Friday, April 1, 2011

استعادة تاريخية لعلاقة سيد كنيسة جبيل بالثنائي الماروني.. ومحاولة تلمس ما بعد صفيرالبطريرك الراعي لا «عوني» ولا «قواتي»: لي أسلوبي.. ولكم زواريبكم
عون
الراعي
جعجع (م. ع. م)
ملاك عقيل
إذا صدقت النيات، فإن مرحلة ما بعد البطريرك الماروني نصر الله صفير ستشكل مشروع تناغم مثمراً بين كل من يحلو له أن يتناغم مع بكركي من الرابية إلى معراب مرورا
ببنشعي وبعبدا، من دون إغفال عنصر موضوعي أساسي، تراجع الدور السياسي للمرجعية الروحية المارونية، الذي انتفخ في مرحلة الوصاية، وسرعان ما أخذ حجمه الطببيعي
بعد انتهائها وعودة المنفي الباريسي والمغترب في سجن وزارة الدفاع، وانتهاء مرحلة التباسات الرئيس الممدد له في بعبدا، بالفراغ أولا ثم بانتخاب ميشال سليمان
رئيسا في أيار 2008.
وفق هذا مفهوم «التناغم»، يفترض أن يكون «نَفَس» العونيين طويلاً. الدليل أن «تزكية» البطريرك المنتخب بشارة الراعي لزياد بارود وزيرا للداخلية، لم تجعل العماد
ميشال عون يرفع متاريسه باكرا بوجه سيّد الصرح. فقد تكفّل الوزير السابق ماريو عون، من دون تكليف من أحد، بالإضاءة على «السابقة» البطريركية الأولى التي زكّت
بارود، برأيه، «لمنصب الرئاسة الأولى وليس فقط وزيرا للداخلية للمرة الثالثة».
وفيما كان المصطادون في الماء العكر ينتظرون صدور اول موقف من «جنرال الرابية»، بعد اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح» الأخير، يدعو فيه البطريرك المنتخب الى التزام
حدوده باختيار ما يراه مناسبا في تعيينات الكنيسة وليس الحكومة، عاكس عون «التيار»، موجهّا رسالة بالبريد السريع إلى المعنيين «بعد الآن لا مجال لمشروع «مشكل»
مع بكركي»... حتى لو طالب البطريرك بحكومة تكنوقراط، تثير تسميتها حساسية كبيرة عند «الجنرال»، أو نبذ حكومة اللون الواحد المفضلة برتقاليا... ولن يكون مفاجئا
أن يكون الراعي أول المطمئنين على صحة «الجنرال»، مخصصا إياه بصلاة ودعاء طول العمر.
وقبل أن يطلّ عون من الرابية معلنا بدء «شهر العسل» مع خليفة نصر الله صفير، كان النائب الجبيلي سيمون ابي رميا يجلس مع «صديقه» الراعي و«يدردشان» في شؤون الكنيسة
والسياسة، و«يهندسان» بالتنسيق مع «المؤسسة المارونية للانتشار» زيارة البطريرك الى الفاتيكان لتثبيت التولية ومقابلة البابا بندكيتوس السادس عشر، في 11 نيسان
المقبل، وذلك بهدف تأمين حضور سياسي متنوّع في هذه المناسبة. هي محطة روتينية في علاقة تعمّقت بعد انتخاب أبي رميا نائباً عن جبيل، حيث استضاف الأخير أكثر من
مرة على مائدته المطران الراعي بحضور العماد ميشال عون أحيانا وثلة ضيقة من الاصدقاء. لكن العلاقة منذ الآن وصاعدا، ستكتسب إطارا أكثر شمولية، ينضمّ إليه «الرفّ
البرتقالي» لإعادة ترتيب علاقة بعثرتها رياح الخصام مع السلف.
وحتى تتّضح معالم «خريطة التفاهم» بين البطريرك و«الجنرال»، يتحمّس العونيون للترويج لما يسمونها «الحرب الباردة» على خط بكركي ـ معراب. ويذكّرون، من يهمه الأمر،
بأن «عائلة البطريرك وساحة أبرشيته كلها عونية». يتداول هؤلاء شريطا مسجلاً على «اليوتيوب» يظهر الراعي في حلقة تلفزيونية يبدي رأيه بسمير جعجع «عنده شخصية
خاصة، وعنده مواقف يعلن فيها مواقف خاصة تهدّم أكثر مما تبني». لكن تتمّة الحديث التي اقتطعها «البرتقاليون» من التسجيل كشفت رأي راعي أبرشية جبيل آنذاك بالعماد
ميشال عون «له شخصية خاصة ونظرته شاملة، لكن رأيه هو الوحيد الصحّ بنظره، ولذلك من الصعب مجادلته، واذا جادلته يعطيك دائما مبررات ان رأيه هو الصحّ».
هكذا، تبدو الصورة ذات نفحة كاريكاتورية حين تحضر جلسة نقاش عونية ـ قواتية حول «الهوية» السياسية للبطريرك الماروني الجديد. الطرفان يصرّان على المزايدة من
كيس غيرهما. في حفل التنصيب أتى الجواب على حماستهما الزائدة لتبنّي بطريرك من الصعب ان يحسب على فريق مسيحي ضد فريق مسيحي آخر: الاصرار على الطابع الروحي للمناسبة
وحظر رفع الاعلام الحزبية. في حاضرة بكركي وجد من يقول «ليرتح الجميع، البطريرك الجديد لا مع 8 ولا مع 14 آذار، بل مع لبنان بلد الرسالة والشراكة والمحبة والانفتاح».

وقبل ان يلعب «التيار الوطني الحر» على وتر العلاقة الحسّاسة بين «غبطته» و«الحكيم»، كان القواتيون قد قاموا باللازم لتجيير انتخاب البطريرك ضمن سلّة انتصاراتهم.
في شوارع عين الرمانة وبعض الاحياء المسيحية الصرف، رفعت لافتات تشيد بسيّد بكركي «خير خلف لأفضل سلف»، و«جرأة+ صلابة+ ايمان= راع حكيم». «البروباغاندا» غابت
عن اهتمامات الرابية، واستبدلت بسياسة أكثر عملانية على الارض. فطوال سنوات الخلاف مع البطريرك صفير لم تكن الرابية بعيدة عن «أطراف» الكنيسة. ما كان ينقصها
هو التواصل البنّاء مع الرأس. ومنذ الإعلان عن تقديم صفير استقالته، أيقن «جنرال الرابية» ان عصرا جديدا قد بدأ لتوّه مع البطريركية، عموده الفقري المصالحة
المنتظرة مع الوجه الآخر للزعامة المسيحية... «بركة بكركي». العونيون أكثر من مرتاحين «سمير جعجع عاد يتيما، بعدما أصبح «ابو سمير» بطريركا سابقا».
خلوة التهنئة لرئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» مع البطريرك الراعي ساوت بدقائقها العشر خلوة الاخير مع وفد «حزب الله» برئاسة محمد رعد. بنهايتها
لم يفت «الحكيم» تذكير البطريرك الجديد بإحدى مهماته الاساسية لجهة «إكمال ما بدأه البطريرك صفير منذ 25 عاماً». لكن جلسة «من القلب الى القلب» دامت ساعة ونصف
جمعت الراعي وجعجع في بكركي قبل يومين من احتفال التولية. جلسة طرحت فيها كل الهواجس والملفات مع استعادة لمفاصل الازمة السياسية.
