مجدل عنجر ترفض القميص الوسخ
من تظاهرات مجدل عنجر ضد السلطة عام 2003 (أرشيف)ودّعت مجدل عنجر أول من أمس آخر ضحايا حريق زحلة، الذي حُوّل في ليل إلى محاولة اغتيال للبطريرك الماروني. ويوم أمس، خرجت البلدة عن صمتها
عفيف دياب
ما زالت تداعيات «حريق زحلة» عشية زيارة البطريرك الماروني مار نصر الله صفير للمدينة في 20 حزيران الماضي، تتفاعل سياسياً وإعلامياً وأمنياً. فأهالي مجدل عنجر أُصيبوا بصدمة لحظة وقوع الحريق، واتهام مجموعة من شبابها بأنهم كانوا يعدّون لعمل تخريبي سيستهدف صفير. صدمة خرجوا منها بعد عشرة أيام من وقوع الحريق، وإصدار استخبارات الجيش اللبناني بياناً يوضح ملابسات الأمر. هذا البيان الذي جاء متأخراً وفتح الباب أمام مروحة واسعة من التحليلات والتأويلات، ورسم سيناريوات تمسّ مجدل عنجر مباشرةً، استوعبته البلدة وتفهّمت ظروف تأخّر إصداره، لكنها لم تعط بعدُ صكّ براءة لمؤسسات إعلامية ذهبت ضحية معلومات ضباط في الجيش أو في قوى الأمن الداخلي سربّوا معلومات «مغلوطة» لها عن حريق زحلة، اتضح في ما بعد أنها «لأهداف شخصية وغايات شهرة وترقيات» كما قال أحد النواب البقاعيّين لـ«الأخبار» خلال دردشة معه. أضاف هذا النائب: «للأسف بعض الأمنيّين لهم حسابات سياسية خاصة بهم ورّطت المؤسسات الأمنية في إشكالات متنوّعة في ما مضى، وحالياً في قضية حريق زحلة، وتسريب معلومات عن أنه عمل إرهابي كان سيستهدف البطريرك أو أحد كبار ضباط الجيش اللبناني».
كلام النائب المذكور، الذي يأتي في سياق معلومات يمتلكها واستكملها بمتابعة دقيقة لبعض الصحف وما نشرته، يفتح الباب واسعاً أمام إسراع الأجهزة الأمنية الرسمية في فتح تحقيق داخلي في من سرّب معلومات مغلوطة عن «حريق زحلة» وفق وجهة نظر النائب، الذي يرى أنّ ما نشرته وسائل إعلام نقلاً عن مصادر أمنية رسمية «كاد أن يسبب فتنة طائفية ويهدّد السلم الأهلي في البلاد، وهذا ما يستدعي تحقيقاً أمنيا داخل بعض المؤسسات الأمنية، وفي وسائل الإعلام التي تورطت بشكل أو بآخر في تأجيج المشاعر الطائفية من حيث لا تدري أو تدري»، آملاً من أهالي مجدل عنجر و«أسر الضحايا والموقوفين حتى الآن، التقدم بدعاوى قضائية بحق مؤسسات إعلامية لكشف مصادرها الأمنية التي استندت إليها في نقل المعلومات ونشرها».
تمنّي النائب على أهالٍ في مجدل عنجر التقدم بدعوى قضائية بحق مؤسسات إعلامية، وجد صدى له في البلدة، إذ طالب إمام البلدة الشيخ محمد عبد الرحمن بإقامة دعاوى قضائية على كل وسيلة إعلامية أساءت إلى البلدة و«ما نشر عن حريق زحلة كان يهدف إلى افتعال فتنة في لبنان، ويجب محاسبة المسؤولين عن ذلك». لكنّ هذا الصدى أخذ وجهاً آخر حين رفضت مجدل عنجر، أمس، السماح لعدد من نواب البقاعين الأوسط والغربي بالمشاركة حضوراً في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس البلدية سامي العجمي والمخاتير وأئمة مساجد البلدة، سامحة لهم فقط بزيارة البلدية بعد انتهاء المؤتمر الصحافي، الذي كان حاداً وقاسياً تجاه مؤسسات أمنية وإعلامية وأحزاب وتيارات سياسية أسهمت في إلحاق الظلم بالبلدة وشبابها على خلفية «الحريق» وتسريب معلومات مغلوطة عن أن عملاً تخريبياً وإرهابياً كان سيستهدف البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير خلال زيارته لزحلة في 20 حزيران الماضي.
