اللبنانيون يحاكم بعضهم بعضاً قبل المحكمة
وزراء ونواب حزب الله: كلام نصر الله حاجز أمام الفتنة (أرشيف - ا ف ب)لبنان بأكمله تحوّل إلى محكمة فريدة من نوعها، يتداور فيها «المحامون» على الدفاع والادعاء العام، ويتفقون جميعاً على نسف «قرينة البراءة»، في تراشقهم الاتهامات وقفزهم عن القرار الظني إلى إصدار الأحكام المبرمة
لم يعرف ما إذا كان تمديد إقامة رئيس الحكومة سعد الحريري، في دمشق، بعد عودة الوفد الوزاري، سببه انتظار وصول وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو للقائه وعرض التطورات والعلاقات، أو أن الغليان الذي يشهده لبنان والمنطقة هو الذي استدعى لقاءً ثالثاً مع الرئيس السوري بشار الأسد في أقل من يومين.
فبحسب المعلومات الرسمية، التقى الأسد الحريري ظهر أمس «حيث استكملا محادثاتهما»، وأعربا عن «ارتياحهما للخطوات التي تحققت على صعيد تطوير العلاقات بين البلدين»، وأكدا تصميمهما على «المضي في الارتقاء بهذه العلاقات إلى المستوى الذي يحقق طموحات الشعبين». ثم أقام الرئيس السوري مأدبة غداء عمل ضمت إليه وإلى الحريري وزير خارجية تركيا، وتناولت المباحثات العلاقات بين الدول الثلاث وسبل تعزيزها. وأعقب ذلك لقاء ثنائي بين الحريري وأوغلو، ليختتم بعده رئيس الحكومة زيارته الرابعة لدمشق التي استمرت يومين التقى خلالهما الرئيس السوري 3 مرات: مرة في لقاء بروتوكولي مع الوفد المرافق ومرتين وحده.
وبينما كان الحريري مشغولاً بسلوك طريق قصر الشعب 6 مرات ذهاباً وإياباً، كان نواب كتلته يؤلفون لليوم الثالث على التوالي رأس الحربة للهجوم على حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله. وتولى الحملة أمس نواب عكار: معين المرعبي، خالد ضاهر وكاظم الخير، فسأل الأول: «هل المطلوب استجرار كل إفرازات الصراع الإقليمي وإرهاصاته على لبنان وتحويل ساحته إلى ساحة تصفية حسابات من أجل قضية لا علاقة له بها؟»، مستذكراً «السابع من أيار واعتباره يوماً مجيداً»، ومستنكراً التصريحات «التخوينية الطابع عن المحكمة الدولية واعتبارها محكمة إسرائيلية، وكذلك ربطها بملف العملاء وشبكة الاتصالات». وقال ضاهر: «لن تخيفنا التهديدات وننتظر قرار المحكمة الدولية قراراً مسؤولاً مبنياً على الأدلة والبراهين، وعند ذلك لن ينفع تهديد، لأن من ارتكب هذه الجرائم سيخطّئ نفسه ويحتقر نفسه وسيكون محل ازدراء الأمة العربية والإسلامية والعالم كله». فيما أعلن الثالث رفضه «ربط أي موضوع داخلي بالمحكمة من أجل استباق القرار الظني في أيلول».
وترافق ذلك مع تنزيه مسبق للمحكمة الدولية، حيث أعرب الوزير ميشال فرعون عن ثقته بأنها «ستستكمل عملها من دون الخضوع للضغوط من هنا أو هناك، لأن صدقيتها على المحك أمام المجتمع الدولي». ورأى حزب الكتائب أنها تتمتع بـ«صدقية تبعدها عن كل أشكال الضغوط والتأثيرات الخارجية، بما يحقق العدالة المنشودة»، ودعا إلى «انتظار صدور القرار للبحث في مضمونه بعيداً عن كل تهويل مسبق».
حزب الله يبدأ حملة هجوم مضاد ويستنفر وزراءه ونوابه للرد على منتقدي خطاب نصر الله
في المقابل، برزت طريقة جديدة لحزب الله في الرد على منتقدي خطاب نصر الله الأخير، وهي الرد الفردي على عدد من المواقف. فعلق الوزير حسين الحاج حسن على قراءة الوزير سليم الصايغ طائفياً لعبارة «البيئة الحاضنة» في الخطاب، بالقول: «من المعيب أن يكون لدينا في الحكومة وزير يشوّه خطاباً بهذه الطريقة أو لا يستوعبه بدقة، فالنص واضح لجهة الكلام عن بيئة حاضنة للعملاء، وهي بيئة لا طائفة ولا شعبية لها من الناس، بل توجدها وتروّج لها المواقف السياسية التي تخفف وتهوّن من وطأة العمالة».
