أفكار واقتراحات مسيحية للبطريرك الجديد في القيم... والتنظيم
(م.ع.م)
مارون ناصيف
لم يعد خافياً على أحد أن السياسة التي اعتمدتها البطريركية المارونية خلال ربع قرن من الزمن، أدت الى إحداث انقسام ماروني بين أبناء الرعية الواحدة، في محطات
عدة ولاسيما في السنوات العشر الأخيرة التي أعقبت تحرير الجنوب في العام ألفين وانطلاق مسار الدعوة لاخراج الجيش السوري من لبنان عن طريق «قرنة شهوان» وبرعاية
من البطريرك الماروني نصرالله صفير مباشرة.
هذه السياسة ربما أصابت أحيانا وربما أخطأت في أحيان أخرى، لكن الأكيد أنها لم تنجح في الجمع بين مسيحي وآخر، بين قائد جيش وزعيم ميليشيا، بين رئيس حزب أو رئيس
كتلة نيابية... كل ذلك من دون أن تكون معايير التفرقة واضحة وشفافة ومن دون تقديم الحجج والأسباب التي تبرر ذلك ما عدا القول بصعوبة أمزجة الموارنة أو صعوبة
الجمع بين متناقضين الى حد المستحيل.
لذلك كان فريق من المسيحيين يشعر دائماً بالإستهداف من قبل البطريرك صفير الذي عمد وفي أكثر من مناسبة مفصلية الى اتخاذ مواقف سياسية حادة تدعم فريقاً مسيحياً
ضد آخر، من دون الأخذ في الإعتبار أن بكركي هي المرجعية التي يجب أن تعمل على قاعدة الجمع لا التفرقة، وبالتالي أدى دخول سيد الصرح في زواريب السياسة الداخلية
الى تعريض مقامه ومرجعيته لإنتقادات، حتى أن مناصري سليمان فرنجية أصبحوا ينادون زعيمهم في مرحلة ما، بـ«انت البطريرك يا سليمان» عندما كان الأخير يهاجم صفير
عبر شاشات التلفزة بسبب مواقفه.
حتى في أيام صفير الأخيرة داخل الصرح البطريركي، «يشعر فريق مسيحي وازن بالإستهداف» من قبل بكركي التي لطالما اعتبر مرجع مسيحي بارز «أنها لعبت دوراً مميزاً
في حياة لبنان وتاريخه وفي إنشاء دولة لبنان الكبير». ولكن، على رغم كل هذه المطبات التي مرت بها العلاقة بينهما، لا يتدخل هذا المرجع المسيحي لا من قريب ولا
من بعيد بالإنتخابات التي ستشهدها البطريركية المارونية، اعتبارا من يوم غد، حتى أنه يفضل، وخلافاَ للآخرين، عدم التعليق في الإعلام على هذا الإستحقاق. غير
أن عدم التدخل هذا لا يمنع أن تكون لديه رؤيته وتمنياته الخاصة المتعلقة بمواصفات البطريرك الماروني الجديد وكيفية إدارة شؤون الطائفة المارونية.
يفضل المرجع المسيحي المذكور عدم الدخول في التسميات والحسابات لكن مطلبه الوحيد «أن يأتي بطريرك عادل يجمع ولا يفرّق بين أبناء الكنيسة»، ذلك أن «القيم التي
يجب أن تعمل الكنيسة المارونية على إرسائها» هي «أعلى وأسمى بدرجات لا تقدّر من يوميات السياسة المحلية، ومنها دعم العدالة لا إعادة الإعتبار للمجرمين والقتلة،
محاربة الفساد، صون الحريات العامة بحسب ما نصّت عليه المواد الدستورية، هذا بالإضافة الى مكافحة ظاهرة تعاطي المخدرات التي ضربت المجتمع اللبناني وغيرها من
الآفات المشابهة» على حد تعبير المرجع الماروني البارز.
