رئيس الحكومة لـ«السفير»: الاستقرار والحقيقة مسؤوليتي 14 آذار «تستنفر» الخارج ضد ميقاتي
عشية انطلاق جلسات مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أعطى فريق 14آذار إشارة واضحة جداً الى نيته فتح كل الجبهات على ميقاتي، «مستقويا» عليه
بالقرار الاتهامي، وموحياً بأنه يملك قابلية لتجاوز قواعد اللعبة وخوض معركة «كسر عظم» ضد رئيس الحكومة، لن تكون الجلسات النيابية إلا فصلها الاول.
وتجاهلت قوى 14آذار في البيان الصادر عنها أمس الأدلة والقرائن التي قدمها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في معرض تأكيده عدم أهلية التحقيق الدولي
والمحكمة الدولية للكشف عن الحقيقة وبلوغ العدالة، وبدا انها مصممة على خوض معركة سياسية ـ إعلامية مقررة سلفاً للإنقضاض على الحكومة ورئيسها، مستخدمة القرار
الاتهامي، كرأس حربة في هجومها الذي جهزت له «العدة والعديد» خلال لقائها الموسع، في البريستول.
واتسم البيان الصادر عن المجتمعين بلغة حادة ومتوترة، خلافاً للمزاج الشعبي العام الذي تعامل مع صدور القرار الاتهامي برباطة جأش ومسؤولية وطنية، علماً ان تفاصيل
المناقشات الداخلية في قاعة «البريستول» عكست مداخلات متطرفة لعدد من الشخصيات المشاركة، فيما كشف الوزير مروان حمادة عن ان لديه معلومات مستقاة من قلب التحقيق
الدولي تؤشر الى ان هناك دفعة جديدة من القرارات الاتهامية ستصدر تباعاً!
وكان واضحاً ان قوى 14 آذار استبقت جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة بمحاولة ابتزاز رئيسها وفرض الشروط عليه، حيث دعته بلغة التهديد والوعيد الى الإعلان
عن التزامه الصريح بالقرار 1757المتعلق بالمحكمة الدولية، قبيل انطلاق الجلسات صباح غد، وإلا فإن عليه ان يرحل هو وحكومته غير مأسوف عليهما، كما جاء في البيان
الذي تلاه الرئيس فؤاد السنيورة، بما أظهر ان هناك تصويباً مباشراً على رأس ميقاتي بالذات، سيأخذ مداه وجهاً لوجه في مجلس النواب.
ولعل الأخطر في البيان هو ان فريق 14 آذار ذهب في تصعيده الى حد التهديد المباشر و«على المكشوف» بتحريض الحكومات العربية والمجتمع الدولي على عدم التعاون مع
حكومة ميقاتي في حال عدم التزامها بالمحكمة، ما دفع المراقبين الى التساؤل عن خلفيات هذا الطرح وعما إذا كان يستند الى معطيات سياسية ام انه يعبر فقط عن أماني
أصحابه.
وفي حين كان من المتوقع أن يغيب الرئيس سعد الحريري عن لقاء «البريستول»، فإن المفاجأة تمثلت في غياب رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي فضّل ان يزور الإمارات
العربية المتحدة على المشاركة في اجتماع 14آذار، برغم ان المعارضة الجديدة كانت قد منحت هذا الاجتماع الكثير من الاهمية.
وقد صدر عن قوى 14 آذار بعد اجتماعها في «البريستول» بيان رفضت فيه «أن يأتي البعض ليضعنا أمام معادلةٍ ظالمة وغير أخلاقية، مفادُها أن العدالة تهدّد السلمَ
الأهلي وأنها لن تطبّق في لبنان ولو بعد قرون». واعتبرت انه لم يعد مقبولاً بعد كل تلك التجارب المريرة، ان يبقى السلاح غير الشرعي وصيّاً على الدولة في التحكم
بمسؤولياتها الوطنية.
وأضاف البيان: بعد ما سمعناه بالأمس من منطق يعتمد غلبة السلاح والقوة على كلّ اللبنانيين ما أكد ارتهان الحكومة لهذا المنطق، نطالب رئيس الحكومة بإعلان التزامه
أمام المجلس النيابي صباح الثلاثاء بالقرار 1757 بشكلٍ صريحٍ ومباشر وإعلان التزامه الخطوات التنفيذية لهذا القرار أو.. فليرحل هو وحكومته غيرَ مأسوف عليهما.
