Thursday, July 22, 2010

رواية «المستقبل» عن كيفيّة اتهـام المحكمة لحزب اللّه؟
عدد من نواب كتلة المستقبل في إحدى جلسات مجلس النواب (أرشيف ــ هيثم الموسوي)يتعامل نواب المستقبل بهدوء كبير مع موضوع المحكمة الدولية والحديث عن اتهام «حزب الله بارتكاب جريمة العصر». إلا أنهم يعدون أنفسهم بقرار اتهامي دسم، مليء بالمعطيات التي لا تترك ثغرة أمام الحزب للتشكيك في مهنيّة المحكمة
غسان سعود
قلقٌ جداً عضو كتلة المستقبل النائب رياض رحال هذه الأيام؛ فخطابات الأمين العام لحزب الله السيِّد حسن نصر الله «توتر الأوضاع وتهدد الموسم السياحي». ورحال ـــــ ممثل عكار التي ليس فيها مشروع سياحي واحد ـــــ يخشى على السياحة ويخاف من هرب السيّاح. ومن عكار إلى صيدا، يشارك الرئيس فؤاد السنيورة رحال قلقه على السياحة، لكنه مشغول بالبؤس الذي يعانيه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان. لهؤلاء اليوم وقت السنيورة كله. تخرج «جبهة النضال» من مكتبه لتدخل «الصاعقة»، تليها «حماس» فـ«فتح الانتفاضة»، ثم «الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري».
علانية، هناك اليوم ثلاث ثوابت على ألسنة المستقبليين. الأولى: لا أحد يمكنه التنبؤ بأي قرار يصدر عن المحكمة، الرئيس سعد الحريري لا يملك معطيات وسيحترم قرار المحكمة مهما كان. الثانية: المحكمة الدولية مؤسسة قائمة بحد ذاتها، وكل قاضٍ فيها لديه مكانته واسمه ومرجعيّته. أما الثابتة الثالثة: الخطاب التخويني لا يساعد في لمّ الشمل، والمطلوب اليوم تحصين الوحدة الداخلية. إضافة إلى إسقاطة تنزل بعفوية على كل حديث لنواب تيار المستقبل: «لدينا عدوّ واحد هو العدو الإسرائيلي».
سراً، يتناقل كل المسؤولين في تيار «المستقبل» القصة نفسها: «دارت المحكمة الدولية دورة كاملة، حارت ودارت وعادت إلى فرع المعلومات لتبني مضبطتها الاتهامية، وتحديداً إلى ملف صغير أساسه معطيات أهملتها استخبارات الجيش، وبنى عليها النقيب وسام عيد رواية تشك في أن حزب الله متّهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري. قبل نهاية عام 2005، كان الملف قد أنجز بالكامل. كان حزب الله متجاوباً بداية خلال اجتماعات عقدت بين أمينه العام ورئيس فرع المعلومات وسام الحسن، لكن نصر الله أوكل الأمر لاحقاً إلى رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، الذي أغلق الأبواب في وجه فرع المعلومات». لاحقاً، تتابع الرواية المستقبلية المتطابقة على نحو استنساخي مع رواية ديرشبيغل، قدم النقيب عيد شهادته عن طريقة إعداده الملف الذي يتهم حزب الله بالوقوف وراء الجريمة أمام لجنة التحقيق الدولية في 18/1/2008، فاغتيل بعد أسبوع واحد. ولا حاجة هنا إلى أيّ استفسار إضافي، يهزّ المتحدث رأسه يميناً وشمالاً، تدمع عيناه ويردد: الحقيقة، لا إعلانها، تكلف دماً.
يثق تيار «المستقبل» إذاً بأن المحكمة ستتهم «حزب الله» في ارتكاب «جريمة العصر»، كما يطلق عليها المستقبليون. لكنهم يتعاملون مع الموضوع بهدوء كبير. بالنسبة إليهم، بدايةً، لا يجوز التشكيك بصدقيّة المحكمة، فهي دولية تحظى بثقة العالم كله من جهة، وفيها أهم القضاة اللبنانيين من جهة ثانية. ويعد الحريريون أنفسهم بقرار اتهامي دسم، مليء بالمعطيات التي لا تترك ثغرة أمام حزب الله للتشكيك في مهنية المحكمة. وبالمناسبة، «أثبتت المحكمة مهنيتها عبر تبرئتها النظام السوري». وبالنسبة إلى تيار «المستقبل»، ليس هناك علاقة بين تغيير وجهة الاتهام بالمصالحات السورية ـــــ الفرنسية والسورية ـــــ السعودية والسورية ـــــ الأميركية، رغم تزامنها.
