حرب الاتصالات انفجرت: الجنوب معزول عن العاصمة
حوّل الوزير شربل نحاس مبلغ 35 مليار ليرة إضافية إلى أوجيرو (أرشيف)هل صدقت نبوءة رئيس الحكومة سعد الحريري التي أطلقها خلال لقائه أعضاء الهيئة الناظمة للاتصالات خلال الأسبوع الماضي، عندما حذر من حتمية حصول انهيار تام لشبكات الاتصالات في لبنان؟
حسن علّيق
طوال يوم أمس، تقطعت السبل الهاتفية بين بيروت والجنوب. نجت الهواتف الخلوية، أما الخطوط الثابتة، فكان من شبه المستحيل استخدامها لإجراء اتصال بين العاصمة ومحافظتي الجنوب والنبطية. أصحاب المؤسسات الذين يعتمدون على الاتصالات الأرضية أبدوا استياءهم الذي لم يخرج من يوضح أسبابه أو يتوقع حداً لنهايته. كذلك أدى العطل إلى توقف عدد من الخدمات الخاصة والرسمية، كالعجز عن إصدار بيانات السجل العدلي في سرايا صيدا.
وبحسب مصادر مطلعة في هيئة أوجيرو، فإن انقطاع الاتصالات ناجم عن تضرر الكابل البحري الذي يربط سنترالي رأس بيروت وصيدا، قبالة شاطئ الدامور. ولم تتمكن المصادر من تحديد أسباب العطل الذي يبدو أنه ناجم عن انقطاع جزئي للكابل في مكانين مختلفين. تضيف المصادر: «نتيجة للعطل على الخط البحري، تحوّل ضغط الاتصالات كاملاً على الخط البري، لكن المفاجأة كانت في أن الخط الأخير مصاب بعطل جزئي نتيجة الأشغال التي يجري تنفيذها على الأوتوستراد الساحلي، جنوب منطقة خلدة. ولم تتمكن فرق الصيانة من تحديد أسباب العطل على الكابل البحري، وما إذا كان ناجماً عن اصطدام سفينة كبيرة به، أو نتيجة لعمل تخريبي». ولفتت المصادر إلى أن «عطل الخط البري يعود إلى أكثر من خمسة أيام، وأن الهيئة لم تعمد إلى إصلاحه».
وأبدت أوساط قريبة من حزب الله استغرابها لما يحصل، وقالت إنها تعيش أجواء معركة مسبقة مقررة ضد وزير الاتصالات شربل نحاس لأسباب مختلفة، بينها ما يتعلق بطريقة إدارته القطاع والخشية ـــــ أضافت الأوساط نفسها ـــــ أن يكون هناك من يريد العمل بهذه الطريقة رداً على التشكيك بقطاع الاتصالات لناحية انكشافه أمام العدو. وأبدت هذه الأوساط خشيتها من أن يكون العطل مقصوداً، لافتة الى أن القلق ينطلق من كون العطل أدى الى انقطاع الجنوب عن العاصمة، وسألت: هل في ذلك رسالة؟
الحادث الأخير أتى ليصب الزيت على نار العلاقة الملتهبة بين وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو التابعة لها. فقد أصدرت الوزارة مساء أمس بياناً أعلنت فيه أن المدير العام لأوجيرو «المكلفة بأعمال صيانة الشبكات، بوصفها عاملة لمصلحة الوزارة، وتحت وصايتها ومسؤوليتها»، لم يبلغ وزير الاتصالات عن العطل الأول ولا عن العطل الطارئ على الكابل البحري الذي وقع عند العاشرة من صباح اليوم (أمس)». وبحسب البيان، فإن الوزارة لم تطلع «على الضرر الحاصل، إلا عند العاشرة مساءً، من خلال استفسارات المواطنين».
وحمّلت الوزارة «إدارة هيئة أوجيرو والمديرية العامة للاستثمار والصيانة، منفصلتين أو مجتمعتين، كامل المسؤولية عن هذا التقاعس الفاضح، وتود أن تطمئن المواطنين إلى أنها أوعزت إلى الفنيين والعمال في الوزارة وهيئة أوجيرو بتحويل الربط مع الجنوب من الشبكة السلكية إلى الشبكة اللاسلكية. وقد أبدوا استعدادهم للعمل طوال الليل لإعادة ربط الجنوب بباقي المناطق اللبنانية. وتعلن وزارة الاتصالات أنها ستتخذ جميع الإجراءات المناسبة والضرورية في مواجهة أي إخلال باستمرارية المرفق العام وبالأمن الوطني، دون أي اعتبار لما يدّعيه البعض من حجج شكلية واستقلاليات نظرية لا تحاكي الواقع والحاجات الفعلية للمواطنين». وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الفرق الفنية كانت تعمل طوال بعد ظهر امس وفي المساء، وتوقعت إصلاح العطل قبل ظهر اليوم.
