Saturday, May 15, 2010

ضرائب إضافيّة في 2011

وزيرة المال لا تأبه للقضايا الاجتماعيّة: الخصخصة أوّلاً وأخيرا
صدّقوا أو لا تصدّقوا، فإن النقاشات التي دارت في الجلسة الوزاريّة الأولى لمناقشة الموازنة (أوّل من أمس)
كانت جيدة جداً وإيجابية». أرادت ريا الحسن أن تعكس مفاجأتها على الجمهور. غير أنّ المستمعين (بعضهم!) صُدموا بمسائل أضخم: رفع الضريبة على القيمة المضافة «وفرض
ضرائب أخرى» في عام 2011. نجحت وزيرة المال في لعبة المفاجأة، ولكن خسر الناس «الغلابى»

حسن شقراني
من السذاجة الوقوع في الفخ الذي استدرجت إليه وزيرة المال ريا الحسن أمس بذكاء. ولكن ربّما مُستدرجها لم يكن يعلم أنّ الأمور المتعلّقة بالمسائل المعيشيّة والطبقات
المهمّشة، وصلت عندها إلى هذا الحدّ من الإهمال. أجابت عن سؤال طرحه أحد الحضور في شأن تفاصيل «أجندتها الاجتماعيّة» التي عُنونت على أساسها مقابلة لها نُشرت
أخيراً: «أنا قلت إنّ لديّ أجندة اجتماعية؟! لا أعرف عمّا تتكلّم، الحقّ على رمزي الحافظ.
الحافظ هو ناشر مجلّة «Lebanon Opportunities» وكان جالساً إلى جانب الحسن في فندق «بريستول» أوّل من أمس، ينظّم حوار رجال الأعمال والسياسيّين معها في شأن
موازنة 2010، التي بدأت جولات نقاشها في مجلس الوزراء منذ يومين، على أن تُستتبع خلال الأسبوع المقبل بجلستين أخريين.
بكلّ بساطة، ترى الحسن أن الترويج بأنها تحمل «أجندة» تتضمّن بعض اللفتات إلى الفقراء الذين يمثّلون 30% من المقيمين، هي تهمة. فهمّها الآن، أن تُثبت للفريق
الذي جاء بها أنها قادرة على استكمال النهج السابق، ولو أثبت فشله على كل الأصعدة: مالياً، البلاد مرهونة لدين عام كلّي تلامس قيمته 70 مليار دولار (إذا حُسبت
جميع التزامات الدولة)... اقتصادياً، اتجاه ريعيّ بامتياز يزيد الاتكال على تحويلات المغتربين التي تمثّل 25% من الناتج المحلّي الإجمالي... واجتماعياً، تختفي
فرص ذوي الدخل المحدود والمتوسط بتملّك شقة أو الادخار أو حتّى العمل، فلا خيار لديهم سوى الهجرة التي تغذّي اقتصاد التحويلات وتعفي السلطة التي تمثّلها الحسن
من عبء تبنّي الأجندة الاجتماعية!
ويبدو أن هذا النهج، رغم فشله، يريد أن يكون أكثر حدّة وهجوميّة في التعاطي مع المسائل الاقتصاديّة. فكان أن بشّرت الحسن بضرائب إضافيّة في العام المقبل: «إذا
زادت احتياجاتنا المالية في عام 2011 فسنلجأ إلى زيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA) أو إلى فرض ضرائب أخرى»... هكذا أعلنت ببساطة، فالتراجع عن الزيادة
في موازنة هذا العام ليس سوى تراجع تكتيكي!
ولكن لماذا هذا الإجرام المالي غير العادل بحق اللبنانيين فيما يُمكن الاعتماد فيه على موارد ضريبيّة أكثر عدالة؟ تجيب الحسن بثقة: «أنا كوزيرة مال أعتبر الـ
TVA الحلّ الأوّل، هي أنسب ضريبة يمكن فرضها». وتستشهد برأي مؤسّسة لن تُمحى مآثرها التدميريّة (قبل صرخة الاستفاقة حالياً!): «توصّل صندوق النقد الدولي إلى
أن النظام الضريبي في لبنان عادل»... نعم، فالوزيرة تتحدّث أحياناً بصفتها «أجيرة» لدى صندوق النقد الدولي، أصلاً هذا طموح وزراء مال لبنان عندما يصرفون من
قبل مشغّليهم!
«كان حرصي ألا نضع ضرائب عشوائياً. أن نخترع ضريبة لم تكن موجودة من قبل»، قالت الوزيرة النجيبة تعليقاً على تساؤل عن الضريبة العقارية في ظل فورة جنونية في
هذا القطاع المتفلّت من أي رقابة وأي مسؤوليّة اجتماعيّة، وأي رؤية. وهكذا يُصبح أسهل على ريا الحسن أن تزيد ضريبة غير مباشرة تمسّ الطبقات الفقيرة والمتوسطة
مسّاً حاداً، عوضاً عن فرض ضريبة جديدة أكثر فعاليّة وعدلاً! حجّتها ليست مقنعة أبداً.
وهناك من غنّى على عزف ريا الحسن، ومن غيره، وزير الاقتصاد السابق سامي حدّاد. اقترح في مداخلته «الفذّة» الذي ضيّع فيها 5 دقائق محتاراً من أين سيقدّمها، أن
«تحلّ مشكلة الكهرباء عبر زيادة التعرفة».
«أنا أوافقك الرأي» أجابته الوزيرة الحسن. فالوزيرة تُبشّر بأيّام أكثر سواداً على اللبنانيّين، ولكن هناك تغطية أكبر تتغلغل تحت جنح الظلام حالياً عبر عربة
الموازنة لتمسّ جميع القطاعات الحيويّة في البلاد.
إنّها الخصخصة بكل أشكالها وتلاوينها وتسمياتها.
فالمؤتمر بدأ بالتصفيق الذي ميّزه والتهليل للمتحدّثين والمداخلين فيه، حفلة تغنّ بتوجّهات الحسن والفريق الذي يدعمها. والسبب واضح: رجال الأعمال يبحثون دائماً
عن الفرص الأكثر ربحيّة. وعندما يجدون صيداً ثميناً مثل أصول الدولة اللبنانيّة، يلهثون مسرعين. وتتحوّل الأمور لدى الوزارة وفريقها السياسي إلى هجوم على وزارة
الاتصالات مثلاً لأنّها لا تريد أن تفرض على المواطنين دفع فاتورة تمثّل الضرائب منها 65% ولا تريد أن تحوّل هذه الضرائب الى أرباح للقطاع الخاص من خلال آليات
الخصخصة المطروحة حالياً. وتبرّر اللجوء إلى الخصخصة بالتشديد على أنّ ما يجب فعله حالياً هو «إعادة هيكلة الاقتصاد، ولكن كيف؟ عبر بيع النقل، الكهرباء، المياه،
الاتصالات والقطاعات الأخرى». وبالتالي جذب الاستثمارات، وتضيف بوقاحة «على هذا الأساس بنينا رؤيتنا في الموازنة». ليس منطقياً أن يكون لأحد مشكلة مع جذب

