خلوتا الأسد والحريري: البحث عن مخرج لمأزق المحكمة الدولية
الأسد متوسطاً الحريري وداوود أوغلو في دمشق أمس (سانا)
ذهب الرئيس سعد الحريري و13 وزيراً إلى دمشق لتثبيت شرعية العلاقات المميّزة من خلال المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني. وأتى إقرار الاتفاقات ومذكرات التفاهم الـ18 لتأكيد معادلة أنّ ما صحّ في زمن الوصاية يصحّ اليوم
نقولا ناصيف
اليوم اللبناني الطويل في دمشق انتهى أمس باستقبال الرئيس السوري بشّار الأسد رئيس الحكومة سعد الحريري، للمرة الثالثة في أقل من 24 ساعة. ومقدار ما خُصّصت الساعات الطويلة من اجتماعات دمشق، الأحد، للعلاقات اللبنانية ـــــ السورية في أول اجتماع لهيئة المتابعة والتنسيق اللبنانية ـــــ السورية منذ ست سنوات، خصصت الخلوتان الأخريان بين الأسد والحريري للمأزق الذي ينتظر لبنان، ورئيس الحكومة بالذات وكذلك حكومته، في المرحلة المقبلة مع تصاعد غير مألوف في وتيرة الانقسام والتشنّج والمواقف المتصلّبة بإزاء القرار الاتهامي الجاري الكلام عن احتمال صدوره عن المحكمة الدولية بعد أقل من شهرين. وهو مأزق تبدو سوريا هذه المرة، أكثر من أي وقت مضى، في منأى عنه. بل تبدو مدعوّة إلى الاضطلاع بدور مساعد يخفف وطأة تصعيد يضع الاستقرار الداخلي في مهب الريح.
وتبعاً لمطّلعين عن قرب على مسار العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، وخصوصاً ما يتصل بعلاقة الحريري بالأسد، ألقت المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بثقلها على خلوتي الرجلين، في ضوء معطيات كانت بيروت مسرحها في الأسابيع الأخيرة وتبلّغت دمشق نتائجها، اتصلت على نحو مباشر بما يشاع عن احتمال اتهام القرار الظني أعضاءً في حزب الله بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس الراحل.
بعض تلك المعطيات أشار إلى الآتي:
1 ـــــ طلب رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من رئيس الحكومة الإسراع في إيجاد المخارج الملائمة لتدارك اتهام حزب الله باغتيال والده، واتخاذ مواقف تنقذ استقرار الوضع الداخلي وتجنّبه انفجاراً حقيقياً إذا ما وُجّهت أصابع الاتهام إلى حزب الله. ردّ الحريري كان تحبيذه ترك المحكمة الدولية تحدّد مسارها بنفسها دون تدخّله فيها من أجل كشف حقيقة قتلة والده، وقد باتت خارج أي تأثير لبناني فيها.
2 ـــــ أوفد جنبلاط إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الوزير وائل أبو فاعور، طالباً منه السعي لدى رئيس الحكومة في إطار الجهد نفسه. بدوره، فاتح الرئيس ـــــ الذي سبق أن قال إنه يحمي المقاومة برموش العين ـــــ الحريري في الأمر. فكرّر الأخير الموقف نفسه: لتأخذ المحكمة مجراها.
3 ـــــ تزايد وتيرة الردود المتبادلة بين حزب الله وحلفائه وتيار المستقبل وحلفائه في ضوء المخاوف التي عبّر عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الجمعة الماضي، محذراً من اتهام أعضاء في الحزب بالتورّط في جريمة الاغتيال، واعتباره المحكمة ـــــ تبعاً لقرار اتهامي قد يوجه أصابع الاتهام إلى حزب الله ـــــ «مشروعاً إسرائيلياً»، ثم تفلّت ردود فعل سلبية حادة على الحزب وأمينه العام لأول مرة منذ 7 أيار 2008، على نحو أبرز تناقضاً عميقاً بين الطرفين يشقّ الطريق إلى انفجار حتمي. ورغم أن الحريري نأى بنفسه مذ ذاك ـــــ وقبل ذلك حتى ـــــ عن أي موقف مماثل لتيار المستقبل، وعن الخوض في احتمال اتهام حزب الله باغتيال والده، فإن تحفظه وصمته هذين في مسألة بالغة الدقة والحساسية يثيران مخاوف إضافية تعكس موافقته الضمنية على سياسة تياره.
في حال كهذه، لا يستطيع حزب الله، ولا سوريا بالتأكيد، تبرير تمييز الحريري نفسه كرئيس لحكومة الوحدة الوطنية عن تكتّله النيابي. بعض ردود الفعل السلبية على نصر الله لم تخلُ من التشكيك والاتهام بتقويض الاستقرار والإساءة المباشرة.
4 ـــــ جدّية المخاوف والهواجس التي تطبق على حزب الله، وتمسّكه بربط حتمي بين كشف متعاملين مع إسرائيل في قطاع الاتصالات الخلوية زوّدوا الاستخبارات الإسرائيلية قاعدة معلومات مهمة، وبين المحكمة الدولية والقرار الاتهامي. وامتلك الحزب صنفين من المعلومات في هذا النطاق: أول، أفاد بأن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي كان مطّلعاً على تحرّك المتعامل الأول في قطاع الاتصالات الخلوية شربل قزي من دون المبادرة إلى توقيفه. وثان أفاد بأن المعتقل الثاني طارق الربعة كان على صلة وثيقة بتيار المستقبل وقريباً من رئيس الحكومة، وكان يعدّ نفسه ذراعه اليمنى في قطاع الاتصالات، ناهيك بعلاقة كانت تجمعه بفرع المعلومات الذي زوّده تسهيلات وتراخيص مميّزة نظراً إلى موقعه داخل هذا الفريق، وبدا الثراء عليه على نحو مباغت. كلاهما يمثل حالة مستقلة عن الحالة الأخرى في التعامل مع إسرائيل، بيد أن القاسم المشترك بينهما هو معرفة فرع المعلومات، المباشرة أو غير المباشرة، بكل منهما، الأمر الذي حمل نصر الله على توجيه سؤاله إلى الحريري، وإلى وزير الداخلية زياد بارود، الجمعة الماضي، عن الدور الذي يضطلع به فرع المعلومات.
