
أصلاً، تفتقد تركيبة «التكتل» منذ نشأته لمقومات التجانس. «كوكتيل» متعدد الألوان، فيه كلّ النكهات ويرضي كلّ الأذواق. لا تشبه مكوناته بعضها البعض في الخلفية
السياسية أو في الثقافة أو حتى الإمكانات الشخصية. هناك الحزبي، الأكاديمي، الإقطاعي، المتموّل... وبالتالي فإن انتاجيتهم النيابية لم تكن، ولن تكون أبداً متكافئة.

فهو يضم تلك الفئة التي جُرّبت لأكثر من دورة، وعجزت عن ترك بصمات في أدائها، بشكل يدفع الناس إلى تسمية أعضائها بالاسم عندما يحين موعد «جردة الإخفاقات». ولعل
بعض نواب كسروان يمثلون النموذج الفاقع عن هذه الفئة. كما يضم تلك المجموعة التي تلونت «عونياً» عام 2009، واستفادت من وهج «التيار»، لكنها راحت تتصرّف بشكل
مناقض لسلوكية التنظيم وثقافة أبنائه، ولا تراعي مصلحته.. ويجوز إسقاط بعض نواب جزين في هذه الخانة وخاصة من كانت لهم بصمات فاقعة في ملف «بنك المدينة».
أما الفئة «البرتقالية» التي تعتبر «نواة» الكتلة النيابية، فإنّ معظمها يبكي حاجته للدعم. كل أنواع الدعم. المعنوي قبل المادي. بعضهم يصرف من جيبه ليسد حاجات
الناس التي تطرق أبوابهم، وبعضهم الآخر يتجنب سياسة الخدمات ليهندم «بروفيله» الإعلامي على أمل تحسين موقعه الجماهيري. ولكن «السمة المشتركة» بين غالبيتهم الساحقة،
هي افتقادهم أحياناً لـ«بوصلة» القبطان، وتوجيهات القيادة في الملفات المثارة، واتكالهم على المعلومات التي تصله بالتواتر أو بالحشرية...
هذه الملاحظات يمكن أن تندرج كلها تحت الادارة السياسية. حتى اجتماع التكتل الأسبوعي، يتحول في معظم الأحيان الى ما يشبه مناسبة للترتيل السياسي المعروف والذي
يمكن أن يجد معظم النواب فائضا أدسم منه في الاعلام الورقي والالكتروني.
ولهذا من غير المستغرب، أن يحلّق «التكتل» فوق جمهوره، على شكل أسراب غير منسجمة، كلّ طائر يغرّد على ليلاه... وفق «نغمات» مقوماته ومصلحته. ثمة جناح مهادن
يلعب على وتر التعابير الطرية، بارع في تدوير الزوايا، غزال في الهروب من المواقف الحادة والمسننة، اختصاصي في انتقاء المفردات الفضفاضة التي لا تحرجه مناطقياً
أو في علاقاته السياسية. وهناك من حملته مخيلته الخصبة إلى بدء الاستعداد للاستحقاق المقبل، مذ أن أقفلت صناديق الاقتراع عام 2009، والتصرف على هذا الأساس.
وهناك من يمدّ جسور التودد مع قواعد الخصوم، من دون القواعد «البرتقالية» كونها في «الجيب»، معاكساً التوجيهات السياسية والنيابية لزملائه في اللائحة... وثمة
فئة «نادرة» تتمتع بالجرأة، وقادرة على مجاراة «قائد الأوركسترا» في توزيع «القذائف» يمنة ويسرة...
ولكي تكتمل محاسن «التكتل»، باتت الخلافات بين أعضائه موضع تندّر بين «البرتقاليين»، كباراً وصغاراً، على مسمع «الجنرال» ومرآه. الخلافات بين ابراهيم كنعان
ونبيل نقولا يتابع أبناء المتن يومياً فصولها، تارة بالروايات التي تصلهم وطوراً عبر بياناتهم الإعلامية «التنافسية». أما الشكاوى بين زياد أسود وميشال حلو
فقد تكدّست على طاولة الرابية، من دون أن يرفّ لها جفن. لكن الغريب هو اللامبالاة التي تبديها الإدارة المركزية تجاه هذه الخلافات، والتراخي الذي يطبع سلوكها
تجاه هذا التفلت.
مما لا شك فيه، أن هذه الفوضى تعبّر عن خلل تنظيمي في الدرجة الأولى، بسبب غياب الضوابط الحزبية أو الأطر التنظيمية، فيما تحاذر القيادة تسجيل موقف لصالح نائب
ضدّ آخر، وإن كانت تدرك تماماً أن سلوكية البعض قد تؤذي «التيار» داخلياً وعلى المستوى العام.
