Saturday, January 1, 2011

جذور الأزمة المالية

بورصة «وول ستريت»: من هنا امتدّ الانهيار إلى باقي العالم (أ ب)
البحث عن اختلال التوازن والسياسة النقدية والرقابة... والأخلاق
بعد ثلاث سنوات من اندلاع الأزمة المالية العالمية لا يزال الإجماع مفقوداً بين صانعي السياسات والباحثين عن الأسباب الرئيسيّة الكامنة وراء اختلال التوازن المالي عالمياً. من هذا المنطلق تركّز دراسة حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي على أدوار عوامل «الرقابة والتنظيم» و«السياسة النقدية» و«الاختلالات الاقتصاديّة وتدفّق الرساميل»
في محاولة منها لمقاربة الأدلّة على «الجذور الكامنة» خلف الأزمة المالية التي انفجرت كلياً في الفصل الأخير من عام 2008، تتفحّص دراسة صدرت أخيراً عن صندوق النقد الدولي بعنوان «ما الذي سبّب الأزمة الماليّة العالميّة؟»، الأهميّة النسبيّة لتدفّق الرساميل بين البلدان والسياسة النقديّة ومعايير الرقابة، في تشجيع تراكم اختلالات التوازن المالي قبيل الأزمة.
وتستند الدراسة إلى بيانات منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بين عامي 1999 و2007، للإضاءة على أهميّة هذه العوامل الثلاثة في اندلاع الأزمة، التي بدأت في الولايات المتّحدة في صيف عام 2007، وانفجرت كلياً في خريف العام التالي مع انهيار المصرف الأميركي «Lehman Brothers». وتبع الأزمة المالية ركود حاد كان الأسوأ على العالم الصناعي منذ الركود العظيم في ثلاثينيّات القرن الماضي.
وعموماً تمثّل نتائج الدراسة، التي أعدّها أواردا ميروشيه ووإيرليند نيير، دعامة جيّدة للطرح الذي يقول إنّ «تدفّقات الرساميل وفّرت الوقود الذي صمّمه على نحو غير متناسب العالم المتقدّم وأدار به النظام المالي (العالمي)، ومن ثمّ اشتعل ليولّد العاصفة النارية التي لفّتنا جميعاً».
ففيما كان خللٌ في تركيبة الرهون العقارية في الولايات المتّحدة الشكلَ الأوّلي للأزمة، انسحبت مباشرةً على مجموعة من البلدان الصناعية في المنظّمة مدعومة بمجموعة من العوامل:
1 ـــــ الانكشاف المباشر على الأصول المالية المرتبطة بالرهون العقارية الأميركية (والمنتجات المالية المعقّدة المرتبطة بها).
2 ـــــ تراجع الثقة في مجموعة من فئات الأصول (التي تُتداول في الأسواق المالية).
3 ـــــ جفاف التمويل في الأسواق المالية، أي بين المصارف (ويُرمز إليها بأسواق الجملة).
عن أهميّة عامل تدفّق الرساميل تقول الدراسة إنّه يرسّخ الحاجة إلى إعادة النظر في الأدوات والسياسة لمعالجة فقدان التوازن عالمياً والتدفّقات المالية التي ترتبط به. ففي البلدان التي تتمتّع بفوائض يبرز الأمل في التحسين من خلال السياسات الهيكليّة لخفض فائض المدّخرات وفي السياسات الملائمة لتطوير الأسواق المالية المحليّة والإقليميّة. أمّا في البلدان التي تعاني عجوزات على هذا الصعيد، فإنّ السياسة المالية والتحكّم في تدفّق الرساميل هما الأداتان الرئيسيتان، تقليدياً، لمعالجة مسألة تدفّق الرساميل. وإضافةً إلى ذلك، قد يكون هناك حاجة إلى تطوير «أدوات احترازيّة عامّة» يمكن استخدامها لمواجهة تراكم عوامل الهشاشة المرتبطة بتدفّق الرساميل.
وتوثّق الدراسة أنّ مرحلة ما قبل الأزمة المالية تميّزت بتراجع معدّلات الفوائد عالمياً، ما يجعل من المنطقي الاعتقاد بأنّ هذا الأمر أدّى دوراً في تحفيز تراكم اختلال التوزان العالمي، لكن في المقابل ترى الدراسة أنّه في بعض البلدان التي كانت فيها المعدّلات مرتفعة، لم تتباطأ عمليّة تراكم عوامل اختلال التوازن، لكن في جميع الأحوال يبرز سؤال أساسي يتعلّق بما إذا كان من المجدي أن تُستخدم السياسة النقديّة لمواجهة نشوء مظاهر اختلال توازن في المستقبل. وفي هذا الإطار تشير نتائج الدراسة إلى ضرورة «الحذر» من التوصّل إلى قرار حاسم. فوفقاً للبيانات التي عالجتها «تُلقى شكوك على مدى فعالية السياسة المالية في السعي إلى التأثير على خيارات المؤسّسات في القطاع المالي في تعديل موازناتها».