5 ـــــ استناداً إلى قريبين من الموقف السوري، لا تجد دمشق نفسها في معزل عن ارتدادات توجيه الاتهام إلى حزب الله الذي يصبح عندئذ ـــــ على نحو غير مباشر ـــــ اتهاماً ضمنياً لعلاقتها به كحليف استراتيجي يحظى برعايتها ويقاسمها النفوذ الإقليمي، وقد مدّته بالسلاح عبر الحدود الشرقية ودعمت مقاومته، وتضع كل تحالف لبناني داخلي معها في إطار التزام حمايته والانخراط في التحالف معه أيضاً.
في ظلّ هذه المعطيات، بطابعها السلبي، يبدو استقرار الوضع الداخلي مشدوداً إلى المحكمة الدولية بخيط رفيع، ومشرّعاً في الوقت نفسه على مزيد من التصعيد في المدى القريب تحت وطأة عوامل ثلاثة:
أوّلها، استمرار حزب الله في رفع نبرة حملته على المحكمة الدولية والتشكيك في صدقيتها ونزاهتها، إذا تيقن يوماً بعد آخر من اتهامها إياه في جريمة الاغتيال، وكذلك استمرار حملته على فرع المعلومات.
ثانيها، الحملة المضادة على الحزب، المرشحة للاستمرار ما لم يتفق الرئيس السوري ورئيس الحكومة اللبنانية على ضرورة وضع حدّ لها.
ثالثها، جهوزية حزب الله لقلب الأمر الواقع الحالي في البلاد رأساً على عقب، إذا شعر مجدّداً بأنه مهدّد فعلاً في مقاومته وسلاحه.
يعكس ذلك أيضاً المأزق الداخلي الذي جعل من المحكمة الدولية الحدث الوحيد المفتوح على مفاجآت خطيرة. في هذا النطاق أتى الحوار الطويل في خلوتي الأسد والحريري الأحد وأمس الاثنين، من أجل التوصّل إلى مخرج تترجح الصيغة الملائمة له بين موقفين رئيسيين يجد رئيس الحكومة نفسه المعني الوحيد بهما:
ـــــ ما قاله له العاهل السعودي الملك عبد الله أكثر من مرة، وهو يدعوه إلى فتح صفحة جديدة مع سوريا والانفتاح والتعاون معها ومصالحة الأسد، بالترحّم على والده الراحل.
ـــــ النصيحة التي كان الرئيس السوري قد أسداها له منذ أول لقاء بينهما، في كانون الأول الماضي، وهي ضرورة معالجة أي أزمة تنشأ بينه وبين حزب الله من خلال الحوار المباشر، في إشارة ذات دلالة إلى أن سوريا ليست المكان المناسب للتشكّي على حزب الله، ولا لممارسة أي ضغط عليه، وهي ترى أن المعبر الحقيقي إلى علاقة مميّزة معها توطئة للتحالف يكمن في حماية المقاومة.
على طرف آخر من مأزق يثير مخاوف حزب الله، فإن الحريري الذي حاذر في دمشق الخوض في موضوع المحكمة الدولية دون أن يكون متحمسّاً أو مستعجلاً إثارته في بيروت، يدرك أيضاً أن المحكمة ومن قبلها التحقيق الدولي اللذين مثّلا له ـــــ كما لقوى 14 آذار، بين 2005 و2008، إحدى ضمانات الطمأنة الدولية إلى حكم هذا الفريق، ومصادر قوته في مواجهة سوريا وقوى 8 آذار حينذاك، باتا يمثلان اليوم تهديداً حقيقياً للتسوية المؤلمة التي أرساها بعد 7 أيار 2008 مع خصومه السابقين، في مرحلة لم يعد يرغب في العودة بها إلى الوراء.
________________________________________
السفيران الأميركيان في العراق ولبنان في جلسة استماع اليوم
تحدّثت معلومات دبلوماسية في بيروت عن أن السفيرين الأميركيين المرشحين لتعيينهما في العراق ولبنان، وهما جيم جيفريز ومورا كونيلي، سيمثلان اليوم الثلاثاء أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي للإدلاء بشهادتيهما أمامه عن مهمة عملهما في بغداد وبيروت. أما السفير الأميركي الجديد في دمشق روبرت فورد، الذي سبق أن أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ قبل شهرين، فإن العراقيل التي تحول دون تصويت المجلس على تعيينه في سوريا والتحاقه بمركز عمله، تتصل بعراقيل داخل مجلس الشيوخ، لا علاقة لسوريا بها. إلا أن وزارة الخارجية الأميركية، وفق المصادر الدبلوماسية نفسها، تجد الحاجة ملحة ومستعجلة إلى ربط اعتماد السفيرين في بغداد وبيروت باعتماد السفير في دمشق قبل أن يذهب مجلس الشيوخ في عطلته السنوية المرجحة اعتباراً من 10 آب المقبل لمدة شهر.
عدد الثلاثاء ٢٠ تموز ٢٠١٠
الاخبار
No comments:
Post a Comment