Wednesday, September 7, 2011

> شربل نحاس: المطلوب تغيير شروط اللعبة

شربل نحاس: المطلوب تغيير شروط اللعبة

يحاول وزير العمل شربل نحّاس، أن يستدرج القوى السياسية المشاركة في الحكومة إلى سجال يتجاوز موضوع الاعتمادات المالية المطلوبة لتنفيذ المرحلة الأولى من «سياسة
قطاع الكهرباء». فهو يعتقد أن الفرصة سانحة الآن لإعادة تأكيد ما اتُّفق عليه «مبدئياً» في مناقشات البيان الوزاري لهذه الحكومة، أي العمل على إنجاز «عملية
التصحيح الضرورية للنمط الاقتصادي القائم»، وبالتالي إحياء الدولة ودورها ووظائفها وتفكيك الاقطاعيات والمصالح التي قامت على هامشها. فالسجال المفتعل في شأن
الكهرباء اليوم يعبّر، برأيه، عن إصرار البعض على التخلّص من هذا الاتفاق والسعي إلى إعادة إنتاج الممارسات نفسها التي قوّضت الدولة ودمّرت الثقة بها وبقدرتها
على توفير الحماية للمواطنين والخدمات اللازمة لهم.

ويرى نحّاس أن الوقائع التي يعايشها تجعله أكثر انشداداً إلى اتخاذ موقف يدعو إلى ربط الاستمرار بالحكومة برؤية واضحة وبرنامج عمل محدد، وإلا تنتفِ مبررات المشاركة
فيها. ولا تنحصر هذه الوقائع بمسألة عرقلة الاستثمار العام في تجهيز الكهرباء، بل تتجاوز ذلك إلى عودة طرح زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12%،
وهو الطرح نفسه الذي تصدّى له نحاس مع وزراء آخرين في الحكومة السابقة. يُضاف إلى ذلك ظهور ممانعة واضحة لأي طرح ضريبي بديل يستهدف الريوع المالية والعقارية
المتعاظمة ويسمح بتمويل عملية إصلاح نظم الحماية الاجتماعية وتحقيق مشروع التغطية الصحّية الشاملة الذي لمّح إليه البيان الوزاري، فضلاً عن التمسّك بالإقطاعيات
القائمة في الإدارة والتهرّب من إقصاء بعض الموظّفين الذين حُشروا فيها ومارسوا أنواعاً مختلفة من التمرّد والفساد واستغلال النفوذ والسلطة.
ولا يخفي نحّاس هذا الموقف؛ فهو رأى في بيان موسّع أصدره أمس عشية جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم «أن المشاركة في الحكومة، أية حكومة، لا تعدو كونها وسيلة
لتحقيق برنامج سياسي يجري التوافق عليه بين مكوناتها، وهي ليست غاية في ذاتها». وقال إن المشاركة في الحكومة الحالية جرت تحت عناوين «تصحيح النمط الاقتصادي»
و«إصلاح النظام الضريبي» و«تقديم قانون انتخاب يستوحي النسبية» و«توفير التغطية الصحية الأساسية الشاملة» و«تنفيذ ورقة سياسة الكهرباء». لذلك، «لن نرضى ونحن
في الحكومة بأن يستمر الاقتصاد اللبناني بتصدير الشباب لاستجلاب الأموال وتمويل الاستهلاك، وبأن يضحى بالقوى الحية للمجتمع للتكيّف مع دور في اقتصاد إقليمي
قائم على الريوع واقتناص الصفقات، وبأن تستمر الأعراف التي تناقض الدستور وتفرّغ التمثيل السياسي في السلطة التنفيذية من معناه، وبأن تمتهن الدولة في مجال أدائها
لمهماتها الأساسية والتأسيسية». وأضاف: «إن مسألة الكهرباء أتت لتلزم كل الأطراف بحسم خياراتها، وليست المسألة مسألة تسويات وتعديل حصص ضمن اللعبة المدمرة،
بل هي مسألة تغيير شروط اللعبة».
يتهكّم نحّاس على الاعتراضات التي تعرقل إقرار اعتمادات الكهرباء؛ إذ جاء بعضها بحجج تقنية ساقها من لا علاقة لهم بالتقنيات، وبعضها بحجج الشفافية المالية ساقها
من عاثوا فساداً وإفساداً، وبعضها بحجج الحرص على الرقابة والمال العام ساقها من أقاموا إمارات ومزارع ورتبوا على اللبنانيين تسعين ألف مليار ليرة من الديون.
