Tuesday, April 26, 2011

المرّ: بدل الجمهورية اثنتان
نادر فوز

يدرس المرّ آلية نشر وثائق ويكيليكس وتوقيتها (أرشيف ــ هيثم الموسوي)
لم يلحظ أحد بعد، الغياب التام للوزير إلياس المرّ. منذ كُشف عدد من وثائق ويكيليكس وتسجيلات «حقيقة ليكس»، هجر المرّ بعضاً من قواعده وترك الساحة السياسية وانصرف إلى أموره الخاصة. حتى الساعة، خسر موقعه الوزاري واهتزّ تحالفه السياسي مع فريق 14 آذار، والأهم من هذا، انقطاع علاقته برئيس الجمهورية. عندما يجلس إلياس المرّ وحيداً في مكتبه، يعيد صوغ ما يقوله والده في خسارة الرابط الدائم بين العائلة وقصر بعبدا، وهو الرابط الذي جعل المرّين يحكمان الدولة لأكثر من عقد.
رأى المرّ الابن أن دقائق قليلة وكلمات محدودة نسفت موقعه وتحالفاته؛ فلم يعد يقصد مكتبه في اليرزة، وتراجعت لقاءاته السياسية، وهو يفضّل قضاء وقته في الخارج بين باريس وجنيف، أو في عقد بعض الصفقات التي يجدها رابحة في المستقبل. بمعنى آخر، يحاول الاستعاضة عن خسارته الجمهورية بإطلاق جمهورية جديدة على شكل صحيفة. حتى إن المرّ لم يطل التفكير بالوعد الذي قطعه عليه الرئيس سعد الحريري، يوم قال له: «ستعود معي إلى الحكومة عند عودتي رئيساً». فهو تربى على كونه ابن الدولة وابن الجمهورية وأحد رموزها، ولا يرضى منّة من أحد لدخول الحكم.
في مقلب آخر، لا يتردد المرّّ الابن في القول إنه سقط نتيجة الحملة الإعلامية «التي نظمتها قوى 8 آذار»، ما يسمح بالقول إنه أدرك متأخراً أنّ للإعلام تأثيره، وهو يبعد كل الأسباب الفعلية لسقوطه المعنوي والمادي بين حلفائه. واهتمام إلياس المرّ بالإعلام يبتعد عن كونه محباً للتعبير ويتعدّى حاجته إلى منبر؛ إذ لا يتردّد عدد من المطلعين على أجواء وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال في نقل إرادته «بردّ الصاع صاعين وبالطريقة نفسها».
لهذا الغرض، لجأ المرّ الابن إلى صحيفة الجمهورية، لكن الأهم من هذا حديث المرّ عن «مؤسسة إعلامية جديدة» يراها أكثر تأثيراً على الناس، وقد باشر اجتماعاته واستشاراته لإطلاق مفاجأة إعلامية أخرى. فهو اليوم يستعد لإطلاق محطة تلفزيونية باسم «الجمهورية» أيضاً، ستكون مع زميلتها الصحيفة محور الحركة المستقبلية لآل المرّ.
لا يترك إلياس المرّ مكتبه في الصحيفة إلا عند سفره، وقد أهمل اليرزة وابتعد عنها، باعتبار أنّ الأمور فيها تسير كما يجب. في عمله في الجمهورية، أفهم المرّ من حوله ضرورة تميّز الصحيفة في المتن، فكان أن وُزِّعت دفاتر الاشتراكات فيها على رؤساء البلديات المحسوبين على المر، وأبلغت البلديات بأن إرجاع هذه الدفاتر يُعَدّ فشلاً شعبياً قد يقضي على التجديد لهم في الاستحقاق البلدي المقبل. وفي السياق أيضاً، وصلت إلى بلديات المتن تعميمات واضحة تنص على الآتي: هذه جريدتكم، زوّدوها بأخبار يومية واعتبروها مساحة مفتوحة لمواجهة الخصوم السياسيين والنيل منهم.
بعد بنائه الجمهوريتين، وسيلتَي حملة «ردّ الصاع صاعين»، يدرك المرّ وجوب أن يكون لهذه الحملة عمودها الفقري الذي سيتمثّل بمجموعة وثائق شبيهة بالتي ووجه بها وسقط من خلالها. لهذا الغرض، أجرى المرّ سلسلة اجتماعات في الخارج، مكّنته من وضع يده على مجموعة من المستندات والرسائل السياسية التي يرى أنّ نشرها يضرب خصومه ويعيده إلى المعادلة الداخلية.
وبحسب أحد المطلعين، جال المرّ على أكثر من مكتب في العواصم الأوروبية وفي السفارات في لبنان. عرض حالته وهواجسه والصعوبات التي يواجهها، وطالب بما تيسّر للعودة إلى المعركة، فكان أن حصل على الوثائق المطلوبة، من دون أن يتّضح ما إذا كان قد اشترى قسماً منها وحصل على القسم الثاني «على ضهر البيعة»، أو زوّده بها أصدقاؤه الغربيون لدعم مشروعه وإبقائه سياسياً على قيد الحياة.
يجلس المرّ اليوم في مكتبه وحوله عدد من معاونيه، يدرسون آلية نشر هذه الوثائق وتوقيتها. الجزء الأهم منها يتمحور حول الرئيس نبيه بري وعلاقته بحزب الله. ويقول مطلعون على أجوائه أن هذه الوثائق «أخطر بكثير من كل ما نشره موقع ويكيليكس»، ويصيب علاقة بري والحزب في الصميم.
وفي جزء آخر يتناول قسم آخر من هذه الوثائق ملف حزب الله من باب النقاشات الإقليمية؛ إذ تشير إحدى الأوراق إلى الاتصالات الإيرانية ـــــ الأميركية وكيفية إيجاد المخارج اللازمة لتخلّي طهران عن الحزب، فتعرض هذه الوثيقة وضع المنطقة في قبضة الثلاثي التركي ـــــ الإيراني ـــــ الإسرائيلي، على أن تكون أنقرة محور القوة السنية وتل أبيب محور الأقليات وإيران «المارد الشيعي الذي سيكون مرتاحاً ولا حاجة له إلى أذرع». «يفلفش» إلياس المر هذه الوثائق ويبتسم لأنّ الفرَج قريب، يدور بها على عدد من حلفائه المفترضين ويعرضها عليهم، في محاولة لتأكيد قدرته على المواجهة، وأنه لا يزال إلى جانبهم.
العدد 1397
26 نيسان 2011
الاخبار

No comments:

Post a Comment