لكن في الوقت نفسه، تخلص الدراسة إلى أنّه من المفترض أن تكون السياسة النقديّة أكثر وعياً لكيفيّة تأثيرها على تدفّق الرساميل. ففي البلدان المتقدّمة ذات الاقتصادات الصغيرة، يسهم اتّباع سياسة «ضيّقة» (أسعار حديدية للفوائد) مقارنةً بالمعدّل العالمي، في تدفّق الرساميل، ومن الممكن أن يُشجّع ذلك على نحو غير مباشر على تراكم عوامل اختلال التوازن داخلياً. وعلى العكس من ذلك، فإنّ سياسة ماليّة «فضفاضة»، أو اعتماد سياسة سعر صرف يُمكن تصنيفها بأنّها فضفاضة، قد تسهم في تراكم الفوائض في الحساب الجاري و«خروج الرساميل» ما يؤدّي إلى تحفيز تراكم عوامل اختلال التوازن في بلدان أخرى.
وفي ما خصّ «السياسات الاحترازيّة» تتماهى نتائج الدراسة مع فرضيّة أنّ تراكم عوامل اختلال التوازن المالي عالمياً غذّته «مخاطر أخلاقيّة على نطاق واسع»، وغذّته أيضاً السياسات الاحترازيّة غير المناسبة التي فشلت في معالجة مكامن الخلل النظميّة المرتبطة بالاستخدام الفائض للتمويل بالجملة.
وفي هذا الصدد تتحدّث الدراسة عن ثلاث خلاصات رئيسيّة:
1 ـــــ توثّق النتائج التي جرى التوصّل إليها عدم قدرة تنظيم رأس المال على تجنّب تراكم الرفع الاصطناعي (الاقتراض فوق القدرة وتحقيق الأرباح اعتماداً على أموال الغير بهامش واسع) الذي يجد جذوره في أسواق التمويل بالجملة (أسواق التمويل الضخمة)، وهذا الأمر يؤكّد الحاجة إلى تشديد أكبر على تنظيم السيولة.
2 ـــــ هناك حاجة كبيرة إلى مزيد من التدخّل الرسمي ومنح وكالات الرقابة والتنظيم مزيداً من السلطة، وذلك بهدف زيادة فاعليّة الرقابة وتقليص دور عوامل الفشل النظامية.
3 ـــــ كانت المصارف المركزيّة أكثر فعالية في الرقابة على مخاطر التمويل الخاصة بمستويات السيولة، وهذا الأمر يدعم توجّه إعادة النظر في أطر السياسات التي تمنح المصارف المركزية دوراً رسمياً أكبر في تنظيم السياسات الاحترازية على الصعيد الماكرو اقتصادي.
وأخيراً، تشدّد الدراسة على أهميّة فهم الأزمة المالية العالمية من منظور أنّ «التحرير الكامل لأسواق المصارف يزيد من مستوى الهشاشة».
وتقول إنّ «العلاقة بين المنافسة والاستقرار في أسواق المصارف وإيجابيات فرض حواجز في خفض مستوى المنافسة المفرطة وحوافز المخاطرة الناتجة عن ذلك، تستحقّ نقاشاً أكبر».
(الأخبار)
________________________________________
150%
معدّل القروض المصرفيّة إلى الودائع في بلدان مجموعة «OECD» قبيل اندلاع الأزمة، وهو مؤشّر على مستوى المخاطرة بأموال الناس بهدف تحقيق الأرباح، ويعني تحديداً أنّ المصارف أقرضت أموالاً بمعدّل يساوي مرّة ونصف مرّة الودائع في محافظها
________________________________________
كعب أخيل النظام المالي
تستند الدراسة في تحليلها لاختلالات التوازن في القطاع المالي في كلّ بلد مدروس على حدة، إلى مقياس توسّع الإقراض الذي يكمن في أسواق التمويل الكبيرة (بالجملة أي بين المصارف) خلال الفترة المدروسة. وقد يكون وفر السيولة هو الذي شجّع زيادة ذلك التمويل قبيل الأزمة، لكن عندما جفّت السيولة تحوّل ذلك التمويل إلى «كعب أخيل» النظام المالي العالمي منذ صيف عام 2007، وعلى نحو متزايد منذ خريف عام 2008. ورعت التوسّع بالإقراض مجموعة من السياسات غير المسؤولة في الولايات المتّحدة تحديداً، أدّت إلى تأثّر باقي أقطار العالم.
العدد ١٣٠٤ الجمعة ٣١ كانون الأول ٢٠١٠

No comments:

Post a Comment