ليخلص إلى القول «إن المسألة ليست تقنية كما يدّعي البعض، بل سياسية في الصميم لدى أولئك الذين استساغوا أخذ اللبنانيين رهائن في لعبة المصالح الخاصة والرهانات
على الخارج وتربية القلق الدائم لإنتاج هذا الخليط المقيت من اليأس والتعصب الذي يعانيه المجتمع اللبناني اليوم. ففي الواقع، إن ما يحصل الآن من محاولات لعرقلة
الاستثمار العام في الكهرباء يجسد إصرار البعض على تقويض فكرة الدولة وأسباب وجودها. لذلك، لا يجد المعترضون حرجاً في إطلاق العنان لقدراتهم التعطيلية من دون
أن يكونوا مضطرين إلى تقديم أي رؤية بديلة، وكأنهم بذلك يريدون تكريس مقولة أن لا بديل من الواقع القائم سوى مواصلة التكيف معه مهما بلغت كلفة هذا التكيف».
ويعتقد نحّاس أن ثقافة الجحود بالدولة والاستغناء عنها تأصلت خلال عقود، وذهب بعضهم إلى الاستيلاء على أشلائها، بينما ذهب آخرون إلى الدلالة على بيع ما بقي
لها من خلال خصخصة خصوصية جداً. وبات كثيرون من اللبنانيين يائسين حتى من مطالبة الدولة بالقيام بالأدوار التي لا مجال لسواها للقيام بها، وهم يائسون من استعادتها
لمشروعيتها في عيونهم.
فقد أنفقت الحكومات المتعاقبة خلال 19 سنة، بحسب نحّاس، أكثر من 190 ألف مليار ليرة، إلا أن حصة الاستثمارات العامة الفعلية من هذا الإنفاق لم تتجاوز 15 ألف
مليار ليرة، بينما بلغت الإيرادات المجباة 120 ألف مليار ليرة، وبلغت خدمة الدين 70 ألف مليار ليرة، وهذا يفسر بعضاً من أسباب عدم ثقة اللبنانيين بالدولة وقدرتها
على توفير حاجاتهم، ولا سيما أن ذلك ترافق مع تفريغ الإدارة العامة وتدمير مقوماتها وجعلها عاجزة عن تأدية الوظائف المطلوبة منها، واستبدال الإدارة بأشكال رديفة
ساهمت بزيادة الوهن وشجعت على تجاوز القوانين والأنظمة والتفلت من الرقابة الضرورية. لذلك، لا يعقل أن يستمر القبول بمعادلة تتضمن إنفاقاً عاماً مرتفعاً، فيما
النتائج محدودة للغاية. ولعل انهيار قطاع الكهرباء أوضح مثال على ذلك؛ فالدولة تتحمل كلفة باهظة لتغطية عجز الكهرباء سنوياً، فيما التقنين يزداد. وهذا ينطبق
على قطاعات أساسية حيوية، كالمياه والنقل العام والاتصالات.
إن تحديد الأولويات يسبق أي نقاش آخر، يقول نحّاس؛ فالتمويل لا يمكن أن يكون عائقاً أمام تأدية الدولة لمهماتها أو أن يكون ذريعة لنقل هذه المهمات وتحويلها
إلى مصالح احتكارية تعمق مظاهر تفكك الدولة واضمحلال مشروعيتها ودرجة الثقة بها وبقدراتها. ويتابع: «إذا كان اللبنانيون مضطرين إلى تحمل إرث الدين اللعين، فلا
بد في المقابل من كف أيدي من أدت ممارساتهم إلى بناء جبل الدين وصد ادعائهم الوقح أخْذ المواطنين رهائن إدارتهم الفاشلة، بحجة إعطاء الأولوية المطلقة لخدمته،
فيجدون الأموال لدفع الفوائد، فيما لا يرونها متوافرة لتجهيز الكهرباء.
انطلاقاً من هذا الموقع، يرى نحّاس أنه لا يجوز أن تبقى الدولة محصورة في دور رديف ومبتذل، مهما كانت التبريرات. وهذا شرط أساسي لإزالة الأسباب التي تجعل اللبنانيين
أكثر انشداداً إلى خطاب فشل الدولة؛ إذ ثمة أمور يجب أن تتعهد الدولة وتلتزم بتحقيقها أو بجعلها تتحقق، وعليها أن تتحمل الأعباء الناجمة عن التزاماتها. وهذا
لا ينحصر في مسألة الكهرباء فقط، بل يشمل أيضاً مسائل كثيرة تجسد حاجات ملحة للبنانيين في هذه المرحلة. ولا بد لمسؤوليات الدولة في هذه المجالات من أن تكون
صريحة ومعلنة كي تتحول الخدمات التي تؤديها إلى حقوق مشروعة، فلا تعود قابلة للاستخدام لتعزيز قنوات الاستزلام.
(الأخبار)

No comments:

Post a Comment