رفض مجدل عنجر مشاركة نواب في مؤتمرها الصحافي، والسماح لهم بعد انتهاء المؤتمر بزيارة البلدية و«سماع ما يعجب الخاطر» وعدم الاكتراث كثيراً لكلام النائب المذكور أعلاه، ليس نابعاً من فراغ، وفق قول إحدى شخصيات البلدة؛ فـ«للأسف نواب منطقتنا وقفوا «يتفرجون» على الظلم اللاحق بمجدل عنجر، لا بل إن بعضهم أطلق مواقف إعلامية وسياسية ضدنا، وزار بعضهم البطريرك لتهنئته بالسلامة من الانفجار الذي كان سيستهدفه، واليوم نراهم بعد ظهور الحقيقة يريدون بيعنا مواقف سياسية وما شابه». أضاف: «مجدل عنجر لن تقبل بعد اليوم إلصاق أيّ تهمة بها دون وجه حق، وعلى من يريد زيارة بلدتنا أن يكون مع الحق لا مع الباطل». هذا الكلام سمعه النواب عقاب صقر وعاصم عراجي وإيلي ماروني وطوني أبو خاطر، أمس، في مجدل عنجر رسمياً بعد زيارتهم البلدة إثر انتهاء مؤتمرها الصحافي. وقال مشاركون في اللقاء لـ«الأخبار» إنّ أعضاءً في المجلس البلدي وجهوا انتقادات حادة إلى النواب المذكورين، قائلين: «لم نرَ منكم عملاً واحداً يدافع عن بلدتنا ضد الاتهام الظالم الذي أُلصق بشبابنا، وأنهم كانوا سيستهدفون البطريرك صفير». وحين ردّ أحد النواب بأنهم عملوا ما استطاعوا، ردّ أحد أعضاء البلدية عليه: «تقولون إنكم اشتغلتم. حسناً، لكن لم نر واحداً منكم يزور مرجعية أمنية لاستيضاح الأمر قبل إطلاق مواقف سياسية ظالمة بحق مجدل عنجر وشبابها، بل إن أحزاب بعضكم أصدرت بيانات استهدفت مجدل عنجر مباشرةً، ووسائل إعلام بعضكم ألحقت الظلم بنا».
هذا الانتقاد القاسي لنواب، ومن خلفهم بعض الأحزاب والتيارات السياسية التي يمثلونها، كان قد بدأ بنقد لاذع لمؤسسات إعلامية أسهمت في بث ونشر ما «ألحق الظلم بنا»، وفق قول رئيس البلدية سامي العجمي، الذي استهل به مؤتمره الصحافي، و«أيّ مؤسسة إعلامية تريد نشر أو بث أي أمر يتعلق بمجدل عنجر عليها العودة إلى البلدة من أجل الحقيقة، فنحن لا نريد لأحد بعد اليوم أن يشوّه صورة بلدتنا». أضاف إنّ مجدل عنجر تتعرض «لأبشع أنواع الافتراء والتجني بطريقة مدسوسة وبشعة، محاولين جرّها وجرّ لبنان إلى المجهول عبر الاستفزازات وتلفيق التهم البعيدة كل البعد عن أهلها وشبابها»، مؤكداً أنّ بلدته «تنبذ وتدين كل أعمال الإرهاب والتطرف، وهي متمسكة بدولة المؤسسات والشرعية والقانون (...) وشبابها حافظوا على مؤسسات الدولة في منطقة المصنع الحدودية، علماً بأنه لا وجود للدولة في كثير من المناطق». وتابع قائلاً إنّ «ما حدث عشية زيارة البطريرك صفير للبقاع (...) وما تناولته وسائل الإعلام استناداً إلى مصادر أمنية حسب زعمها (...) ما هو إلا من نسج الخيال، واستهتار ورعونة وعدم مسؤولية ومخالف لأبسط قواعد المهنة الإعلامية، ويقع تحت طائلة المساءلة القضائية والقانونية». واستغرب العجمي «تعاطي الوزارات المختصة بعدم إعطاء الحادث الاهتمام المطلوب من حيث شرح الملابسات بعد صدور تقرير الجيش اللبناني، لكونه، وما رافقه من إثارة إعلامية، يمسّ الرأي اللبناني ويهدد السلم الأهلي»، منتقداً «بعض المسؤولين والأحزاب الذين أكّدوا أنه يوجد
