Friday, April 1, 2011

"حي المسيحية" في بعلبك.. منازل تشتاق الى أصحابها

01 نيسان 2011

نضال صلح - "المستقبل"

إبّان الحرب اللبنانية التي شهدت صراعات دامية في العديد من المناطق، بقيت بعلبك بمنأى عن ذلك، واقتصر الأمر على بعض المناوشات وقتالات محدودة بين الأحزاب ، علما أن قلة من المسيحيين التحقوا ببعض الأحزاب السياسية، ناهيك أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في بعلبك طبعت بالصداقة والإلفة. لكن الحرب الفعلية التي عجزت عن الدخول الى المدينة، وجدت طريقها بسهولة الى أذهان الأهالي عبر مفاعيلها ونتائجها النفسية. وقد زاد هذا الوضع النفسي تأزما بعد أن نزح عدد كبير من سكان القرى المجاورة الى بعلبك، ما أدى الى التغيير الديموغرافي، الذي انعكس بدوره على المتغيرات الاجتماعية والثقافية.
ويشرح مختار "حي المسيحيّة" جورج عوض (هناك حي آخر "حي البرانية") بعض الظروف المتعلقة بهجرة مسيحيي بعلبك منها وقال: "مما لا شك فيه ان الحرب اللبنانية العبثية التي شهدها لبنان على مدى سنوات طويلة تركت اثرا بالغا في هجرة المسيحيين من المدينة حيث كان عدد ابنائها من المسيحيين يقارب الـ 12 % من اجمالي عدد السكان، ما لبث هذا العدد ان تضاءل بنسبة تجاوزت كل التوقعات فبقي في المدينة حتى يومنا هذا ما يقارب الـ 160 مواطنا فقط من اصل الثلاثة الاف. أما الذين هجروا فالقسم الأكبر منهم غادر الى العاصمة بيروت حيث اشتروا المنازل واستقروا فيها بعد ان باعوا منازلهم في بعلبك وقسم آخر غادر لبنان بصورة نهائية".
ويلفت عوض الى ان معظم المسيحيين من ابناء المدينة هجروها لأسباب عديدة يبقى الأهم منها الوضع الأمني .
ومن هؤلاء شقيقان للمختار نفسه تم اختطافهما في بداية الحرب اللبنانية من قبل جهات حزبية غير لبنانية عمل خلالها وجهاء المدينة لاخلاء سبيلهم في اليوم نفسه.
وأكد عوض أنه، على الرغم من الظروف الأمنية التي تعرّضت لها المدينة منذ بداية الحرب اللبنانية وحتى يومنا هذا، لم يقدم اي مواطن بعلبكي ولأي طائفة او مذهب انتمى على أي اعتداء على أخيه المسيحي، بينما كانت الاعتداءات تأتينا ممن أتوا حاملين معهم مشاكلهم وهمومهم واستوطنوا المدينة وباتوا يفرضون تلك المشاكل على المدينة وأهلها ويهددون امنها واستقرارها بين الفينة والأخرى.
ويشدد على ان بعلبك مدينته التي ولد وترعرع فيها وسيبقى حتى آخر رمق من حياته فيها، مشيرا الى أن بيع المنازل من قبل المسيحيين الذين هجروا المدينة أدى بنسبة كبيرة الى تغيير ديموغرافي في سكانها وبالتالي من الممكن ان تنتقل عدوى الهجرة الى ضواحي أخرى مثل عين بورضاي شرقي بعلبك، ودورس جنوبي بعلبك التي هجرها أهلها ايضا.. ولكن هذه قصة أخرى.
الصيدلي اسعد قرعة يؤكد بدوره، ان الدافع الرئيسي الذي أدى بأبناء المدينة من اشقائه المسيحيين الى هجرة المدينة بشكل نهائي هو الهاجس الأمني.
ورأى أن الحرب اللبنانية فعلت ما فعلته سائر الحروب التي تقضي على مدن وتهجر أهلها والنتيجة أتت ببقاء أقل من 200 مواطن مسيحي في المدينة لأنهم يعتبرون أن جذورهم هنا حيث خلقوا فيها ويموتون في ترابها.
وفي اتصال مع عدد من الذين هجروا بعلبك وباتت بيروت وغيرها على الساحل مدنهم، رفض البعض التحدث ومنهم من أكد وباختصار ان الدافع الرئيسي وراء هجرتهم، عدا الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، كان تعرّضهم لضغوط لبيع منازلهم لجهات رفضوا تسميتها، لأن الأمر اصبح بنظرهم من الماضي.
الى ذلك، يحاول بعض القيّمين في المدينة، من وجهاء وغيرهم، رفع الصوت والسعي عبر تشكيل لجنة، الى اعادة تأهيل منزل الشاعر الراحل خليل مطران الذي ما زال صامدا بوجه الزمن في مكانه بوجه النباتات التي انتشرت من حوله. هذا البيت الذي اشتراه اسكندر مطران لم يكتب له القدر ان يتحول متحفا.
حي المسيحيّة الذي غادره معظم سكانه وهم جزء لا يتجزأ من تاريخ بعلبك وثقافتها وحضارتها، انتهى فيه العديد من المنازل القديمة الى أطلال، ومنها ما اجتاحته أبنية الاسمنت المسلّح، وأصبحت طرقاته لا تتسع لأكثر من سيارة واحدة. حيٌّ جمع في تاريخه ذاكرة كبار خرّجتهم بعلبك ليضعوا بصماتهم في تاريخنا.

No comments:

Post a Comment