المخرج الصعب
واصف عواضة
انتهت الأفراح والليالي الملاح وسكرة الاحتفاء بالقادة العرب الذين زاروا لبنان. راحت السكرة وجاءت الفكرة، ومن حق اللبنانيين أن يسألوا مع مطلع هذا النهار عن
النتائج.
في الواقع هناك موضوع واحد يشغل بالهم هو القرار الظني للمحكمة الدولية. أما هموم العرب والمنطقة فلكل قضاء قدر.
يبدو أن الصورة ما تزال ضبابية، وما تحدث عنه «الراسخون في العلم» لم يشف غليل الناس. لكن أخطر ما تنسّم عن زيارة العاهل السعودي والرئيس السوري للبنان، الوعد
بالسعي لتأجيل القرار الظني بانتظار مخرج ما ينزع الاتهام عن «حزب الله»، ما يوحي بأن التهمة ثابتة والمطلوب التلاعب بالعدالة حتى لا يغرق لبنان بالفتنة.
لكن أفضل ردود الفعل على هذه الصيغة جاء من حزب الله الذي رفض هذه التسوية، لأن التأجيل يعني كسب بعض الوقت لتبريد الأجواء مع استمرار السيف مصلتاً على رقبة
الحزب، وابقاء ورقة المحكمة قيد الابتزاز والاشغال لفريق واسع من اللبنانيين، ما يعطل قدرته على حرية واستقلالية الحركة، ليس في طريق تحرير القدس. بل في تعيين
أدنى حاجب في الدولة.
اذا صحت هذه الأنباء فعلاً عن قمة بعبدا الثلاثية، تكون زيارة الزعيمين العربيين قد نجحت في الشكل وفشلت في المضمون، وسيكون عندئذ للأمين العام لحزب الله السيد
حسن نصر الله غداً كلام آخر أو في المؤتمر الصحافي المنوي عقده قبل بداية رمضان.
الواضح أن بعض العرب في محور الاعتدال لم يستوعبوا جيداً ماذا يعني اتهام «حزب الله» بالجريمة. ولذلك جاءت بعض التعليقات والتحليلات خلال اليومين الماضيين سطحية
وساذجة وغير مسؤولة ومتناغمة مع ردود فعل محلية باردة، كأن يسأل هؤلاء، ببراءة او بخبث، لماذا يبالغ حسن نصر الله في تقدير الموقف وإثارة هذه القضية على هذا
النحو؟ ثم يسترسلون في التحليل الى خلاصة باتت ممجوجة ومفادها ان نصر الله يصعّد خدمة لأهداف ايرانية.
واهم من يعتقد ان اتهام «حزب الله» يمكن معالجته على الطريقة اللبنانية. ثمة من يشدد على ان قرار المحكمة الدولية ليس في يد لبنان، وهو على حق، لأن القابضين
على قرار المحكمة لهم مع المقاومة وحزبها حساب أبعد من رغبة اللبنانيين وإرادتهم، ولا يمكن بالتالي ان يتخلوا عن هذه الورقة. ومن البديهي ان رفض الحزب للقرار
الظني وعدم امتثاله لمندرجاته له ما بعده، وسيعرض لبنان لضغوط شتى من شأنها ان تصدع ساحته الداخلية اكثر مما هو قائم الآن، ان لم يؤد الى تفجيرها.
الم يسأل اللبنانيون والعرب انفسهم: كيف يكون المجتمع الدولي قادراً على اتهام فريق في حجم «حزب الله» بجريمة من هذا الحجم، ثم يعجز او يمتنع عن مساءلة شهود
الزور، ولماذا تعمّد المجتمع الدولي تسريب التحقيق، خصوصاً الى اسرائيل؟ وهل يعتقد ان حزب الله المجرب جيداً خلال ثلاثة عقود من الزمن حاضر للابتزاز والمساومة
على المقاومة؟
في الخلاصة لن ينفع التأجيل في تسوية المشكلة. المخرج الوحيد المنطقي هو في الغاء المحكمة الدولية والبدء من جديد مع محكمة موثوقة او الأخذ بمبادرة الرئيس سليم
الحص.
يبدو هذا المخرج أو ذاك صعباً، لأن القابضين على زمام المجتمع الدولي لن يتخلوا عن ورقة المحكمة الحالية التي تمّ تهريب قرار انشائها في ظل واقع لبناني وعربي
ودولي يعرفه الجميع. وفي كل الاحوال قد تطرأ مستجدات تقلب الموقف رأساً على عقب ويأتيك بالأخبار من لم تزوّدِ. لننتظر ونر. أليس الصبح بقريب؟
واصف عواضة
السفير
No comments:
Post a Comment