وهناك عدة سيناريوات يتخيّلها المستقبليّون تبرر اطمئنانهم، بعضها يثير الضحك: هنا واحدة ترى أن «تسمية المحكمة الدولية للمتهمين، من دون تحديد انتمائهم الحزبي طبعاً، سيتزامن مع عقد الرئيس الحريري مؤتمراً صحافياً يشكر فيه المحكمة على صدقيّتها ويؤكد أن المجرمين لا طائفة لهم ولا مرجعية حزبية. وهكذا لن يُعَدّ حزب الله متهماً، ولن تحصل أي توترات سنيّة ـــــ شيعيّة، على خلفية شعور أهل السنّة بأن أهل الشيعة قتلوا زعيمهم». وهنا أخرى تأمل أن «يبادر حزب الله، الذي لم يعد باستطاعته التشكيك بصدقية المحكمة بعدما تعاون معها، إلى الترحيب أيضاً بقرار المحكمة، غاسلاً يديه من المذنبين، ومعلناً استعداده لتسليمهم إلى القضاء الدولي». والثقة المستقبلية كبيرة بالنظام السوري الذي يؤكد الحريريون أنه حريص على وحدة لبنان واستقراره، وسيقنع حزب الله بأن «يمسحها بذقنه».
ويراهن تيار المستقبل على المنطق وعلى تفكير حزب الله بالرأي العام (كأن أولوية الحزب هي الفوز في الانتخابات النيابية، على مستوى لبنان والعالم). فيتساءل المقربون من الحريري كيف يعقل «أن يعتدي القاتل على القتيل مرتين»، و«كيف سيشكك حزب الله بقاضٍ يضع صدقيّته الأممية على المحك»، و«هل يجوز الاكتفاء بقراءة الاتصالات للاشتباه بعمالة أكثر من عشرين شخصاً لإسرائيل، ولا يجوز الاكتفاء بقراءة الاتصالات للاشتباه بتحضير بعض عناصر حزب الله لاغتيال الحريري»؟ ثم، ببساطة أو ببراءة أكبر، يتساءل أحد النواب عن المانع من مثول المتهمين أمام المحكمة، فسيكون هؤلاء قادرين على الدفاع عن أنفسهم بشتى الوسائل القانونية لتكون الكلمة الأخيرة لقاضي الأمم المتحدة (أو المحكمة الدولية) والرأي العام، مجيباً نفسه بأن عدم تعاون حزب الله مع المحكمة سيكون بمثابة اعتراف بارتكابه الجريمة.
ينام إذاً نواب المستقبل مطمئنين، لا يقلقهم إلا «استمرار تدفق السيّاح» و«تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين الاجتماعية». يرفضون محاولات البعض «لفرض معادلة السلم الأهلي مقابل العدالة»، فثقتهم كبيرة بأن اتهام شيعي، بحسب التصنيفات اللبنانية الشائعة، باغتيال سنّي، وفق التصنيفات نفسها، لن يوتر الأوضاع بين الطائفتين السنية والشيعية إذا رضخ المتهم وسلّم رقبته للمقصلة (العرف يقضي بتأجيل إعدامهم إذا ثبت عليهم الجرم، حتى يتوافر عدد الجناة نفسه من طوائف أخرى يستحقون الإعدام أيضاً). ومعنوياتهم مرتفعة، فحزب الله سيوافق، بحسب تخيّلاتهم، على استمرار الحكومة التي هو ممثل فيها بتمويل محكمة دولية تتهمه بطريقة غير مباشرة باغتيال رفيق الحريري.
السؤال الذي يفضّل أهل المستقبل تأجيل الإجابة عنه إلى وقت لاحق، هو لماذا يغتال حزب الله الرئيس رفيق الحريري؟ لتنسحب سوريا من لبنان، أو ليزداد النفوذ الأميركي أو ليخرج سمير جعجع من السجن أو لإضعاف دبلوماسية حزب الله ممثلة بالحريري؟
لا أحد من هؤلاء يملك الجواب.

عدد الاربعاء ٢١ تموز ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment