Friday, September 2, 2011

نبتات تورق على ضفاف المختارة: نماذج حمادة والصايغ وزين الدين
جنبلاط وحمادة خيط العلاقة
كلير شكر
يتقدم أحد الحزبيين بسؤال الى وليد جنبلاط في اجتماع حزبي عن مصير العلاقة مع الرباعي النيابي «المنشق» عن «جبهة النضال الوطني». فكان الجواب: وحدهم من وقفوا
إلى جانبي في أحرج اللحظات، سأبادلهم الوفاء!
خلال السنوات الأربع الفاصلة، بين قيام «ثورة الأرز» في العام 2005 وانقلاب «زعيمها» الاشتراكي عليها في صيف 2009، شهدت الدائرة «الجنبلاطية» تبدّلات في إحداثيات
بعض «قاطنيها». بعضهم خطا إلى الأمام، والبعض الآخر تراجع إلى الخلف. قلّة منهم حافظت على وضعية «الثبات»، المرتبطة بالالتزام السياسي، أو بالعلاقة التاريخية...
أو بتقاطع المصالح، لمّا باعدت المسافات السياسية بين المركز والفرع. لكن علامات الاستفهام لم تهجر بعض الأسماء، المثيرة للغط، لا سيما تلك التي اختارت «الطيران»
خارج «السرب الجنبلاطي».
في تلك الحقبة، بتحولاتها، نجحت شخصيات جنبلاطية في تمتين حبل التواصل مع «صانع القرار»، وقد يكون للرابط الحزبي دوره في الحفاظ على صوت واحد في الأوركسترا
«المتنوعة»، كالوزيرين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور، أو قيادات حزبية كأمين السرّ العام المقدّم السابق في الجيش شريف فياض أو المسؤول الإعلامي رامي الريّس، أو
غيرهم، الذين لم يخرجوا عن «نوتات» القائد. في حين أن البعض الآخر، اختار العزف على لحن منفرد، يغرّد به على ليلاه، ويقلّص من حدّة «الصوت الواحد»، في أرجاء
المختارة.
للوزير غازي العريضي حيثية و«كاريزما» لا يهضمها البعض بسهولة في البيئة الحزبية، علماً بأن «البيك» يبقيه في الصفوف الأمامية، لا سيما أنه وضع نفسه على «الخطوط
الإقليمية والمحلية» الأكثر حرارة، ما يسمح له بتثبيت موقعه في المختارة، نتيجة العلاقة المتينة بالقيادة السعودية التي ترتاح له، زلز أنها عتبت عليه كثيرا
في مرحلة من المراحل، أو بنظيرتها السورية بحكم التاريخ والحاضر وخاصة أن غازي العريضي في عز الخصام الجنبلاطي مع دمشق كان يحفظ خط الرجعة ولم يحرق المراحل
على طريقة بعض رفاقه في «جبهة النضال».
مروان حمادة، الاسم الأكثر إثارة للجدل في البقعة «الجنبلاطية»، قبله فيصل الصايغ الذي قرر الخروج من تحت عباءة «الزعيم»، وصولاً إلى علي زين الدين بفرادة نموذجه...
وكلها حالات، ساهمت مجتمعة في توصيف «بورتريه» جديد للزعامة الدرزية، تختلط فيه الألوان بعدما كان يرسم بريشة واحدة.

