Monday, September 12, 2011

تحذير من تسييس مواقف البطريرك كما حصل في الحملة على الجيشهل يجمع الراعي القيادات المسيحية على تصوّر يجنّبهم منزلقات الماضي؟
داود رمال
يقارب مصدر رسمي رفيع المستوى بكثير من القلق، الردود على المواقف الأخيرة التي اطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي، ويدعو اللبنانيين لتغليب منطق العقل
في مقاربة مواقف الراعي «في ظل ما يجري من حولنا من تطورات مصيرية لن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها على المدى المتوسط والبعيد».
ثمة فرصة للتأسيس لمنطق جديد عنوانه الحوار تحت سقف المصلحة الوطنية العليا، بالنسبة الى المصدر، إذ أنه «في كل المراحل التي تعرّض فيها اللبنانيون وعلى وجه
الخصوص المسيحيين للخطر كان السبب عدم تحكيم العقل والدخول في مشاريع انتحارية».
ويذكر المصدر بمحطات أساسية أثرت مباشرة على المسيحيين في لبنان «أبرزها تهجير قرى شرق صيدا والجبل وصولاً إلى الفرز الديموغرافي المحدود في بعض المناطق». ويقول
«منذ العام 2003 أي احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين لم يستطع 750 ألف عسكري أميركي وآلاف الجنود من جنسيات متعددة حماية المسيحيين في العراق، ولم تكن الأولوية،
بقصد وبغير قصد، حمايتهم إذ توزع المسيحيون لاجئين في أقطار العالم بدأ من المحيط العربي وصولاً إلى ما وراء البحار، وفرضت عملية النـزوح هذه مصاعب اجتماعية
وإنسانية في كل المناطق التي نزحوا إليها. وفي مصر لم تستطع ثورة 25 يناير أن تبرز الحضور القبطي، لا بل على العكس انكفأ هذا الحضور مع مؤشرات على زيادة وفاعلية
وحضور «الإخوان المسلمين» بتياراتهم المتعددة في الساحة، وهذا الانسحاب أدى إلى تراجع قوى وأحزاب علمانية حتى بدا للبعض أن بديل أي نظام عربي سيسقط نظام آخر
متشدد أو الفوضى، وفي أواخر عهد حسني مبارك وكما بعد سقوطه لم تسلم المناطق ذات الأغلبية القبطية من اعتداءات دموية ناهيك عن الحديث حول وضع مسيحيي فلسطين المحتلة
مهد السيد المسيح، فهولاء يعيشون في ظل واقع مأساوي، ورغم الأهمية الدينية العالمية للواقع المسيحي في فلسطين إلى جانب الأهمية الإسلامية لم تستطع الأمم المتحدة
ولا المجتمع الدولي ولا دول القرار الحفاظ على خصوصية المقدسات والوجود المسيحي في فلسطين ومنع إسرائيل من التهديد والتعرض اليومي لهم».
ويضيف المصدر «أما في سوريا، وبغض النظر عن حجم الدور المطلوب من النظام لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية (...) فهذا النظام برأي الأقليات في سوريا
ومن بينها الأقلية المسيحية يشكل ضمانة لها في وجه التحول في العالم العربي منذ 11 أيلول باتجاه تيارات اسلامية متشددة، وكان الحضور المسيحي في سوريا رغم تواضعه
على المستوى الرسمي، يرى في النظام القائم ضمانة معنوية وأمنية لوجوده».
ويتابع المصدر ان «الحضور في هذه الدول وغيرها من الدول العربية والمشرقية كان حضوراً رمزياً، لكنه كان ركيزة أساسية من ركائز العيش والإشعاع الحضاري القومي
والعربي، ولكن عندما نتحدث عن الدور المسيحي الفاعل في الشرق تتجه الأنظار فوراً إلى لبنان، فالمسيحيون فيه هم شركاء كاملون في القرار الوطني والإدارة والسياسة،
وفي لبنان ثلاث كنائس مشرقية كبرى، ولا يمكن الحديث عن الوجود المسيحي في لبنان على أنه مجرد أقلية، لذلك فإن الخشية على الوجود المسيحي في لبنان هي في الواقع
خشية على دور المسيحيين في الشرق باعتبارهم رأس حربة في إفشال مشاريع التقسيم والكنتونات الطائفية التي تعطي الذريعة للكيان الصهيوني في إقامة دولته اليهودية
ومن هنا جاءت صرخة البطريرك الراعي».
ويوضح انه «بغض النظر عن الاستثمار السياسي المتبادل لهذه الصرخة كما جرت العادة في المواضيع الخلافية، إذ أن الأفرقاء السياسيين سريعاً ما ينقسمون على موضوع
معين رغم أنه محل إجماع تماماً كما حصل في الحملة الأخيرة التي استهدفت الجيش اللبناني، والانقسام الظاهر الآن حول مواقف البطريرك الراعي هو انقسام سياسي لا
يأخذ في الاعتبار الأخطار المحدقة بلبنان وبصيغة عيشه المشترك، فالخوف على الدور المسيحي في لبنان هو الخوف على لبنان الرسالة والتعايش المشترك، والحفاظ على
هذه المرتكزات هو حفاظ على كل مكونات الشعب اللبناني».
وأكد «أن المطلوب هو تحكيم العقل، فمثلاً كل الشعب اللبناني مع المؤسسة العسكرية وهي موضع تقدير ويعتبرها ضمانة، ولكن العمل على تسييس الأمور يؤدي فوراً إلى
الانقسام والآن الأمر نفسه ينطبق على مواقف البطريرك الراعي، واللافت للنظر أن غلاة المتشددين الموارنة لا يجارون غبطته في قلقه وكأن المطلوب الوقوع في المحظور
مجدداً لنندم على ما فات، ولكن هذه المرة لن ينفعنا فعل الندم، علماً أن الراعي كان السبّاق وبالتنسيق والتشاور والتفاهم مع رئيس الجمهورية في جمع القيادات
المارونية، هو لن يتأخر في جمعهم مجدداً أو اللقاء بهم إفرادياً أو ثنائياً لتأمين تصور واحد لحماية الوجود المسيحي في لبنان، بما يمكن لبنان من مواجهة التطورات
المرتقبة مهما كانت، مستفيداً من العبر المستخلصة من تجارب الدول الشقيقة، حيث لم ينجح الوجود المسيحي فيها من تشكيل قوة ضغط على السلطات المحلية ولا على المجتمع
الدولي لتأمين الحماية له».
ويشير المصدر إلى أن الراعي بنى مواقفه بعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات والنداءات التي وصلته من رعيته في سوريا، «والغريب كيف أن رافعي شعار أمن المجتمع المسيحي
فوق كل اعتبار لا يتماهون مع قلق الراعي على المسيحيين».
ويحذر المصدر «من مغبة الوقوع في خطأ المقارنة بين مواقف الراعي ومواقف سلفه البطريرك نصرالله صفير، إذ يكفي القول إن الظروف الإقليمية والدولية تغيّرت، والبطريرك
الجديد استلم من سلفه أبرشيات مهدّدة في وجودها والقسم الكبير منها قد تهجر أصلاً وترك مواطنه الأصلية».

No comments:

Post a Comment