الفخ في معركة طرابلس
سامي كليب
ليست اشتباكات طرابلس أمرا عابرا. هي فخ لكل الأطراف اللبنانية.. ولسوريا. ولأنها كذلك، فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يقف اليوم على شفير هذا الفخ. هذا أول
تحد ولكنه ليس الأخطر الذي قد تواجهه حكومة الرجل المضطر عاجلا ام آجلا للتخلي عن حلم الوسطية.
اشتباكات طرابلس فخ لميقاتي اولاً. لا يتعلق الأمر فقط بتهميش دوره في مدينته الشمالية، بل بتفخيخ الحكومة قبل انطلاقتها. يراد لهذه الحكومة ان تنجح فقط بالصورة
التذكارية، أما الباقي فسيكون عرضة لاشتباكات كثيرة. وسيلقى كل هجوم عليه وعليها تشجيعا دوليا ومن بعض العرب، ذلك أن تركيبة الحكومة مرفوضة أميركيا مهما حاول
الرجل تحسين صورتها.
وهي فخ لـ«حزب الله»، لأن المطالبة بنزع سلاح طرابلس، يراد له التمدد سريعا صوب سلاح الحزب. وكلما ارتفعت الأصوات المطالبة بإخلاء طرابلس من السلاح، يكون المقصود
بالدرجة الاولى المقاومة. يراد لهذا المطلب ان يشتد حالــيا اعتقادا بأن الأزمة في سوريا تسمح بذلك، ويراد جر «حزب الله» الى معركة يصبح فيها متهما بامتياز.
وهي فخ لتيار المستقبل رغم كل الاتهامات التي تساق ضده بشأن افتعال هذه الاشتباكات أو التحريض عليها. لا يمكن ترك طرابلس تتحول الى بؤرة أمنية مهددة فعليا لأمن
سوريا وحلفائها في لبنان. هذا أمر تنبغي متابعة تفاصيله بدقة كبيرة، وثمة من يتساءل عما اذا كان تيار المستقبل متفقا داخليا حول التعاطي مع سوريا وسط معلومات
عن تباينات، ورسائل ينقلها البعض الى دمشق تفيد بأن ثمة جناحا ليس موافقا على مهاجمة النظام السوري.
هي فخ لسوريا أيضا. منذ بداية الانتفاضات في المدن السورية، تثير طرابلس وبعض قرى الشمال اللبناني قلقا. يتم تسريب معلومات موثقة عن تورط أطراف لبنانية في تهريب
أموال وسلاح وهواتف وأجهزة بث. تكتفي دمشق حاليا بالتحرك عبر الدولة اللبنانية. تدرك أن أي تدخل عسكري مباشر هناك يعني الدخول في مرحلة أخرى من الصراع لم يحن
وقتها بعد. هنا يكمن الفخ، فلو تركت سوريا الشمال اللبناني يتحول الى جبهة متقدمة ضدها فقد يصبح ضبطه لاحقا بالغ الصعوبة، ولو تقدمت بإجراءات عسكرية او امنية
ضد الاطراف المقصودة باتهاماتها، فقد تؤلب آلة كبيرة من التجييش ضدها. هي تراقب، والاكيد أنها ستقوم بكل ما في وسعها لمنع تشكيل تلك الجبهة المتقدمة. فماذا
لو كان المقصود لاحقا، إغلاق الحدود الشمالية تلبية لمطلب العقوبات الدولية؟
والاشتباكات فخ للجيش اللبناني، فهذه المؤسسة التي بقيت متقدمة على كل ما عداها من المؤسسات الامنية لجهة الحيادية النسبية، ستجد نفسها اليوم وأكثر من أي وقت
مضى الأداة شبه الوحيدة لضبط أوضاع البلد في ظل حمم التطورات الاقليمية. هل ينجح الجيش؟ سيكون دوره مرهونا بالغطاء السياسي، كيف سيتصرف وسط رفض البعض إعطاءه
هذا الغطاء؟
هذه الفخاخ جميعا، تجعل ميقاتي في وضع لا يحسد عليه. اطراف الحكومة وحلفاؤهم يريدونه أكثر جرأة في المواجهة وأكثر قدرة بالتالي على إحداث تغييرات أمنية وتضمين
البيان الوزاري لغة خاصة حتى ولو لم تعجب الأميركيين، وهو يتريث كثيرا في التخلي عن وسطيته، يدغدغه حلم التسويات المستحيلة.
يثبت لبنان مرة اخرى انه ساحة صراع وصندوق بريد. ولأنه كذلك فأوضاعه جميعا ستبقى مرهونة بتطور الملف السوري. هذا يفترض للأسف ان ما حصل في طرابلس قابل للتكرار
فيها وفي غيرها.
No comments:
Post a Comment