مروان حمادة

مروان حمادة هو مروان حمادة. الصحافي ذو المروحة الواسعة من العلاقات المحلية والدولية، اخترق عالم السياسة من باب «الورقة والقلم» ثم نسج العلاقات مع الدول
والسفارات. موقعه «الصقوريّ» في الصفوف الآذارية، يعكس إحداثيات نشأته، وفق تدقيق راصدي حركته. هو أصلاً نقطة تقاطع جنبلاطي ـ غربي، لطالما لعب هذا الدور، وإن
ظلّت حركته مبطّنة إلى اللحظات التي سبقت محاولة اغتياله في خريف العام 2004. بصماته بدت جليّة في ثنايا «الاتفاق الثلاثي»، كما في مؤتمرات لوزان وجنيف ومؤتمر
بيت الدين.
صداقته بـ«البيك» هي التي فتحت له أبواب الوزراة أولاً، مع توليه حقيبة السياحة في الثمانينيات، وصولاً إلى «اللوحة الزرقاء» في انتخابات العام 1992. يومها
تخطى «سكور» النائب الآتي من خارج النادي الحزبي، رصيد «زعيمه»، بعدما منحه «اليزبكيون» أصواتاً لم تعط لزملائه. تلك الانطلاقة «الصاروخية»، دفعت به إلى فتح
أبواب دارته في بعقلين أمام الجمهور، على الطريقة التقليدية اللبنانية. لكن تلك الخطوة لم تلق استحسان سيّد المختارة، الذي أبلغه بأنها «دعسة ناقصة». يومها
أدرك السياسي الوافد حديثاً من خارج المربّع التقليدي، أن ثمة خطوطاً حمراً لا يمكن تجاوزها.
من خلف كواليس المفاوضات في جنيف ولوزان، تعرّف إلى رجل الأعمال اللبناني رفيق الحريري. سرعان ما توطّدت العلاقة معه، ما سمح له بأن يلعب دور الوسيط بين «أبي
بهاء» و«أبي تيمور». أخرج من حكومة الحريري في العام 1996، بفعل «فيتو» سوري سحب منه لقب «المعالي».
أبرز «الصقور الجنبلاطيين» المتحمّسين لـ«ثورة الأرز»، كان «رادار» زعيم المختارة في بعض العواصم الغربية. لم يتخل عنه يوماً، كما لم يسلّمه سرّاً دفيناً. لطالما
استعان به لنقل بعض الرسائل إلى الخارج، ولفك شيفرة إجابات تأتيه من خلف الحدود. وفق قاموس المحيطين بجنبلاط، حمادة هو «رفيق الدرب» منذ أربعين عاماً. التمايز
في الموقف السياسي لم يفسد يوماً للودّ قضية... حتى قرر «الرباعي الآذاري»، الخروج من «الحاضنة الجنبلاطية». نواب الحزب التزموا توجهات القيادة، ولكن غير الحزبيين
جنحوا عن هامش الخصوصية، إلى فضاء التحليق منفردين ولم يكن ذلك مزعجا لجنبلاط على الأرجح.
محطة الثاني من آب من العام 2009، كانت مفصلية، وقد شهدت نقاشات معمّقة حول الخيارات السياسية، وإن كان الجميع يدرك أن همّ جنبلاط هو السلم الأهلي، الذي قد
يستوجب في بعض الأحيان تقديم أثمان سياسية، وفق المحيطين. من هذه الزاوية تحديداً، تفهّم حماده موقف الزعيم الجنبلاطي، فيما الأخير راعى خصوصية الأول، وهادنه
في خطابه لبعض الوقت، مستعيناً ببعض الليونة في مواقفه، منعاً لصبّ الزيت على النار... إلى أنّ فرّق بينهما الخيار الميقاتي.
جنبلاط حاول تطويق «المذكرات السورية»، وقال صراحة إنه سيحاول «تنقيح» ملف «زميله» لدى «الضابطة العدلية» السورية، ليدحض كلّ الأقاويل بأن المتغيرات السياسية
قد تقطع حبل الصداقة مع حماده. الاعتبارات السياسية والشخصية كانت كفيلة بتوثيق عرى العلاقة التاريخية بين الرجلين، لأنها لم تضعهما سريعاً أمام مفترق طريق،
لكنها لم تلغ إمكانية خروج حماده من الدائرة الجنبلاطية، لدرجة أن الكثيرين استغربوا تصرف «أبي تيمور» الذي طلب من حليفه سعد الحريري فك ارتباطه ببعض المحيطين
به، فيما استثنى نفسه من تلك القاعدة.
حضور مروان حمادة مناسبات المختارة، شكل دليلاً ملموساً على تمسّك الرجلين بخيط العلاقة بينهما، والدليل تلك القبلات الحارة كلما التقيا.
يوم الثالث عشر من آذار، هناك من رصد تسللاً حمادياً إلى العمق الجنبلاطي، في محاولة من الأول تكريس حيثية شعبية مستقلة عن «البيك». أراد بنظرهم أن يثبت أن
لبعقلين دوراً متمايزاً عن المختارة وقادرة على تصنيعه في «معمل» قوى الرابع عشر من آذار. ولكن، لتلك الخطوة محاذيرها في دفتر الحساب الجنبلاطي، وما قبلها قد
لا يشبه ما بعدها. هذا تحليل جنبلاطي يقابله تحليل من البيت الاشتراكي مفاده ان ما فعله وما يفعله مروان حمادة لم يخرج في يوم من الأيام عن سقف وليد جنبلاط
بما في ذلك «الخروج الكبير» من «اللقاء الديموقراطي» الى الحاضنة الحريرية مباشرة.
هناك من يخفّف من «دوز» التهمة الموجهة إلى ابن بعقلين بالقول إن هذا الأخير ليس بوارد «فبركة» زعامة مواجهة للمختارة، لأنه يدرك عواقبها، ولأنه أيضاً حريص
على ما تبقى من هذه العلاقة، من محاولات البعض اللعب على وتر الخلاف بينهما. ولذلك يحافظ على اللياقات الشكلية، ويمتنع عن التحرّك خدماتياً أو ميدانياً في الشوف،
كما ينأى بنفسه عن السجال العلني، الأمر الذي ينسحب على نجله كريم، على عكس شقيقه علي الذي يجنح أكثر نحو التصلّب في موقفه من البيك الجنبلاطي.
ليست المرة الأولى التي يرفع فيها «البيك» الجدران الإسمنتية بوجه «رفاق سابقين»، ثم يعود ليهدمها أو يرممها. ولهذا فإن الاختبار الحقيقي للعلاقة سيكون في 2013.
«البيك» الذي اعتاد على «ضباطه وجنوده» أن ينفذّوا قبل أن يعترضوا، قد لا يغفر لحمادة «خطيئته»، وقد يكون الوقت كفيلاً بإعادة المياه إلى مجاري الصديقين.

فيصل الصايغ

رياح التغيير «الجنبلاطية» حملت «اللوحة الزرقاء» إلى فيصل الصايغ، ويوم انقلبت تلك الرياح على ذاتها، انتُزعت منه دورة انتخابية واحدة ربطت صاحب الجذور «الارسلانيّة»
بالبيت الجنبلاطي. لم يكن يدري صاحب مجلّة «الحسناء» أن مكتبه سينتقل إلى مقر محافظة الجنوب، إلا بعد زيارة قام بها في العام 1996، «المير» طلال ارسلان يرافقه
وئام وهاب، ليبلغاه بنيّة رئيس الحكومة رفيق الحريري تعيينه محافظاً للجنوب. بعدها قام بزيارة «بروتوكولية» لجنبلاط، ليفتح معه صفحة، بدت بيضاء في نشأنها، وسرعان
ما توّجت بتحالف ظهرت ملامحه منذ العام 2003.
في ذلك الحين، كانت التقلّبات «الجنبلاطية» تشي بانتقال صاحبها إلى ضفّة المعارضة للوجود السوري، وكان القرار 1559 يكتب أولى حروفه. فاستفاد من الانقلاب الذي
قادته «ثورة الأرز» في العام 2005 ليطيح مقعد «المير» الارسلاني لمصلحة عضو المكتب السياسي لـ«الحزب الديموقراطي اللبناني» وأحد مؤسسيه.
في العام 2006، كان من أوائل المخترقين لخطوط «الجبهة» اللبنانية ـ السورية، بفعل أصدقاء مشتركين، ساهموا في لقاءات راح يعقدها النائب «الجنبلاطي» في دمشق.
حاول لعب دور على خط القيادة السورية والمرجع الروحي الدرزي الشيخ أمين الصايغ، ساعياً لاستبدال زيارة «زعيم المختارة» إلى دمشق، بأخرى من جانب وفد من المشايخ.

ومع اكتمال النسخة الأخيرة، من الدورة الجنبلاطية، كان الصايغ أول «ضحية» تقع على طريق المختارة ـ قصر المهاجرين. ليعود ارسلان من الباب الذي خرج منه، وليغادر
سلفه من المنفذ ذاته.
لم تنقطع علاقته بسيّد المختارة، لكنها لم تسترد وضعيتها السابقة. يدرك النائب السابق أنه في زمن التوازن الدرزي ـ الدرزي، لا مكان لغير «الكبار». بتقدير المحيطين
بجنبلاط، أن علاقة رئيس «جبهة النضال الوطني» بالنائب السابق الصايغ، ليست موضع سجال، ذلك لأن الأخير تفهّم الاعتبارات الجنبلاطية الانتخابية، والتي كانت تقضي
بإخراجه من ساحة النجمة. وعليه فإن العلاقة لم تتعرّض لأي اهتزاز لأن «من يحصر علاقته بسيّد المختارة بالموقع السياسي فقط، يكون مخطئاً جداً، لأن مواكبة المسار
السياسي لا تتوقف عند اللقب الرسمي». ولهذا فإن التواصل، بحسب هؤلاء، لم تشبه شائبة، بمعزل عن علاقة الصايغ ببعض المسؤولين السوريين، علماً بأن عضويته في «اللقاء
الديموقراطي» سجّلت له التزامه الكامل بخطاب الكتلة النيابية.

علي زين الدين

لرئيس مؤسسة «العرفان التوحيدية» علي زين الدين، حكاية أخرى، لا تشبه ما سبقها. حيثيته، وليس تاريخه، هي التي تزيد من غرابتها. يترأس مؤسسة المشايخ، الجيش الخفي
في الجبل، بأكثر من 600 موظف، وتدير خمس مدارس ومستشفى، شكّل ظاهرة في المجتمع الدرزي. كان مزارعاً بسيطاً، سلّمه كمال جنبلاط شؤون المؤسسة التي راح ينمّي قدراتها.
حملت «مجموعته» البارودة في العام 1992، وتلقى المساعدات الاجتماعية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لعب الكثير من الأدوار، ونجح في إدارة شؤون المؤسسة،
إلى أن صار «دينامو» المشايخ «الجنبلاطيين».
مع بداية «الانقلاب الأبيض» في العام 2005، التزم موقف «البيك»، لكنّ للأخير حسابات تتصل بتوريث نجله تيمور، زرعت في ذهنه مخاوف من إمكانية تعطيل الانتقال السلمي
من الأب إلى الابن، نتيجة تنامي حجم زين الدين وتمدّد نفوذه في مجتمع المشايخ.
حاول إزاحته من الطريق من خلال «طرده» من «جنّة» المؤسسة، لكنه اصطدم بواقع لم يحسب له حساب، وهو أن زين الدين حصّن موقعه بواسطة مجلس إدارة أقرب إليه من جنبلاط.
يقال إن سيّد المختارة لجأ إلى وسائل أخرى قد تكون أكثر فاعلية، حيث أوعز إلى بعض «المانحين» من أمثال النائب نعمة طعمة أو النائب السابق ميشال إده، وقف التمويل
عن المؤسسة والذي يبلغ مليون دولار سنوياً.
ولمّا شعر جنبلاط أنه عاجز عن محاصرة الحالة «الزيدانيّة»، حاول استيعابها، فالتقى «البيك» على طاولة «الشيخ» في منزله في بلدة الخريبة الشوفية. لم يتعاتبا،
بل فتحا صفحة جديدة، عنوانها الرئيس، اعتراف من الأول بحيثية الثاني، الذي قرر الاستفادة من المهادنة الجنبلاطية.
ولكنّ في تلك المصالحة المطلوبة من «زعيم المختارة»، مدلولات كثيرة، واختراقا نوعيا للمرمى الجنبلاطي، بعدما اعتمد أسلوب المواجهة مع «مؤسسة المشايخ» وإذ به
يضطر إلى تقديم التنازل لـ«قائدها»، ليمشيا سوياً باتجاه ضريح «المعلم» كمال جنبلاط في ذكرى السادس عشر من آذار، علماً بأنّ جنبلاط سبق له، في احدى طلاته التلفزيونية
أن أنكر معرفته بعلي زين الدين!

No comments:

Post a Comment