ومن الطبيعي، وفق هذا الواقع، أن يكون التفاوت حاضراً، بين القدرات الخدماتية لنواب «التكتل». فعلى مستوى الخدمات الخاصة، تلعب دينامية النائب ومروحة علاقاته
واتصالاته الشخصية دوراً مهماً، لا سيما أن هيكلية «التيار الوطني الحر» تفتقد حتى اللحظة، لدائرة مركزية متخصصة بمراجعات المواطنين، وطلباتهم، علماً أنه يتم
مناقشة آلية لتثبيت هيكلية خدمات في الوزارات «البرتقالية» لمتابعة هذه الشؤون. كذلك الأمر بالنسبة للخدمات العامة التي تتطلب من النائب اطلاعاً واسعاً على
أوضاع دائرته الانتخابية ومسحاً شاملاً لوضعها الإنمائي، كما تفنيداً لوضع المؤسسات الرسمية وحاجتها البشرية. ولهذا، فإن حضور النواب في هذا الميدان غير متساوٍ،
بل يرتبط بقدرة المشرّع على وضع يده على «حنفيات» الخدمات العامة. فبعضهم يتصرّف على طريقة «القبضايات» لاقتناص الخدمة من بين أسنان الخصوم والحلفاء على حدّ
سواء، وبعضهم الآخر يردعه خجله إذا ما صدّه أصحاب النفوذ.
في الحكومة «الميقاتية»، يمكن لـ«العونيين» أن يغرفوا من «حواضر البيت». ولكن أبواب الوزارات الخدماتية ليست جميعها متاحة أمام نواب «التكتل»، وبعضهم تصل به
حالة «التضييق» التي تمارس من جانب بعض الشركاء، إلى حدّ التهديد بالنزول إلى الشارع في حال القفز فوق النواب في مسائل تعني مناطقهم!
في النصف الثاني من ولاية برلمان 2009، يذهب بعض «العونيين» إلى حدّ وضع الآلية التي كرسها «الجنرال» لانتقاء ممثليه التشريعيين، موضع تقييم جدي، ليخلصوا إلى
عرض الكثير من النماذج التي أثبتت فشلها. فمناضلو «التيار» الذي ارتدوا «الكرافاتات» النيابية، «فشوا خلق» رفاقهم، ولكن معظم من اتوا من خارج النادي الحزبي،
على أمل أن يحصنوا «المنزل البرتقالي» بقيمة مضافة تعزز موقعه الجماهيري، ساهموا في تراجع حضور «التيار» نظراً للأداء السلبي الذي قدّموه.
المشهد المثقل بالحرتقات الداخلية، بالفوضى الفاقعة، بالحصار الخدماتي، يعرف «الجنرال» كلّ تفاصيله. ولكن الرابية تتعامل ببرودة مع هذه الثغرات. تترك المركب
يسير على هداه، من دون أي تدخّل جذري من جانب ربانها. هذه العفوية والتلقائية يبدو أنها صارت نهجاً وتعمداً. الحماسة التي ألهبت بعض النواب «البرتقاليين» بعد
تركيب اللوحة الزرقاء، سرعان ما بردت: بعضهم يشكو من تغييبه عن مصالحات ولقاءات سياسية قاد جزءاً من معاركها. وبعضهم مصاب بالإحباط، فتراه منكفئاً إلى مقعده
البرلماني، متفرجاً على رفاقه...
هل التنظيم الحزبي هو بيت القصيد؟ راهن «البرتقاليون» على انطلاقة ورشته المتجددة عشية الانتخابات البلدية بعد حقبة من المناكفات، وإن كانوا لا ينكرون حال الترهّل
التي تصيب الأحزاب اللبنانية بشكل عام، ولا توفر «التيار الوطني الحر» من عدواها. كما أن طموحات الجمهور الخيالية والتي لا يمكن تحقيقها في وقت قياسي، تزيد
من حالة الإحباط.
أولى حلقات مسلسل التوتر الداخلي، بدأت مع هجمة الانتسابات التي تكدّست على مكاتب «التيار» بعد عودة جنراله عام 2005، ولوّنت تركيبة تميّزت بتجانسها وترابطها
الروحي منذ التقائها. في تلك اللحظة تكرّس واقع جديد: عقليتان أمسكتا قواعد التنظيم الفتيّ، واحدة ضحّت بكل ما لديها من باب النضال، وثانية تفرّجت عليها وانتظرت
انتظام الوضع السياسي للانخراط في التيار.
