لماذا تكرّر جماعة أميركا الخطأ من جديد؟
ابراهيم الأمين
يوم قرر الرئيس سعد الحريري الاستجابة الكاملة لطلب السعودية وعدم ممانعة الولايات المتحدة وتشجيع فرنسا له على القيام بزيارة لسوريا والعمل على بناء علاقة مع الرئيس السوري بشار الأسد، ساد صمت ووجوم فريق الحريري. البعض تساءل عن كيفية الاستدارة، ولو على المستوى الشكلي. الرسميون من الفريق تصرّفوا على أساس أنهم يلتزمون بالقرار الرسمي، وأنهم مجرد موظفين في مؤسسات رسمية تعود سلطة القرار فيها إلى الرئيس الحريري. لكن هؤلاء سعوا مبكراً إلى فتح قنوات الاتصال بنظرائهم من المسؤولين الرسميين، وهو أمر لم يحتج إلى وقت طويل، باعتبار أن القيادة السورية نفسها قررت ملاقاة الرجل في منتصف الطريق.
يومها أيضاً، أبقى الطرفان ربط النزاع في مسائل معينة. ظلّ الحريري على تحالفه مع مسيحيي 14 آذار، ولا سيما مع «القوات اللبنانية»، رغم معرفته أن سوريا لا ترغب في الأمر. وفي المقابل، لم تعطّل سوريا الدعوى القانونية التي رفعها اللواء جميل السيد ضد أركان الحريري من السياسيين والأمنيين والإعلاميين بتهمة الوقوف خلف اعتقاله التعسّفي. وبتوافق غير مكتوب، تجاهلت دمشق، كما تجاهل الحريري، هذه الوقائع، وإن ظلّ الجانبان يسعيان إلى بناء علاقة ثابتة.
في هذه المرحلة، قال الناطقون باسم «المستقبل» ومسيحيي 14 آذار إن الأمور تسير وفق مقتضيات خارجية، فاخترعوا نظرية أن سوريا تحتاج إلى الحريري لفكّ عزلتها، وأنها نزلت عند شروط السعودية وقبلت بعلاقة من دولة إلى دولة، رغم معرفتهم الجيدة بأنه كلام لا مكان له في عقول هذا الفريق التافه، ولا تأخذه سوريا أصلاً على محمل الجد، وهي التي تعرف توازن القوى في لبنان ومحيطه.
ممنوع عليهم الآن انتقاد سوريا أو اتهامها بالتدخّل وفشّة الخلق مسموحة في وجه إيران وحزب الله
لكنّ الحريري رأى أن في إمكانه رشوة مساعديه والتعويض عليهم، وتركهم يصرخون في وجه إيران وحزب الله، على اعتبار أنه موقف عام لا يتصل بتفاصيل تخصّ العلاقة المباشرة مع سوريا، فيما لم يتوقف حلفاء سوريا عن إدانة تحالف الحريري مع قاتل رئيس وزراء لبنان سمير جعجع، وإشعاره بأن الأمور تسير وفق برنامج لا يتطابق مع شعار العلاقات الممتازة مع سوريا. وكانت الأمور تتطلب صيانة بين الوقت والآخر، ما اضطر الحريري في اللحظة الأخيرة إلى إبلاغ جميع من يعمل معه أنه قرر، ولمرة أخيرة، عدم التعرّض لسوريا، وقال لهم إن الرئيس بشار الأسد مثل الملك السعودي عبد الله، ممنوع التعرّض له بالنقد أو غير ذلك.
فجأة، عادت إلى الواجهة معركة الاستحقاقات الإقليمية. الولايات المتحدة ودول الغرب كما إسرائيل ومصر ودول عربية أخرى، اقتربت من استحقاق يتعلق بعملية السلام في المنطقة، وهي العملية المجمدة والمعطلة لأسباب معروفة. لكنّ المطلوب منع الفريق الرافض لها من امتلاك المزيد من عناصر القوة التي تصبح عنصراً مانعاً لأي مشروع استسلام جديد. ولم يكن في الإمكان توقّع أن تصيب القرعة جهة غير حزب الله، باعتباره الحلقة المركزية التي تتصل بها جميع عناصر القوة في المحور العربي والإقليمي الرافض للتسوية مع إسرائيل. فهو يمثّل القوة المقاومة العربية الأبرز، وهو الحليف العملي القوي للمقاومة في فلسطين، وهو الذراع الاستراتيجية لسوريا وإيران في المنطقة، وهو الأكثر تماسكاً على المستوى السياسي والشعبي.