الحسن سعت جاهدة لتبيع الموجودين فكرة أنّ كلّ شيء سليم ويسير بحسب أهواء المستثمرين

الاستثمارات، ولكن كيف تُجذب تلك الاستثمارات؟ وإلى أين ستؤدّي؟. فالوزيرة تؤمن بأنّ معدلات النمو الاقتصادي التي وصلت إلى 9% و8% خلال العامين الماضيين لم تترجم
نتائجه لجهة خلق فرص العمل ومعالجة البطالة. وعلى الرغم من ذلك، تدفع إلى الأمام بالنموذج الريعي القائم، ويزداد ترويجها مع الوقت لبيع أصول الدولة عبر الخصخصة.
فهي أكّدت أنّ «اللجوء إلى القطاع الخاص لتمويل النفقات الاستثمارية» المرصودة في موازنة 2010، يُعدّ «خياراً موازياً للخصخصة»، وإذا كانت ظروف السوق لا تسمح
بالبيع حالياً، فذلك لا يعني «أننا لا نزال مؤمنين بالخصخصة»، بل يمكن إشراك القطاع الخاص حالياً عبر تشكيلات وتسميات متعدّدة بانتظار البيع الكامل.
نظرت ريّا الحسن إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة، زياد حايك، ليؤكّد لها أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص مختلفة عن الخصخصة، ولكن المسألتين هما
نفسهما على كلّ حال!
سعت جاهدة لكي تبيع الموجودين فكرة أنّ كلّ شيء سليم ويسير بحسب أهواء المستثمرين، وعندما سُئلت عن إمكان تأخّر إقرار الموازنة وانتقالها إلى مجلس النواب أجابت
« I Hope Not» أي «آمل لا» بلغة الأسواق التي قال آلان غرينسبان في جلسة استجوابه في الكونغرس إنه كان مخطئاً بنظرته إليها طيلة 60 عاماً، فالشركات لا تنظر
الى المصلحة العامّة، والمديرون همّهم الوحيد جني الأرباح، فهذا هو عملهم!

2.09 مليار دولار

عائدات الدولة من الضريبة على القيمة المضافة وفقاً لمشروع موازنة 2010 الذي تطرحه ريا الحسن ويُناقش في مجلس الوزراء، مسجّلة نمواً نسبته 9% مقارنة بعام 2009.
وتصل الإيرادات الضريبيّة الإجماليّة إلى 6.7 مليارات دولار.
وقاحة البدائل

هناك وقاحة حقيقيّة متعلّقة بكيفيّة تقويم وزارة المال للطروحات البديلة للإيرادات العامّة. فقد طُرح على ريا الحسن موضوع الرسوم والضرائب على المحروقات. فنفت
وجود نية لتثبيت سعر البنزين مهما بلغ. وأوضحت أنّها قدّمت عرضاً أمام الوزراء عن مصادر الإيرادات وهي البنزين والاتصالات والـTVA. وتمنّت الامتناع عن «المزايدات»
في هذا المجال، وقالت: «إذا كان هناك حلول أخرى فليأتونا بها»، لكنها أعلنت بوضوح أنها لا تريد البحث بضريبة الربح العقاري التي تعدّ «بديلاً أساسياً»، لأنها
ضريبة عادلة ربما!
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment