Friday, April 1, 2011

________________________________________
سوريا تشكو من تدخّل لبنان فـي شؤونها

مواطنون سوريون يتظاهرون أمام السفاره السورية في بيروت (مروان طحطح)
انتهت الشكوى اللبنانية من التدخّل السوري في الشؤون اللبنانية لتبدأ الشكوى السورية من التدخّل اللبناني في الشؤون السورية. وفي ظلّ خشية النظام السوري على استقراره، يفترض أن يكون له تعاطٍ جديد مع ما يراه تدخّلات لبنانية في شؤونه
غسان سعود
في حفلات التهكّم على رجولة تيار المستقبل، لا يختلف اثنان من شباب 8 آذار على أن الرئيس سعد الحريري يعجز عن توفير الحماية لنفسه، حتى في غرفة نومه. ويخبرون أن رئيس فرع المعلومات وسام الحسن يختبئ منذ أشهر في مركز فرع المعلومات في الأشرفية خلف جدران سميكة من الباطون. وقبل أن يعيد الحريري ارتداء الثياب التي خلعها في 13 آذار، يرى قريبون من الحكم في سوريا أن للحريري عضلات: هو في محافظة درعا، يحرك العشرات لإسقاط النظام السوري. وهو في محافظة اللاذقية، أرسل من يقايض وطنية الأهالي بحقائب مال.
وهو (الحريري، ما غيره) يفعل ما لم يستطعه لبناني قبله، محققاً ما تخشاه سوريا منذ تكريس الكيان اللبناني، ويهدّد أمن الجمهورية العربية السورية واستقرارها.
لا شكّ في أن تصديق غالبية اللبنانيين لكل ما سبق عن قدرات الحريري الاستثنائية صعب. لكن ما همّ إن صدّقوا أو لا، المهمّ أن القيادة السورية التي قبضت على المؤامرة تتربّص بها، تصدّق كل ما سبق ذكره. والتقارير التي يُحكى عن ضبطها لوسام الحسن وخالد ضاهر وجمال الجراح متلبسين، ورصدها غرفة عمليات لإسقاط نظام الأسد، لا تأخذ في الحسبان مصادفة وجود الحسن في باريس عندما بدأت أحداث درعا، ولا تنقّل خالد ضاهر متخفّياً من مكان إلى آخر لخشيته من الردّ القومي على مجزرة حلبا. وبغضّ النظر عن الأدلّة الحسية، ترى القيادة السورية أنّ لديها ما يكفي من الأدلة المعنوية على الأيادي اللبنانية في تحريك ما تصفه القيادة نفسها بالفتنة.
فالفتنة التي تحدّث عنها الرئيس السوري أول من أمس وتحذّر البروباغندا الرسمية منها، هي فتنة سنية ـــــ علوية، أساسها حثّ أهل السنة في سوريا على الانتفاض على ما يوصف هنا وهناك في سوريا بأنه استئثار من الأقلّيّة العلويّة بالحكم، وإقصاؤها الطائفة السنية (مع العلم بأنّ خطاب الأسد في مجلس الشعب كان أول خطاب رسمي سوري، في مرحلة البعث، يتطرّق بصراحة إلى خطورة الصراع المذهبي). وهنا، لمن يقتنع بوجود مخطط كهذا، يبدو استحضار الحريري منطقياً. فسواء ضبط فعلاً في اللاذقية ودرعا «زعران» رماهم الحريري أو لم يضبط، وسواء كان لمعارضي النظام السوري الذين يحتضنهم الحريري مناصرون أو لم يكن، لا يشك اثنان في أن تسليط أضواء الفضائيات اللبنانية والعربية (التي نادراً ما يبتعد عنها المشاهد السوري) على خطاب الحريري منذ خمس سنوات عن استضعاف أهل السنة، أسهم كثيراً في تأجيج المشاعر المذهبية في لبنان وما بعد بعد لبنان. وما لا يُشكّ فيه، أنّ اتّهام الحريري نظام الأسد باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري «زعيم زعماء العرب»، وإقصائه الطائفة السنية في لبنان، تجاوز في تأثيره أهل السنة في لبنان. وبالتالي لا علاقة أبداً لبعض المثقفين السوريين الذين يجدون في قريطم إشعاعاً ثقافياً ولا لحماسة المستقبل لـ«ربيع دمشق» بالاتهام السوري لتيار المستقبل بالفتنة بين السوريين. الأمر يتعلّق بأبواق المستقبل المذهبيّة.
وضمن الأمور الملموسة أيضاًً، يقول المقرّبون إنّ لدى القيادة السورية تقارير كثيرة، يمكن الوثوق بها، عن جهود جبّارة لقيادات أمنية لبنانية قريبة من تيار المستقبل، سعت بكل الوسائل عند مئات العمال السوريين لحثّهم على تنظيم الاعتصامات قبالة السفارة السورية في بيروت للمطالبة بإصلاحات اقتصادية في بلدهم. وسواء علمت قيادة «المستقبل»، والأهمّ كتلة المستقبل النيابية، أو لم يعلموا، فإن تصفّح المجموعات الداعية إلى إسقاط النظام السوري على الفايسبوك، يظهر تدخّلاً افتراضياً غير مسبوق لشعب بشؤون شعب آخر. فعدد اللبنانيين المنتمين إلى هذه المجموعات هو أضعاف عدد السوريين. وبالتالي، بعيداً بعض الشيء عن «المؤامرات الأجنبية» التي تشغل بال النظام السوري هذه الأيام، وعن تبهير التأثير اللبناني على الداخل السوري وتمليحه، يمكن الركون إلى ثلاثة تدخلات لبنانية أساسية في الشؤون السورية: أوّلها وأخطرها بالنسبة إلى دمشق، التحريض المذهبي. ثانيها انشغال أنصار «المستقبل» الافتراضيين بإسقاط النظام السوري عن كل الأمور الأخرى التي كانت تلهيهم. وثالثها، بعض الإعلام اللبناني الذي لا يكتفي بنقل المشهد السوري كما هو، بل يسعى إلى التأثير فيه.
ويُشار على الصعيد الإعلامي إلى أنّ التدقيق في تعامل قناة «العربية» مع ما حصل في سوريا يُظهر ارتكاب القناة السعودية حفلة تزوير ضخمة، تعزّز بما لا يقبل الشك الكلام الرسمي السوري عن المؤامرة. فقد عرضت القناة المذكورة مشاهد لسيارات يخرج المسلحون من نوافذها، قالت إنهم من بلطجية النظام السوري، فتبيّن أن المشاهد مقتطعة من تسجيلات لسيارات كانت تجوب بيروت أثناء أحداث 7 أيار. والقناة نفسها، عرضت مشاهد لحالة الهلع في شوارع درعا، تبيّن أنها مشاهد عادية جداً، لكن جرى تسريع الصورة.
في النتيجة، النظام السوري مقتنع، عن حق أو من دون حق، بوجود مؤامرة دولية تستهدفه، قال الرئيس الأسد إن لها خيوطاً إقليمية وداخلية. والنظام نفسه أعلن دخوله مرحلة «مكافحة المؤامرة والتصدّي للفتنة». وحيث إنّ تيّار المستقبل، ولا سيّما «القوات اللبنانية» وسط حلفائه، هم جزء من عُدّة هذه الفتنة، يُفترض ألّا يسلم «المستقبل» ولا «القوات» من مكافحة النظام السوري للفتنة. والنظام المستنفر هذه الأيام، سواء في الداخل أو في علاقته مع بعض الدول الإقليمية (وأهمّها قطر) والدولية، يرى أن وضع حدّ لما يسرّب إليه من لبنان، من أولوياته.
الاخبار

No comments:

Post a Comment