Thursday, September 15, 2011

> بين سامي و«زجلية» الراعي وسر زيارة جنبلاط

بين سامي و«زجلية» الراعي وسر زيارة جنبلاط
جان عزيز

لا ينفك سامي الجميل يسجل في رصيده نقاط التصرف بصفة «الكرامة». هكذا كان موقفه من كلام البطريرك الراعي: من لديه وجهة نظر أخرى، فليصعد الى الصرح وليتكلم هناك.
مع أن الفرصة كانت متاحة له نظرياً، للاستثمار في الدم والحقد، كما يفعل كثيرون، وكما يحترف معظم حلفائه ويتفرغون. لذلك ربما لا يطيقونه. في الكواليس وكلام
الخفايا، يبدو احترامه وقبوله لدى حزب الله أكبر منهما لدى أهل معسكره. ما يجعل تحدي الحكمة والرصانة في هذا السياق الشعبوي الديماغوجي الغرائزي الغددي... ليس
بقليل ولا بتفصيل. هكذا يبدو موقع سامي في مفارقة متعددة الأبعاد ضمن فريقه. في السياسة هو على يمينهم. في المزايدات ينزلقون هم الى أقصى يمين الهاوية والهواية،
فيصمد هو في وسط صلب مكتشف مستحدث.
فبينما كان هذا الشاب يجهد لاحترام مقام بكركي، كان بعض حلفائه من «الشيوخ» منكباً على تدبيج «الردات» الزجلية ضد سيد الصرح. إحداها صارت شبه رسمية ومعتمدة
نشيداً جديداً لثورة «فلاحي قريطم» للقرن الواحد والعشرين. على وزن «العتابا» اللبنانية التقليدية. أبياتها بقافية «الراعي» اللازمة، وتنتهي ببيت «تْصير شاهد
زور عَ دبح الشباب»...
من جهة أخرى، كان الصراع داخل مسيحيي الأقلية محتدماً على طريقة الكمائن الداخلية. فالحرب قديمة جداً داخل هذا الفريق، بين «أحزابه»، و«شخصياته». زعماء التنظيمات
الحزبية فيه يعدّون الشخصيات الفردية أو «المستقلة» الملتحقة بهم أو الحليفة لهم، من باب لزوم ما لا يلزم. «مجموعة منظراتية»، يقولون عنهم. مزعجون لجوجون، والأنكى
أنهم يحسبون أنفسهم شركاء متساوين في الغُنم والسبايا، مثل الأحزاب، فيما هم بالكاد يمثلون أنفسهم.
الشخصيات المستقلة ضمن مسيحيي الأقلية في المقابل، تتذمر من الأحزاب. تتبرم من زعمائها وتصرفهم الاستعلائي وسلوكهم الفوقي. كل واحد منهم يحسب نفسه «القائد الملهم».
معه بدأ التاريخ وبه ينتهي، فيما كل قصته أنه يكون ابن «قبيلة» أو عشيرة أو منطقة أقرب ما تكون إليهما، ما يعطيه بالفطرة والولادة وسجل القيد العائلي قدرة على
حشد عدد كاف من الرؤوس، يصرفها لدى بيت المال الحريري بمخصصات أكبر من سواه، ما يسمح له مجدداً بالحفاظ على تفوقه «الغنَمي». وهكذا يرى «المستقلون» في ذاك الفريق
أن حلقة فارغة تتكوّن داخل تحالفهم. فارغة لا بالمعنى المنطقي فحسب، بل فارغة أيضاً بمعنى الفكر والسياسة والتواصل مع القوى الفاعلة، والقدرة على صناعة الرأي
العام والتأثير في اتجاهاته وصناعة مزاجه.
قبل يومين، وعلى خلفية الردود على البطريرك، انفجرت مجدداً في ما بينهم. الأحزاب المسيحية لدى الأقلية، لم تتردد منذ أشهر في الذهاب الى اللقاء المسيحي المصغر
ومن ثم الموسع في بكركي. بدا أن في بعض خلفيات قادتها التخلص من المستقلين والتخفف من أصحاب أدوار «ذباب العربة». في المقابل انتظرهم المستقلون حتى الأمس، ليشمتوا
بهم. قالوا لهم: والآن ماذا ستفعلون حيال لقاء بكركي المقرر في 23 أيلول الجاري؟ إذا ذهبتم الى الاجتماع فسنتهمكم بتغطية مواقف الراعي الأخيرة، خلافاً لمواقفكم
الاستهلاكية المعلنة. وإذا تخلفتم، فسيتهمكم الآخرون بشق الصف المسيحي وضرب وحدته الطرية. وفي الحالين نحن لكم بالمرصاد، وبالشماتة أيضاً.
وفي جانب غير بعيد، ضمن الصف السياسي نفسه الذي يقبع فيه سامي، هناك الحليف الأظرف، وليد جنبلاط. ينظِّر على بكركي وسيدها وشعبها بضرورة عدم الخوف والاندماج
والانصهار وحتى تسييل الممتلكات. وهو يراكم أملاكه الاشتراكية، ولم يحتمل حتى اللحظة كيف أن روبير معوض باع قطعة أرض لمسلم في الشوف. الأهضم هو جنبلاط بالنسبة
إلى أحمال سامي وأثقاله. يعظ في السماح «العشائري»، وهو من قال لحلفائه أنفسهم إن ساحل «الإقليم الخرِب» بات يذكره بقندهار. يعطي دروساً غير مجانية عن حداثة
المحيط وعصرنته، وهو من قال يوماً عن طائفته وسط محيطها إنها باتت مثل الهنود الحمر، ناصحاً المسيحيين أيضاً بإدراك هذا الواقع وقبوله، قبل أن يَسِمهم بالجنس
العاطل. أما الرواية التي سأله عنها ميشال عون، فتذهب أبعد في تظهير السكيزوفرينيا لديه، إذ يُروى أنه زار منذ مدة قرية في الإقليم لمناسبة اجتماعية، فانبرى
له رجل دين لطرده، قائلاً له: ماذا تفعل هنا يا زنديق.
لكن جنبلاط يجيد حرب القنابل الدخانية. ينتصر لثورة ليبيا الإسلامية العصرية الحديثة، طالما أنه يزورها مع «ركنه النفطي». يدعم تمويل المحكمة الدولية بحزم،
فيما تمر أمس بالذات «مخالصة لوزارة الأشغال» خلافاً لرأي ديوان المحاسبة، فضلاً عن ترميم مدرسة بيصور، لمن يريد أن يتعلم.
وسط كل هذه الحيتان، يصمد سامي الجميل. يستحق هذا الشاب أن يكون الخصم الشريف، ليصير في زمن آخر أفضل، الشريك النظيف.

No comments:

Post a Comment