وتولى النائب علي المقداد مواقف نواب المستقبل، مشيراً إلى أنها «تكرار لأسطوانة أن حزب الله يخوّن الناس ويخوّفهم». وفي موضوع المحكمة، دعاهم للعودة إلى «المقالات المسمومة، والتصريحات المثبتة، ووقائع الاستقالات (من المحكمة) وأحاديث السر والعلن، وليست آخرها تصريحات قادة العدو، وعلى رأسهم أشكينازي وصحيفة هآرتس ليعلموا أن العدو لا يترك وسيلة إلا يستخدمها لإيذاء لبنان واللبنانيين». وقال: «يفترض المتابع لأعضاء كتلة محسوبة على رئيس الحكومة أن يكونوا أكثر رصانة ودقة وأمانة في التعاطي مع الملفات الحساسة». وخص النائب رياض رحال باتهامه بأنه «أصيب بنوع من عمى الألوان السياسية بحيث يتعامى عن سيل من الأداء الفضائحي للمحكمة، الذي شهدنا فصوله على صفحات الجرائد، وليس أقله مسألة شهود الزور، ليتحدث عن شفافية المحكمة ونزاهتها وصدقها».
وعن «ريبة النائب (محمد) كبارة وشكوكه»، قال النائب بلال فرحات إنها «نتيجة لمواجهته بالحقيقة التي لم يتوقع أن يسمعها، فما بالك عندما يسمع كلمة الصدق والموقف والحقيقة على لسان سماحة السيد حسن نصر الله، وهو ما أثار لديه ميزة اشتهر بها، ألا وهي الانفعال والتوتر، فاختلطت عليه الأمور وتوهّم أن سماحة السيد يحتاج إلى ما سمّاه قرينة البراءة، ونترك للناس أن يقوّموا الموقف».
ولنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، توجه النائب حسين الموسوي، بأن كلام نصر الله «يمثّل حاجزاً حقيقياً أمام الفتنة التي يعدّ لها العدو الإسرائيلي، والتي يمهّد لها في مجالس سياسية ووسائل إعلام مكشوفة»، وبأنه ما على مكاري وزملائه «إلا الكف عن التهوين بالعمالة، ومحاولة تبريرها بما يترك علامة استفهام عميقة حول استنفارهم كلما جرى الحديث عن هذا الملف».
ومن تكتل التغيير والإصلاح، استغرب النائب نبيل نقولا، القول بأن خطاب نصر الله سبّب التوتر، مشيراً إلى أن التوتر بدأ «ممّا يسرّب عن تحقيقات في المحكمة الدولية يوجه أصابع الاتهام إلى حزب الله والقياديين فيه». وسأل: «بعد ما نشر في صحيفة ديرشبيغل وما قاله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي، هل تبقى لهذه المحكمة أي صدقية؟»، وخصوصاً أن «هناك شهود زور لم يُحقَّق معهم حتى اليوم (...) يمرحون في كل أرجاء العالم... وبعد كل ذلك وجه الاتهام إلى حزب الله».
وقال النائب يوسف خليل إن «تنبيهات» عون ونصر الله «بعيدة عن لغة التخوين، بل هي من قبيل التحذير لكي لا ينجرّ البعض في الداخل، ولو عن غير قصد منهم، في مخططات خارجية تهدف إلى خلق الفتنة».
في هذا الوقت، حذر النائب وليد جنبلاط، في موقفه الأسبوعي لجريدة الأنباء، من أن الظروف الإقليمية الراهنة شبيهة بتلك التي سبقت الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وقال إن إسرائيل «لا تحتاج إلى ذريعة لتفجّر الحرب ضد لبنان»، وخصوصاً «أن الغطاء الأميركي لهذه الحرب بدأت تظهر ملامحه». وقال: «إننا على مشارف الوصول إلى معادلة جديدة تقول: إما القبول بالتفوّق العسكري وحتى النووي الإسرائيلي أو الحرب»، منتقداً أصواتاً في لبنان «تتعالى من هنا وهناك لا تزال تعيش في قفص الماضي وكأنه لم يتغيّر شيء من حولها، ومنطلقاتها الوحيدة حساباتها الشخصية والفئوية الضيقة! قليل من الوعي لهذه المخاطر الدولية والإقليمية الكبرى، وقليل من التواضع السياسي لعله يوفر على لبنان واللبنانيين فصولاً جديدة من الانقسام والتوتر».
عدد الثلاثاء ٢٠ تموز ٢٠١٠
الاخبار
No comments:
Post a Comment