وجرت اتصالات بين رئيس لجنة الإعلام والاتصالات البرلمانية النائب حسن فضل الله والوزير شربل نحاس الذي يتوقع أن تثار القضية في جلسة مجلس الوزراء اليوم، فيما يتوقع أن يكون لفضل الله اليوم موقف في هذا الشأن.
في المقابل، رفض المدير العام للهيئة عبد المنعم يوسف التعليق على بيان نحاس، مشيراً إلى أنه يعدّ تقريراً فنياً عن الأعطال سيقدمه إلى وزير الاتصالات، رافضاً الكشف عن أسباب العطلين أو تحديد توقيت لإصلاحهما.
إلا أن الطابع الحاد لمقاربة ما يجري، يعود الى الخلاف الكبير القائم بين وزير الاتصالات شربل نحاس ورئيس الحكومة سعد الحريري على آلية العلاقة مع هيئة أوجيرو. فوزير الاتصالات حاول أن يضمّن مشروع موازنة عام 2010 مادة تجيز للوزارة إبرام عقود تفصيلية مع الهيئة، تتضمن تبيان الكلفة الفعلية لكل عمل أو نشاط تكلفها به الوزارة. وهذا ما اعتبره الرئيس الحريري
الطابع الحاد لمقاربة ما يجري يعود الى الخلاف الكبير القائم بين نحّاس والحريري
يتوقع أن يشتد الصراع على استقلالية أوجيرو، واستغراب أن تكون الذراع التنفيذية للوزارة مستقلة عنها
يتعارض مع اتجاهات الخصخصة وإنشاء شركة «ليبان تيليكوم». ويرفض المدير العام لهيئة أوجيرو، عبد المنعم يوسف، البحث بأي صيغة حل لتنظيم العلاقة مع الوزارة، هادفاً إلى الاحتفاظ بسلطة مطلقة، علماً بأن هيئة أوجيرو هي بمثابة متعهد لدى الوزارة. ولا يزال الخلاف مستمراً، ما دفع الرئيس الحريري إلى الحديث بصيغة التهديد عن أن شبكة الاتصالات مهددة بالانهيار التام.
وفي السياق ذاته، عقد نقابيون من قوى 14 آذار اجتماعات «تحريضية» في أوجيرو خلال الأسابيع الماضية، للقول إن الخلاف بين الوزير وإدارة أوجيرو سيؤدي إلى عدم دفع رواتب الموظفين. أما نحاس فعقد لقاءً مع نقابة موظفي أوجيرو قبل نحو 10 أيام ليبلغها بأن حقوق الموظفين وأجورهم «مقدسة»، وأنه سيتخذ كل الإجراءات لضمان تسديدها في مواعيدها، موحياً لأعضاء النقابة بأن الحالة الوحيدة التي لن يتقاضوا فيها رواتبهم هي عندما يعمد يوسف إلى عدم دفعها بذرائع مختلفة، منها احتفاظه بمبلغ 30 مليار ليرة بحجة أنها احتياطي لدفع التعويضات، علماً بأن هذه الأخيرة مكفولة من الدولة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، حوّل نحاس مبلغ 35 مليار ليرة إضافية إلى الهيئة، مبلغاً الإدارة بأن أولوية صرف هذا المبلغ يجب أن تكون لتأمين رواتب الموظفين وشراء المواد والتجهيزات المطلوبة لتأدية المهمات المكلفة بها أوجيرو.
وكانت إدارة أوجيرو قد أرسلت في السابع من الشهر الجاري كتاباً إلى وزير الاتصالات تبلغه فيه أنها ستتوقف عن كل أعمال الصيانة والتصليح وتوصيل الخدمات إلى المستهلكين، بذريعة نفاد مخزون المعدات لديها، ما دفع نحاس إلى الرد، مشيراً إلى أن عقود أوجيرو السابقة كانت لا تزال سارية المفعول حتى بداية شهر تموز 2010، وبالتالي، من المستغرب نفاد المخزون خلال الأيام السبعة اللاحقة لانتهاء العقود، وهو ما رأى الوزير فيه دلالة على أن إدارة أوجيرو كانت تتعمد إيصال المخزون إلى الخط الأحمر لتبرير التهديدات بحصول انهيار تام للشبكات.
ومن المتوقع أن يشتد الصراع قريباً على استقلالية هيئة أوجيرو، في ظل استغراب أن تكون الذراع التنفيذية للوزارة مستقلة بالكامل عن الوزارة.
No comments:
Post a Comment