في قاموس معراب عدّة ثوابت تحكم التواصل مع بكركي و«سيّدها» مهما كانت هويته: العلاقة في كل المراحل أكثر من ممتازة مع الصرح. ثوابت بكركي هي ثوابت «القوات
اللبنانية». خطاب البطريرك الراعي عن الحرية والسيادة و«الثوابت المسيحية» هو خطاب «القوات» ومنسجم مع فكرنا ونضالنا، والتباين في بعض وجهات النظر لا يعني أبدا
الخلاف على الاساسيات. وبكثير من الثقة يتحدث القواتيون «عن ضرورة ان تكون بكركي «محجّة» لجميع اللبنانيين وليس فقط للموارنة، وضرورة تقديم كل الدعم للراعي
من كل الاطراف السياسية ليبدأ مسيرته بهدوء ومسؤولية».
هكذا يقابل الارتياح العوني، تفاؤل قواتي بوصول الراعي الى كرسيّ البطريركية، «فهو من أكثر المطارنة إثارة للجدل بسبب رأيه الصريح والواضح برفض بقاء السلاح
بيد «حزب الله» وأرشيف التلفزيونات والاذاعات والجرائد يفيض بأحاديث غبّ الطلب عن رفض بقاء السلاح خارج سلطة الدولة والجيش».
في كانون الثاني من العام 2010 كان الراعي أكثر جرأة من البطريرك صفير نفسه حين حمل ضد الدعوة المفاجئة لرئيس مجلس النواب نبيه بري لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء
الطائفية السياسية من دون أي مقدمات تمهيدية. يومها قال راعي ابرشية جبيل بالحرف الواحد: «بوجود المال والسلاح سيكون البديل عن إلغاء الطائفية السياسية هو الدولة
الاسلامية». وهو الذي استخدم «سلاح» الكنيسة حين لوّح بالحرم الكنسي ضد من ينال من كرامة بكركي ويثير الكراهية ضد صفير، كما ان البطريرك من المقتنعين بأن «حزب
الله»، وفق الرؤية القواتية، يستغلّ عون في مآربه السياسية، ويعارض الرابية في قرارها غير المسؤول في إسقاط المحكمة الدولية، ويملك تصوراً لحماية المسيحيين
أقرب الى الفكر القواتي من العوني. وآخر المواقف السياسية المرضية لمعراب، «توزيع الادوار» بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بما يعطي الاول حق الادارة
السياسية، من منطلق دعمه لموقع الرئاسة الاولى، والثاني إدارة دفة الكنيسة المارونية بكل مؤسساتها... وان كان موقف الراعي من ابن جعيتا الوزير زياد بارود قد
طرح علامات استفهام في محيط معراب كونه يدخل «في إطار التخصيص غير المفيد».
والبطريرك الساعي للتحرّر من عقدة «التجيير» أطلق على ما يبدو أمام زواره من المعسكرين القواتي والعوني «إرشاده» السياسي الأول: «أنا رجل حوار. لي أسلوبي ولكم
أسلوبكم. أرفض منطق التفضيل والتحزّب. لا أدير أذني لفريق بوجه فريق آخر. لن أدخل في زواريب الملفات السياسية. ملعبي الطبيعي هو الملعب الروحي والديني والكنسي
والوطني وليس ساحات التجاذب والفرز». وحين يغلب لدى الفريقين المسيحيين خيار «تسييل» مواقف «سيّدنا» في وعاء الرابية أو معراب يسقط من اعتباراتهما أن الراعي
من دعاة العلاقات الجيدة مع سوريا وإيران والسعودية والجميع باستثناء إسرائيل، وعدم التبعية لأحد، وبأنه من أكثر المطارنة تسييسا وحبا للكاميرات والأضواء من
دون ان يفقده كل ذلك خبرة حمل العصا من النصف ورفض الانجرار الى استعداء أي طرف، فكيف عندما أصبح حاملا عصا الرعية؟
«طلعات ونزلات» واكبت علاقة ابن حملايا البلدة المتنية، مع الزعيمين المسيحيين. وأقصى طموحات قاعدتي الحزبين المسيحييّن اليوم رؤية سيّد الصرح يحمل البطاقة
الحزبية «البرتقالية» أو «الخضراء». الراعي الذي شارك أكثر من مرة في قداديس عن روح الشيخ بشير الجميل، تبنّى قضية «الاعتقال التعسفي» لسمير جعجع في زنزانة
وزارة الدفاع، وان كان من الناقمين على الممارسات الميليشوية لـ«القوات» خلال حقبة الحرب السوداء.