نواب منطقتنا وقفوا «يتفرجون» على الظلم
رابط بين حادثة الحريق في زحلة وزيارة البطريرك صفير قبل صدور أيّ تقرير رسمي». وعدد رئيس بلدية مجدل عنجر مطالب بلدته، قائلاً: «نطلب من جميع المراجع والمسؤولين ووسائل الإعلام عدم التسرع في إطلاق التهم تحت طائلة الملاحقة القانونية القضائية، محتفظين بكل حقوقنا القانونية. كذلك نطلب من جميع المراجع المختصة معاملة مجدل عنجر وأبنائها بالتساوي مع جميع اللبنانيين دون تمييز، ولن نقبل بعد اليوم أن نحاسب كأننا خارجون عن القانون». وختم بأنّ مجدل عنجر هي بوابة لبنان و«صمام أمان لكل لبنان، وحين يتعرض هذا الصمام لأيّ انتكاسة، سينعكس ذلك على كل البلد. ومجدل عنجر خط أحمر، والذي يريد أن يخطئ معنا لن يكون «ممنوناً»».
وطلب المحامي محمد العجمي من وسائل الإعلام نشر كل المؤتمر الصحافي «لأنّ من حقنا وفق القانون نشر وبث ردّنا وفق قانون المطبوعات، ولأنّ وسائل إعلام ألحقت بنا الظلم مباشرةً قبل أن تتوخى الدقة وتعرف الحقيقة من مصادر رسمية مسؤولة، لا بل كتبت ونشرت وبثت سيناريوات لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، فقط لأن الشباب الذين كانوا في المدينة الصناعية بزحلة من مجدل عنجر».
________________________________________
شيخ منافق لا شيخ المنافقين
عرض بعض الصحافيين خلال تغطيتهم المؤتمر الصحافي في بلدة مجدل عنجر لاعتداءات كانوا قد تعرّضوا لها من أشخاص من البلدة خلال تغطيتهم لأنشطة وأحداث سابقة بسبب مواقف مؤسساتهم الإعلامية السياسية. هذا العرض رد عليه البعض من البلدة بتوجيه انتقاد إلى مؤسسات إعلامية استقبلت بحفاوة خلال الأيام الماضية، و«رغم استقبالنا لها بكل صدر رحب، خرجت من هنا وكالت لنا الشتائم والإهانات. وقالت مراسلة تلفزيونية، مثلاً، إن مجدل عنجر تورا بورا، أو قندهار، بعدما رحبنا بها وبمحطتها، ولم تكتف بذلك، بل وصفت الشيخ الموقوف محمد المجذوب بتهمة اختطافه لنفسه بأنه شيخ المنافقين، حيث شملت بهذا كل المشايخ والأئمة، وكان الأجدر بها أن تقول مثلاً الشيخ المنافق لا أن تتهم كل المشايخ بالمنافقين، فكيف يمكننا أن نضبط أعصاب بعض شبابنا. لكن أي اعتداء على أي صحافي هو اعتداء على كل أهالي مجدل عنجر».
عدد السبت ٣ تموز ٢٠١٠
جريدة الاخبار
No comments:
Post a Comment