الحريري ونموذج عبور «المستقبل» إلى اللا دولة في طرابلسرئيس الحكومة تضرر معنوياً... لكنه ربح سياسياً
نبيل هيثم
لم يتأخر الرئيس نجيب ميقاتي في تلقف رسالة طرابلس السوداء لا بل وتوجيه اصبع الاتهام الى مصدرها الذي لم يصعب العثور عليه وعلى بصماته. وإذا كانت تلك الرسالة
قد مكنت مرسليها من تسجيل نقطة على رئيس الحكومة وحلفائه بتخريب الفرح الطرابلسي بالتمثيل الطرابلسي الوازن للمرة الاولى في الحكومة، فثمة اسئلة تفرضها الوقائع
الشمالية: هل أدت تلك الرسالة غرضها وحققت الغايات والاهداف التي تكتنزها، وهل ان لها ما بعدها، وتحديدا هل إن ما حصل في عاصمة الشمال يندرج في سياق تفجيري
مستمر، وهل ما حصل يضعف ميقاتي سياسيا ويحرجه طرابلسيا، أم إن ذلك سيمنحه عناصر قوة اضافية تصلـِّب عوده وحكومته أكثر، وفي المقابل، هل ما حصل أفاد سعد الحريري
سياسيا ومذهبيا، أم إنه سيرتد عليه. وهل يمتلك اصحاب الرسالة القدرة على ادارة اللعبة السياسية والامنية، وهل يدرك هؤلاء حجم الثمن الذي قد يترتب عليهم دفعه
إن فشلوا في تلك الادارة، وهل يستطيع هؤلاء تحمل هذا الثمن؟
تشي وقائع يوم الجمعة الدامي في طرابلس، بأنّ ما حصل شكل تتمة لـ«يوم الغضب» الذي نظمه تيار المستقبل اعتراضا على تكليف نجيب ميقاتي، وجاءت مفاعيله على غير
ما اشتهى سعد الحريري، وبالتالي ها هو منطق العبور الى الدولة الذي رفعه تيار المستقبل وحلفاؤه، يتعرّص مجددا الى اصابة قاتلة، خاصة بعدما أفرزت الوقائع الشمالية
وغيرها وجود فجوة كبرى بين خطاب تيار المستقبل العلني ضد المذهبية والسلاح وبين الممارسة الحقيقية على الارض التي تؤكد امتلاكه إرادة الشحن المذهبي والسلاح
ودخوله في لعبة «صولد» في مواجهة الامر الواقع الجديد اعتمادا على هذين السلاحين لمنع ميقاتي وحكومته من الحكم وممارسة السلطة.
وإذا كان تيار المستقبل قد قدم نفسه من خلال احداث طرابلس قوة قادرة على رفع المتاريس، وفاقدة للقدرة على القيام بمعارضة بناءة وديموقراطية، فإنه قدم نفسه منضبطا
في المنطق المعادي لسوريا وشريكا فاعلا في التحركات المناوئة للنظام السوري على ساحة طرابلس وغيرها ان من خلال نوابه او المحسوبين عليه او من خلال اندماجه المثير
للتساؤل والاستهجان مع السلفية السياسية، في الحرب المفتوحة على سوريا عبر الحدود الشمالية، لا بل ومحاولة ارباك الجيش اللبناني ودفعه في اللحظة الصعبة الى
الامتحان الصعب.
ومن الواضح في المقابل ان ميقاتي استطاع فك رموز الرسالة، وأدرك انه لم يعد في ايدي اصحابها اية اوراق ليلعبوها سوى لعبة الامن والمذهبية والسلاح والتوتير مع
سوريا، وهي لعبة كما تدل التجارب، خاسرة سلفا، وهنا تسجل لميقاتي جرأته في تظهير معاني الرسالة الدموية التي هدفت الى منع تسرّبه الى «البحر الازرق» خشية تهديد
الهيكل وإسقاط أعمدته في أية لحظة ميقاتية مؤاتية تقلب المشهد رأسا على عقب وتجري تعديلات جذرية في تلك الصفحة التي حكمت لبنان في السنوات الست الأخيرة.
قد يكون ميقاتي تضرر نفسيا ومعنويا، وانزعج ظرفيا بتخريب الفرحة الطرابلسية بتمثيلها، ولكن رب ضارة نافعة، اذ ان ما حصل استدرج تعاطفا معه على المستوى الوطني
العام، وخاصة من قبل ابناء طائفته ذلك ان النار التي اطلقت في الشمال لم تستهدف نجيب ميقاتي الشخص، بل استهدفت نجيب ميقاتي رئيس الحكومة، المرجع السني الاول،
بضربة ليس اقل نتائجها اضعافه وبالتالي افقاد الرئاسة الثالثة توازنها وهيبتها وموقعها ومحورية دورها التنفيذي على رأس السلطة السياسية.
لقد تنبّه فريق السلطة الجديد بكليته الى مصادر إقلاقه، وأعطي فرصة استيعاب الخطر والحفاظ على هيبة الدولة، لا بل انه حدد له منذ الآن خطة من أبرز عناوينها
تحصين الوطنية وتماسك مؤسسات الدولة وتناغمها والمزيد من التلاحم مع سوريا بموجب الاتفاقيات المعقودة بين الدولتين، ومزيد من الحذر من المجموعات التي يبدو انها
استعدت طوال الاشهر الماضية وظهرت الى العلن مجددا وتسعى الى استهداف النظام السوري من لبنان وإلى استهداف الحكومة اللبنانية وإلى ضرب منطق الدولة في لبنان.
فعلا رحم الله رفيق الحريري.
No comments:
Post a Comment