عند هذا الاستحقاق، كان في اليد حيلة اسمها المحكمة الدولية والحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. رسم السيناريو منذ وقت طويل، وعندما حانت اللحظة السياسية، خرج إلى العلن من يمهّد لقرار اتهامي يحمّل حزب الله مسؤولية في الجريمة. والهدف هو أن يتحوّل الحزب إلى عبء يسهل التخلي عنه.
في هذه اللحظة، وجد قياديّو «المستقبل» أن لهم وظيفة، وأن عودتهم إلى العمل باتت قريبة. وما هي إلا أيام قليلة، حتى انطلق هؤلاء في ورشات عمل، بين الناس والجمهور، وفي وسائل الإعلام وفي أجهزة رسمية وغير رسمية، هدفها تعبئة الجمهور استعداداً لمنازلة جديدة تحت عنوان «حماية الحقيقة والعدالة». ولأن الأمر لا يتوقف عند حملة كالتي قامت يوم تولّى فريق الحريري نفسه التسويق لديتليف ميليس جريمته الموصوفة في عام 2005، ولأن الخطة تقضي بعدم تخريب الطبخة، كان على هؤلاء العمل في ساحة أخرى.
هل يصدّق هؤلاء أن الشرعية الدولية والمظلّة العربية والشعارات الداخلية تمنع المقاومة من حماية نفسها؟
طيّب، ممنوع مهاجمة سوريا، وممنوع الحديث عن القرار الاتهامي، وممنوع نشر ما سُرّب إليهم من معلومات عن فحوى القرار نفسه، وممنوع الانجرار إلى تعبئة علنية ضد حزب الله. فماذ يمكن قوله؟
الحيلة نفسها، قالت إن في إمكان هؤلاء إدارة ماكينة كذب، تتولى أولاً العمل على «تخريفة» الانفصال القائم قريباً بين سوريا وحزب الله، ثم على «تحشيشة» أن قواعد حزب الله الحزبية والشعبية بدأت تهتز، وثمة لحظة سينفرط فيها عقد هؤلاء، ثم على هلوسة تقول إن لبنان أمام لحظة نزع الشرعية الشيعية عن سلاح المقاومة، وإن نبيه بري سيتولى الأمر؟
في نقاشهم الافتراضي بشأن ردّ فعل حزب الله على صدور قرار اتهامي يصيب المقاومة، يتحدثون عن أنه لا أحد في لبنان يقدر على الفتنة، ثم يشرحون: أصلاً ليس هناك سلاح سوى مع حزب الله. ثم يضيفون من باب طمأنة النفس: ليس هناك في العالم من يقبل بتكرار 7 أيار. العرب قالوا لنا إن البلد غير متروك، وإن المواجهة هذه المرة ستحصل مع المجتمع الدولي، من خلال مجلس الأمن. فهل يقدر عليها حزب الله؟ ثم يضيفون: لن يكون أحد في العالم قادراً على حماية حزب الله إن فكّر في النزول إلى الشارع. وسيوصَّف حزب الله منظمة إجرامية وإرهابية، ولن يجد من يدافع عنه في لبنان أو خارجه.
كل ذلك يقوله هؤلاء، وهم يعتقدون أن مثل هذه الأمور تردع أحداً إذا ما قرر خوض معركة دفاع مشروعة عن النفس. كأنهم يفترضون أن جيوش العالم ستأتي لإنقاذهم، وبالتالي يعود بنا هؤلاء إلى أصل الحكاية: لا يمكن أحداً إلا إسرائيل، وبدعم من العالم، أن يشنّ حملة عسكرية لمواجهة حزب الله. فماذا نكون قد فعلنا. جرّبنا كل الحظوظ، من الفتنة إلى المحكمة إلى التحريض إلى القرارات إلى إرسال قوات اليونيفيل إلى التجسّس إلى التآمر، على أمل أن يكون في ذلك ما يغني عن حرب لا تبدو إسرائيل جاهزة لشنّها. فهل تعود إسرائيل إلى المهمة نفسها، وهي لا تثق بقدراتها قبل أن تثق بقدرات الآخرين في لبنان أو خارجه؟ عرف هؤلاء أن السابع رقم يلي الخامس حكماً... فهل في مقدروهم عدم الوصول إليه؟
عدد الاثنين ٢ آب ٢٠١٠
الاخبار
No comments:
Post a Comment