Wednesday, September 7, 2011

«العميل» والكهرباء:
«نحن» العونية تحارب من أجلكم
جهاد بزي
فهم العقل العوني، في تجلياته الحالية، لا يحتاج إلى المهارة أو المنطق أو المتابعة. وهو حتى لا يحتاج إلى المعجزات. لكي نفهم مثل هذا العقل فإن كل ما نحتاج
إليه هو أن يحالفنا الحظ.
الحظ وحده سيعيننا على معرفة الغاية العونية من جعل عمالة فايز كرم، سبباً لحرب سياسية تخاض عبر المستويات كافة، من الجنرال، إلى نوابه، إلى إعلامه. واتكالاً
على الحظ أيضاً، يمكن فهم فلسفة «حرب الكهرباء».
العونيون يوحون، او أنهم مقتنعون، بأنهم في «حروب دائمة». غير أنهم يستخدمون في حروبهم كافة، الأدوات والأساليب ذاتها، وقد عتقت وباتت في معظمها مفتعلة، مذ
صاروا قبل أعوام، جزءاً اساسياً ودائماً من السلطة، إن تقاسموها مع أخصامهم أو مع حلفائهم، لا فرق.
الضوضاء هي أولى الادوات. أولو الأمر في «التيار الحر» قادرون دائماً على اختصار كل الضوضاء السياسية بهم، واثارة كل الضجة من حولهم، حتى صاروا لا ينزلون عن
المسرح واضوائه. غير أن الضوء يحرق، مثله مثل كثرة الكلام.. وهذا، حين يزداد، لا يعلق في الذهن منه إلا المكرّر فيه. و«نحن» هي أول الكلام وآخره وأكثره. يدعمها
نزق لا يستطيعه إلا صاحب الحق، أي «السلطان».
«نحن» العونية دائماً محقة، بغض النظر عن المسألة التي نقاربها. هكذا تتشابه مسألة العميل بمسألة الكهرباء. كلتاهما تخاضان بصوت عالٍ جداً، وفق نزعة لبنانية
لا شك بريفيتها، تفيد بأن صاحب الصوت العالي أشد رجولة وقوة وليس لديه ما يستحي به. وليس لديه ما يخسره، ما دام مقيماً على الاخلاق والقيم والوطنية والسيادة
والحرية وإلخ... لا بل مقيماً شبه وحيد عليها، أن لم يكن وحده.
المسألتان تعالجان من منطق الـ«نحن» الذين لا أحد مثلنا، ولنعط على هذا أمثلة: فـ«نحن» الذين لا أكف بنظافة أكفنا. و«نحن» الذين لا أحد لديه كفاءتنا. و«نحن»
الذين لا أحد غيرنا يمثل المسيحيين. و«نحن» الذين لا أحد يحب لبنان بقدر حبنا. و«نحن» الذين لا أحد غيرنا يريد التغيير والاصلاح و«نحن» الذين نعادي سوريا ونعرف
كيف نصالحها. «نحن» السياديون. «نحن» 14 آذار الحقيقيون الخ...
«نحن» هذه، التي لم تكن مسموعة في سنوات النضال الحقيقي للتيار، راحت تتضخم بتوازٍ مع ضمور الخطاب الأصلي له، حتى تكاد تصل إلى ذروة انتفاخها، بينما الخطاب
المكوّن والواعد لهذه الحركة يتلاشى تماماً. ومع حفظ هامش الاختلاف في الظروف، فلا مفر من مقارنة الخطاب الذي كان على بوابات الجامعات، وتحت خراطيم المياه في
التظاهرات، وحتى خطاب المنفى الباريسي، بخطاب اليوم في مجلسي النواب والوزراء والرابية. وفي المقارنة لا يحيل الثاني إلى الاول في شيء، والعكس بالطبع، صحيح.

بلا أي تواضع، نُمطر يومياً بهذه الـ«نحن» السوبرمانية اللبنانية الطهرانية. «نحن» عظمى لا تجد ما يبررها، تحديداً في حربي العميل والكهرباء. فالعميل نال عقاباً
رقيقاً أقرب ما يكون إلى إجباره على الانخراط في خدمة العلم، لإعادة تأهيله وطنياً. عميل لا يمكن تياراً سياسياً التعامل مع فضيحته إلا بالتبرؤ منها. لكن العونيين،
للغرابة، قرروا استغلال العميل لهجوم ركيك على «فرع المعلومات»، في خطوة لا بطولة فيها، وعلاقة الفرع مع هذه الحكومة علاقة شريد أضاع أهله الأصليين، واستعاض
عنهم بأهل يوحون دائماً بالاستعداد لركله خارجاً. ولا بطولة في العراك مع ضعيف.
كما أن «التيار» فتح جبهته مع «المعلومات» بعدما نُطق بالحكم، أي بعدما خسر الأول معركته. فـ«التيار» راهن على الحصان بعدما انتهى السباق بخسارته.. غرابة لا
تفوقها غرابة إلا عبارة أحد نواب «التيار» بأن مدة الحكم القصيرة «دليل براءة لكرم»، في تصريح نموذجي عن «غير المعقول» في الحياة السياسية اللبنانية. وفي المعركة
الخاسرة الموجّهة طبعاً إلى «قوى 14 آذار»، يوفر العونيون لخصومهم مادة يومية سهلة للتهجم (وحتى التندر) على حليفهم الأصفر الذي التجأ إلى الصمت بانتظار أن
يرتوي العونيون من عسل «التفاهم»، متمنياً فقط ألا يلعقوه كلّه.
«نحن» إذاً، والعميل مجرد ضحية مسكينة وأداة لمؤامرة على «التيار»، أُجبر على تناول عقاقير ليُلقم بعدها بكل اعترافاته. «نحن» غير مقنعة أبداً، بل هي تحيل إلى
عكس المطلوب منها. ليس مقنعاً، مثلاً، أن «التيار»، وهو شريك أساسي وقوي جداً إن لم يكن الاقوى، في سلطة اليوم، يظل يصر على خطاب يصوّر نفسه فيه مضطهداً ومحاصراً
ومطارداً، ومع ذلك، فهو يقاتل من «أجلكم». ليس مقنعاً أنه الطرف السياسي الوحيد الذي يريد خير الكهرباء من «أجلنا»، ويصرّ عليه من أجلنا أيضاً، إلى درجة التخاصم
مع حلفائه واسقاط الحكومة من أجلنا، واعادة البلد الى الفراغ والمراوحة اللذين لا نهاية لهما، من أجلنا.
ليس مقنعاً للخصم، ولن يكون مقنعاً للقريب. واذا كان فهم العقل العوني يحتاج إلى حسن الحظ، فإن هذا العقل لا يحتاج إلى الاقناع، بقدر ما يحتاج إلى أن يحالفه
الحظ، وهو يحارب في كل الاتجاهات، بعدوٍ ومن دونه، بمنطق أو من دونه، وبكل ما أوتي من عشوائية، تصيبه هو أولاً، ثم البقية الباقية ممن هم حوله..
فإذا كان لا بأس من وقفة، ومن ادارة ومؤسسة، فبعقل هادئ.. وإلا العوض بسلامتكم.

No comments:

Post a Comment