بتقدير «العونييين»، فإن الخطيئة الأصلية تجلّت بتسليم مقاليد القيادة للفئة الثانية، على الرغم من جهلها لروحية التيار ومفاصله التنظيمية، وكأن ثمة مخططاً
لإقصاء الأولى التي يفترض أنها تمسك بالجمهور، ولإبعادها عن الواجهة القيادية. وهكذا وقع الصدام الأول. ضُربت الضوابط المنهجية عرض الحائط، وساد التفلّت من
القواعد الحزبية التي كانت لا تزال بحدّها الأدنى. غموض التراتبية، وغياب التواصل بين القيادة والقاعدة، رفعاً من منسوب الفوضى.
أبرز إنجازات الورشة التنظيمية كانت التعيينات المناطقية بعد جولة المصالحات الداخلية التي تكللت معظمها بالنجاح. ولكن البذور التي ألقيت في حقل «التيار» لم
تكن كلها مثمرة. بعض المنسقين الذين تمّ تعيينهم، أبدوا حماسة لموقعهم الجديد، وأثبتوا أهليتهم. أما البعض الآخر فاكتفوا بالجلوس على مكاتبهم، من دون أن يهتموا
لنبض الشارع وحاجاته. وتبيّن أن هناك من لا يتمتع بالقدرات الثقافية أو الانتاجية أو حتى الوقت الكافي لممارسة مهامه. ويكفي استعراض العشاء السنوي الذي نظمته
منسقية الشوف الشهر الماضي، والذي حضره أكثر من 1300 شخص، للتدليل على التقدم السريع الذي حققه غسان عطا الله، على سبيل المثال لا الحصر، على الرغم من كلّ الإخفاقات
الانتخابية التي شهدها التيار في الشوف، وعلى الرغم من الظروف الدقيقة التي تطبع هذه المنطقة في جبل لبنان الجنوبي.
حتى اللحظة، هناك من يعتبر أن حصيلة الورشة التنظيمية ليست نموذجية، ولكنها قادرة على حمل «التيار» إلى حضن المؤسسة، لأن نجاحها لا يتمّ بعصا سحرية. اللجان
المركزية تطبخ على النار بهدوء تام. بعضها بدأ عمله: لجنة النشاطات، لجنة الموارد البشرية، لجنة المرأة، ولجنة الطلاب التي يفترض أن تخضع لأول امتحانتها، علماً
بأنها نجحت في اجتياز مطب الانطباع الأول عنها. كما بعض الإجراءات التنظيمية التي من شأنها أن تساعد عمل المنسقيات، منها على سبيل المثال الدعم المالي الشهري
الذي يقدّم للهيئات المناطقية، الذي لا يرضي الطموح لكنه قد يكون بمثابة «الحجرة التي تسند الخابية». فالتيار لم يعد بنظر البرتقاليين قائم على أقدام بعض الشباب
الذيم يوزعون المناشير، وإنما تنظيم طويل عريض، ولا بدّ من الغطس في مستنقع متطلبات الجمهور التي تبدأ بالمازوت ولا تنتهي بواجب العزاء، وكلها تتطلب إمكانات
مالية.
على الرغم من ذلك، فإن الشكاوى من التقدّم السريع لتلك الورشة، لم تجد لها إجابات شافية. التواصل الحزبي - العقائدي بين القيادة والقاعدة، لا يزال هشّاً، وقد
يقتصر في بعض الحالات على اللقاءات المحلية التي تقوم بها المنسقيات. حتى اللحظة، لم يتمكن التنظيم من اكتساب آلية عمل أوتوماتيكية تسمح له بالسير من دون تدخّل
من هنا، أو «دفشة» من هناك. وحتى اللحظة، لا يزال الحزب من دون مكتب سياسي، تديره «قيادة الأمر الواقع»... ولا لجنة معنية بالصلات السياسية.
أما الإعلام «البرتقالي» فله حصته الكبيرة من «النق»: نواب يبحثون سدى عن نشاطاتهم على الشاشة أو على الأثير... هيئات مناطقية تطالب بحصتها من الهواء... وبالنتيجة
فإن الإعلام «العوني» لا يساهم، برأي أهله، في تظهير صورة وردية عن التنظيم. كما أن غياب دائرة إعلامية ترفد القيادات الحزبية كما النواب بذخيرة من المواد عن
الحلفاء والخصوم عن الملفات المثارة، يرفع من وتيرة الصوت الاحتجاجي.

No comments:

Post a Comment