بعد خروج «الحكيم» من السجن، قصد المطران الراعي معراب بضع مرات لم تكن كافية لنسج علاقة ترتقي الى مستوى إقامة علاقة صداقة. وفي الكواليس ما كان ينبئ بفقدان
عامل الثقة أو «الكيمياء المتبادلة». الدليل ما صرّح به النائب انطوان زهرا عام 2007 عن حيازته وثائق وملفات تثبت تسلّح «التيار الوطني الحر»، مؤكدا ان «ابرشية
المطران بشارة الراعي تعجّ بالاسلحة وهذا أمر لم ينكره المطران».
مشهد استقبالات التهنئة الجامعة في بكركي، الذي ذكّر البعض في مضمونه السياسي بالتلاقي الاستثنائي لفريقي 8 و14 آذار في العيد الوطني السوري في «البيال» العام
الماضي، لا يستفزّ معراب، لكنه يدفعها لمزيد من الرصد المبكر لمنحى ترميم الجسور بين بكركي والضاحية، وبين الصرح والرابية، والاهم للمصالحة الكبرى المتوقعة
بين الكنيسة المارونية والقيادة السورية. ما توافر حتى الآن من إشارات بطريركية أكثر من مطمئن. وأول دفعة تعيينات كنسية رسمت ابتسامة عريضة على وجه «الحكيم»،
بعد اختيار الراعي خوري ابرشية جبيل نبيه الترس، القواتي الهوى، أمين سر للبطريركية المارونية بدلا من الاب ميشال عويط.
العونيون، من جهتهم، يتحدثون عن التزام أخلاقي ووطني للراعي بـ«حرب التحرير» في العام 1989، وبعلاقة أكثر من وطيدة مع «الجنرال» خلال فترة الحصار في قصر بعبدا
في زمن رئاسة الحكومة الانتقالية وأن الزيارات لم تتوقف حتى في أثناء وجود «الجنرال» في المنفى الفرنسي تحت عنوان التشاور «مع زعيم وطني ومسيحي».
وبعد توقيع «ورقة التفاهم» مع «حزب الله»، في شباط 2006، واظب المطران الراعي على الاجتماع بميشال عون في الرابية مع اتساع فجوة التلاقي السياسي. لم تدخل القطيعة
يوما في قاموس الرجلين، ورغم خطاب السقف العالي لراعي ابرشية جبيل حيال السلاح وضرورة انضباطه تحت إمرة الدولة ورفضه لأخذ لبنان «رهينة من قبل فئة» بسبب المحكمة
الدولية، كان النائب سيمون ابي رميا، بحكم الجيرة، يقوم باللازم لإبقاء لغة النقاش والحوار قائمة.
وعلى الهامش يهمّ الرابية الاضاءة على تفصيل صغير «لا نسعى الى التزام البطريرك الجديد بمواقف «التيار الوطني الحر»، مع العلم اننا ضد أبدية السلاح. ونحن على
كامل الثقة بأن البطريرك لن يعيد تجربة السلف بالانحياز لفريق ضد آخر».
سؤال آخر يشغل بال العونيين «هل ستشكّل معراب وفودا شعبية لمواكبة زيارة البطريرك الجديد الى براد والاماكن المقدسة في سوريا حين يقرّر الراعي تدشين «مشروع
التلاقي» بين بكركي والرعية في دمشق»؟ ثم «ماذا عن الضغوط التي يتعرض اليها الراعي من الصيفي ومعراب من أجل ثنيه عن قرار الزيارة الراعوية المقررة الى سوريا»؟

No comments:

Post a Comment