Friday, December 10, 2010

بيع الأراضي في المناطق المسيحية يتفاقم
09 كانون الأول 2010 بيار عقيقي - "صدى البلد"

لم يكن المسيحيون في حاجة الى "مأساة" جديدة تُكتب على حسابهم وباسمهم لتكريس ظاهرة خروجهم من النظم الدولتية والوطنية في لبنان. لم يكن المسيحيون في حاجة الى ترسيخ مبدأ "عكس التيار" السائد في صفوفهم منذ هزيمتهم السياسية والعسكرية في أوائل العام 1990 للتأكيد على صيرورتهم خارج النسيج اللبناني. لم يكن المسيحيون في حاجة الى كل هذا، لتأتي ظاهرة بيع الأراضي وتصيبهم في الصميم حتى تُصبح نهايتهم مرسومة في كل العيون، في لبنان وخارجه...
قضية بيع الأراضي في لبنان تتخذ منحى حساس قياسا على باقي الدول المجاورة أو حتى دول الغرب. إذ أن التركيبة الديمغرافية والجغرافية التي يتميز بها لبنان، لا تسمح بـ"اللعب" بالتوازنات الدقيقة للغاية. وفي هذا السياق فإنه من المفيد تذكّر أن "الارشاد الرسولي، رجاء جديد للبنان" تحدث في العام 1997 على ضرورة تمسك المسيحيين بجذورهم في لبنان والشرق، وبالتالي الحفاظ على مقومات هذا الوجود. كما أن السينودس من أجل مسيحيي الشرق الأوسط، والذي عُقد بين 10 تشرين الأول و24 منه، نصّ في توصيته السادسة من "الرسالة الى شعب الله" بالتالي "بما انّ التعلـّق بالأرض الأم هو عنصر أساسي من هويّة الاشخاص والشعوب، وبما أنّ الأرض هي مساحة حرّية، نحث مؤمنينا وجماعاتنا الكنسيّة على عدم الاستسلام لتجربة بيع أملاكهم العقاريّة. ولمساعدة المسيحيّين في المحافظة على أرضهم او لشراء أراض جديدة، في الظروف الاقتصاديّة الصعبة، نقترح على سبيل المثال خلق مشاريع تعمل على استثمار الأرض، ليتمكّن أصحابها من البقاء فيها بكرامة والسعي الى استرجاع المفقود منها والمؤمّم. وليرافق هذا الجهد تفكيرٌ عميق حول معنى الحضور المسيحيّ ورسالته في الشرق الأوسط". الموضوع بحسب الكرسي الرسولي أعمق بكثير من عملية بيع وشراء، بل يتعلق ببقاء المسيحيين في الشرق، انطلاقا من لبنان. لتكون أي عملية بيع أراض مسيحية في لبنان، بمثابة طعنة نجلاء في صدور المسيحيين.
الجديدة
لم تكن قضية بيع الأراضي لتتفاعل بهذا الزخم، لو أن لبنان لم يكن خاضعاً لتأثيرات توازناته، التي حدت بسنّ قوانين تسمح بتملّك الأجانب ضمن نسب مئوية محددة، وإن بات الموضوع مثار جدل كبير في الأوساط السياسية والكنسية. كما أن عمليات البيع التي تحصل بين أبناء الوطن الواحد باتت خاضعة لعوامل طوائفية، تطمئن الآخر من الشعور "بالغربة" في الوطن أو "بالالغاء"، لتمنع اتفاقات "التفاهم" في جزين والحدث بين المسيحيين والشيعة من بيع الأراضي. الموضوع عينه لم يصل الى منطقة الجديدة في المتن الشمالي، حيث بدأت تكبر كرة الثلج في ما خصّ 11 عقاراً (539، 540، 541، 542، 543، 544، 545، 546، 547، 548، 549) والتي باعها المهندس جان أبي جودة الى "جمعية المؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم" برئاسة وزير الزراعة الحالي حسين الحاج حسن، بموجب عقد بيع ممسوح في 24 كانون الأول 2007. مع العلم ان العقارات المُباعة تقع في العمارية - الرويسة بجانب قصر العدل.
أرضي هويتي
خلال ذلك، كانت البلدية السابقة قد اتخذت قرارا بزيادة عامل الاستثمار في العمارية - الرويسة، لكن 11 عضوا من أعضاء المجلس البلدي الحالي تقدموا بعريضة يطالبون فيها "باتخاذ قرار بوضع العمارية - الرويسة ومحيط قصر العدل منطقة قيد الدرس فنيا"، وذلك في 26 تشرين الثاني الفائت، وطالبين في الوقت عينه "جلسة للمجلس البلدي، لا تتعدى العشرة أيام من تاريخ تسجيل الطلب ليُصار الى بحث هذا الموضوع فقط وببند واحد"، الذي وبحسب معلومات خاصة يتناول موضوع شراء 11 عقارا جديدا بإسم شخص من آل هزيم لبناء 24 مبنى سكني، ما زاد من حفيظة الأهالي، ليبدأ الصراع بين الأعضاء الـ11 من البلدية والمهندس جان أبي جودة (المسؤول عن البيع و البناء)، والذي تزامن مع تداعي مجموعة من الشخصيات ومنهم النائب نبيل نقولا ونواب سابقون ككميل الخوري واميل اميل لحود وبعض "الطامحين" الى الترشح النيابي في 2013 وعدد من الكوادر الحزبية الى الغداء، بغية تمرير عملية البناء بالتي هي أحسن، على أساس "أن البيع قانوني، فلم يتم توقيف البناء؟". علماً أن عملية البيع والبناء تخطت كل مفاهيم السينودس وتوازنات لبنان الديمغرافية والجغرافية، وبالتالي فإن الحساسية التي تعيشها المنطقة أبعد من مجرد رأي قانوني أو بيع تجاري. فالعماد ميشال عون قد اعلن في وقت سابق أن "أرضي هويتي"، وهو ما يتكامل مع مؤتمر "عودة الحق" الذي عقده في أيلول 2006، لتأمين عودة المهجرين الى الجبل.
الكنيسة
على أن موضوع منطقة الجديدة احتل حيزا مهما من نقاشات الكنيسة في بكركي، أكان عبر الرابطة المارونية أم عبر رجال الدين المحليين في المتن، على اعتبار أن ما يجري حاليا قد يكون مجرّد بداية، فضلا عن انه يأتي في مرحلة ما بعد صدور توصيات السينودس من اجل مسيحيي الشرق الأوسط. على أن الكنيسة تعلم ان الضغوطات السياسية باتت أكبر من أي قرار يمنع البيع في الجديدة او غيرها، ما لم يتم تغيير حجم وطبيعة التحرك. فالموضوع لا يُختصر في 24 مبنى على 11 عقاراً في الجديدة، بقدر ما يُشكّل بداية تغيير جذرية في طبيعة الأرض والديمغرافيا اللبنانية، خصوصا مع تأكيد جميع الأطراف على عدم المسّ بالحساسيات الطوائفية، فضلا عن أن التيار الوطني الحر كان سباقا في هذا الموضوع مع رعايته لعقود تفاهمية بين المواطنين المسيحيين والشيعة في الحدث وجزين. فهل يتم تدارك موضوع الجديدة أم "أن الخطيئة الكبرى" قد وقعت؟

No comments:

Post a Comment