أضف إلى ذلك، لا بد من الالتفات إلى دور المسيحيين في السلطة وكيفية الحفاظ على المواقع المسيحية في الإدارة والمؤسسات الأمنية وغيرها، كما «إعادة الإعتبار
إلى موقع الرئاسة الأولى وذلك من خلال إستعادة الصلاحيات التي نزعها اتفاق الطائف من رئيس الجمهورية».
لا تغيب مسألة مشاركة المسيحيين في الوظائف الرسمية، وفي المؤسسات والإدارات العامة عن هواجس المرجع الماروني البارز، إذ يجب «أن تأخذها البطريركية المارونية
بعين الإعتبار، كل ذلك من دون نسيان الدور الذي يمكن أن تلعبه بكركي على صعيد التحذير من السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تلحق أضراراً جسيمة
بالدولة والمجتمع في آن معاً».
وفي سياق نظرته الى المرحلة الحالية التي لا تحتمل الاقدام على خطوة الغاء الطائفية السياسية قبل وضع برنامج زمني واجتماعي لهيكلية هذه الخطوة، يعوّل المرجع
المسيحي كثيراً على بكركي معتبراً أنها يمكن أن تساعده في إقناع الأفرقاء بأن هذا المشروع يتطلب مرحلة استقرار وعدم وجود تقلّبات داخلية وخارجية تثير بعض الشكوك».
أما بالنسبة الى الملف الأكثر سخونة ألا وهو توطين الفلسطينيين في لبنان، فيسلّم المرجع بأن البطريرك الجديد يجب أن يعي خطورة هذا المشروع وما ينسج خارجياً
للبنان على هذا الصعيد.
«تفريغ الشرق من مسيحييه عنوان لا يجب التهاون معه من قبل بكركي» يقول المرجع المسيحي البارز «خصوصاً بعد تفجيرات الكنائس في العراق ومصر، وما يتعرض له يومياً
مسيحيو القدس، من أعمال تهديد وترغيب، في سياق مخطط يهدف الى تهويد المدينة المقدسة.
أما على صعيد المطارنة والأساقفة، فيعتبر المرجع نفسه، أن هناك ضرورة لتأمين التوازن الفكري مقارنة مع واقع الحال، إذ هناك بعض المطارنة لا يزالون يتكلمون بذهنية
القرن التاسع عشر، يقابل ذلك بعض آخر منهم سبق الآخرين بأشواط على صعيد التحضّر الفكري، لذلك فالتطرف يضرّ أكان رجعياً أم تقدمياً بحسب المقاربة المسيحية لهذا
المرجع.
هذا في القيم والسياسة العامة للبطريركية، أما في التنظيم فثروة الكنيسة الضخمة بالنسبة الى كاهن عرف بصوته الإصلاحي العالي، الموزّعة على الأبرشيات والمدارس
والجامعات «تحتاج الى إدارة مركزية جيدة على عكس ما هو قائم اليوم».
وفي هذا الإطار، يبرز اقتراح أن تنظّم الأبرشيات الغنيّة موازنة سنويّة تصرف على أساسها، على أن يتمّ تحويل الفائض الى صندوق مركزي، يقوم هذا الأخير بدوره بعملية
توزيع المساعدات من الفائض على الأبرشيات الفقيرة وتنظيمها كما يجب. من يدير كل هذه العملية المالية بحسب الإقتراح المذكور هو مصرف خاص بالكنيسة المارونية،
يديره مجلس إدارة ديني ـ مدني مشترك، على غرار ما يحصل في الفاتيكان». المرجعية الأولى والأخيرة لهذه العملية الإدارية، يجب أن يتولاها «مجلس إدارة أملاك الطائفة»
الذي يجب أن يؤلف من مطارنة ومدنيين في آن معاً.
الهدف من هذه المنظومة الإدارية المركزية داخل الطائفة يلخصه الكاهن المذكور بـ«عدم فرقعة أملاك الكنيسة وتسهيل إدارتها بشكل جيد كما منع التفريط بها أحياناً
لأهداف إما شخصية وإما وراثية».
السفير
No comments:
Post a Comment