Thursday, March 10, 2011

موت الموارنة يساوي موت لبنان
انطوان ع نصر الله
دخل الاساقفة الموارنة، اعتبارا من مساء أمس، صومعتهم في علية بكركي لانتخاب رأس للكنيسة مبتعدين مبدئيا عن ضوضاء الخارج، الذي يحمٌل الانتخابات ابعادا كبيرة
وربما مضخمة، في بلد يلعب الموارنة فيه وحتى اشعار اخر دورا محوريا ومميزا، لوطن ساهموا بتكوينه، ولعب اساقفته دورا محوريا في خلق صورته التي نعرفها اليوم،
من دون ان ننسى دورهم قبل استقلال هذا الوطن، حيث ادى البطاركة دورا كبيرا في قيادة الجماعة المارونية عبر التاريخ، وخصوصا في الازمنة الصعبة. وقد استطاعت بكركي
ان تستفيد مما بات يعرف بالمسألة الشرقية التي تحكمت بالمنطقة ابان حكم السلطنة العثمانية قبل انهيارها لتعزز وجودها وفاعلية دورها. وعلى الرغم من انتهاء مفاعيل
هذه المسألة الا ان الكثير من المسيحيين لم ينتبهوا الى ذلك.
وقد اتكلت البطريركية في الكثير من المراحل على التواصل مع الغرب بواسطة الارساليات، وعلى تجذر في الشرق بواسطة الرهبانيات اللبنانية التي قامت بدور كبير في
تثبيت الموارنة في ارضهم ومتابعتهم في مهاجرهم.
دخل الاساقفة الى مجمعهم، وفي حلم كل واحد منهم انه سيخرج بطريركا على انطاكيا وسائر المشرق «والطموح الى الرئاسات امر طبيعي» على حد قول شارل مالك، في رسالته
الى الموارنة، ولكنه هدام اذا لم يترافق مع هدف ورؤيا ورسالة، وهذا ما يفتش عنه الماروني في شكل خاص واللبناني بشكل عام في شخصية البطريرك السابع والسبعين.

فهدف كل لبناني ان يعيش في وطن يحفظ كرامته بواسطة سلطة تؤمن بديمقرطية تحافظ على العيش المشترك، الذي اختبره الموارنة فلا ينحصر دورهم تدريجيا الى حدود جبل
لبنان الشمالي وبعض اقضية الشمال تحت حجج واهية ومن دون تسجيل اي تحرك فعلي لرأس الكنيسة. يفتش الموارنة جاهدين عن بطريرك يحمل رؤيا ويدرك ان دورهم يمتد الى
سائر المشرق ولو عانوا الصعوبات والاضطهادات، فأي قبول بانحسار هو بداية لاضمحلالهم. خصوصا «أنّ العيش المشترك من ثوابت تاريخنا وتقاليدنا التي دفعتنا إلى أن
نعيش مع مختلف الطوائف ونكوّن وإياهم مجتمعًا واحدًا ووطنًا واحدًا» (من تعاليم المجمع الماروني الاخير).
هدف كل مواطن ان يتعرف الى دولة عصرية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، فلا يستطيع رأس الكنيسة ان يسكت عن الفساد المستشري في الحياة اليومية، خصوصا
وان العلاقات اليومية تؤمن للفاسدين ملجأ في الكثير من الرعايا والكنائس ولو من دون قصد والمجمع الماروني كان واضحا في هذه المسألة حينما طلب من الملتزمين في
الكنيسة، ان «يرفعوا صوتهم عاليًا للتنديد بمظاهر الفساد السياسيّ والاجتماعيّ، ويشهدوا للقيم الإنجيليّة في وطنهم، فتكون هذه القيم العين الساهرة ليظلّ النظام
السياسيّ والاجتماعيّ في خدمة الإنسان وللدفاع عن الفقراء والمهمّشين والمرضى، ويعملوا على خلق فرص العدالة والمساواة بين الجميع».
من المعلوم بان الحرب بين الدول هي الاستثناء لذلك فمن غير الطبيعي ان يظل لبنان في حالة حرب مع سوريا، خصوصا ان اللبنانيين اصبحوا في هذه الحرب وقودا لمصالح
خارجية تسعى للتقرب من النظام السوري عبر الضغط عليه بواسطة الداخل اللبناني من هنا يبقى هدف كل لبناني:
«إعادة بناء علاقات طبيعيّة مع سورية على قاعدة التكافؤ والمساواة والمصالح المشتركة، عبر مراجعة شجاعة لتجربة الماضي، على اعتبار أنّ كلفة التفاهم تبقى أقلّ
من كلفة النزاع. وإذا كان صحيحًا أنّ بين الدولتين تباينات عميقة في طبيعة النظام السياسيّ وفي مسائل أخرى، فإنّ ذلك لم يلغ المشترك في الجغرافيا والتاريخ والحضارة
وفي التزام القضايا الوطنيّة الكبرى، وفي مقدّمها قضيّة التحرّر الوطنيّ والاستقلال وفي التواصل المستمرّ بين الشعبين عبر التاريخ». (من تعاليم المجمع الماروني
الاخير).
وفي هذا الاطار لا يمكن استمرار مقاطعة مدبر الكنيسة الاول لجزء هام من رعيته التي تمتد الى سهول تركيا مرورا بالمناطق السورية. ومن المهم الاستفادة من تجربة
البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي أعاد تقليدا الى الكنيسة الغربية عبر اعادة التواصل البشري مع المؤمنين في كل اصقاع العالم ما خلق دينامية مطلوبة للعمل
الرعائي والاجتماعي والوطني خصوصا لتعزيز الانتماء الى جماعة حاضنة روحيا واجتماعيا.
ان المدبر الحكيم يستطيع ان يتغلب على المعوقات لاتمام رسالة الاباء فتتحقق الرؤيا التي حافظت على الجماعة في مشرق لم ولن يستريح من الحروب والازمات. ان هذا
التواصل مطلوب ولا يجب أن يختصر على مناطق أو زعامات معينة وانما يجب ان يمتد الى الجنوب اللبناني وجبل لبنان الجنوبي (اقضية الشوف وعاليه) حيث يتراجع التواجد
المسيحي لاسباب اقتصادية واجتماعية.
لم ينته دور الموارنة الوطني ولن ينتهي قريبا ولكن ازالة هذا الشعور بالغربة عن لبنان وباننا اموات ونفتش عن وارث لدورنا ووجودنا واملاكنا، لن يحصل الا بعمل
مشترك يديره راس مدبر يحفظ التعاليم ويؤمن بالانفتاح ولا يخاف ان يتقاسم الادوار مع اخرين...
عبر كل التجارب المريرة لم يستطع احد محو الموارنة بل بقوا في هذا الجبل علامة رجاء ولبطريركهم الجديد دور كبير في هذا المجال، فاما ان يستعيدوا دورهم واما
ينتهوا وعلى حد قول المطران جورج خضر «لا يفتكرنّ أحد في الاستغناء عن الموارنة. انهم أركان ولكن لا يفتكرن الموارنة في الاستغناء عن أنفسهم. فاذا سقطوا في
هذه الخطيئة يموتون ويموت البلد معهم». وفي هذا القول كل حقيقة وجودهم والتحدي الحقيقي امام قرار اساقفتهم.

No comments:

Post a Comment