وحددت قوى 14 آذار خطواتها المقبلة كالآتي:
أولاً: مواجهة المسار المُدَمّر للعيش المشترك وللدولة وللنظام السياسي، الذي بدأ بالاستيلاء المسلح على العاصمة عام 2008، والذي لم يَحُل دونَ استمراره وتفاقُمِهِ
اتفاقُ الدوحة، ولا فوزُ قوى 14 آذار في انتخابات عام 2009، ولا حكومات الوفاق الوطني، ولا سعيُنا الدائم لتغليب اعتبارات المصالحة الوطنية.
ثانياً: مباشرة العمل لإسقاط هذه الحكومة التي جاءت بانقلاب، ابتداءً من الثلاثاء ما لم يعلن رئيس الحكومة التزامه تنفيذ القرار 1757 .
ثالثاً: إطلاق حملة سياسية عربية ودولية لإخراج الجمهورية من أسر السلاح، والطلب من الحكومات العربية والمجتمع الدولي عدم التعاون مع هذه الحكومة في حال عدم
تنفيذها مندرجات القرار 1757.
رابعاً: ستقوم قوى 14 آذار بكل الخطوات السلمية التي تراها مناسبة حفاظاً على دماء شهداء ثورة الأرز ومستقبل العدالة والأجيال الصاعدة في لبنان.
ميقاتي: تلازم الحقيقة والاستقرار
وإذ رفض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التعليق على بيان «البريستول»، قال لـ«السفير» إن هناك تلازماً بين الحقيقة والاستقرار، وهما يسيران سوية، «وأنا منذ اليوم
الأول لتكليفي وحتى الآن، أكرر على مسمع ومرأى كل اللبنانيين هذه المعادلة، انطلاقاً من المسؤولية الوطنية الكبرى الملقاة على عاتقي». وأضاف: حماية لبنان واستقراره
مسؤوليتي والحقيقة أيضاً مسؤوليتي، وهل سمع أحد من اللبنانيين كلاماً صادراً عني أنني ضد الاستقرار أو ضد القرار 1757؟
وأكد ميقاتي انفتاحه على كل نقد بناء وإيجابي، داعياً إلى تحويل جلسات مناقشة البيان الوزاري اعتباراً من يوم غد، إلى جلسات للحوار البناء والمفيد والايجابي،
بما يعزز ثقة اللبنانيين ببلدهم حاضراً ومستقبلاً.
جلسات الثقة
وبينما تُعقد غداً أولى جلسات المناقشة العامة للبيان الوزاري للحكومة، علمت «السفير» ان رئيس مجلس النوب نبيه بري سيدير الجلسات على قاعدة حق كل نائب في التعبير
عن آرائه، ضمن الضوابط التي تمنع التعرض للآخر والتهجم عليه، وبالتالي فهو سيتدخل لتصويب المسار كلما شعر ان هناك انتهاكاً لهذه الضوابط. ويترأس بري اجتماعاً
اليوم لكتلة التنمية والتحرير من أجل تحديد اسماء نواب الكتلة الذين سيتكلمون في المجلس، وتوزيع المحاور التي سيتطرقون اليها.
وقال مرجع بارز في الاكثرية لـ«السفير» ان نواب 8 آذار لن يبادروا الى التصعيد من جهتهم، خلال الجلسات العامة، بل هم يتطلعون الى نقاش هادئ وموضوعي، حرصاً على
الاستقرار العام في البلد ومنعاً لأي تحريض يوتر الشارع الذي أظهر حتى الآن قدراً عالياً من الانضباط، بكل تلاوينه.
ولكن المرجع لفت الانتباه الى انه إذا تجاوز نواب 14 آذار السقف المعقول في خطاباتهم، فهم سيلقون الرد المناسب ومن الوزن ذاته، مؤكداً ان رغبة الاكثرية في تمرير
جلسات المناقشة بأفضل الأجواء الممكنة لا يعني انها ستتصرف على أساس «من ضربك على خدك الإيمن، در له الأيسر»، بل ان كل صفعة سيُرد عليها بصفعة مماثلة.
وإذ اعتبر المرجع ان ردود الفعل الاولية التي تلت صدور القرار الاتهامي بدت واقعية وغير حادة، لاحظ ان خطاباً متشنجاً ومسموماً بدأ يطل برأسه في الساعات الاخيرة،
بما يتعارض مع متطلبات الحفاظ على الاستقرار الداخلي.
وعلمت «السفير» ان الرئيس نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وجها تعميماً شفوياً، يوم صدور القرار الاتهامي، الى كوادر حركة أمل وحزب الله
لضبط النفس والحفاظ على الهدوء، فيما كان التنسيق قائما بين أحمد البعلبكي عن الحركة ووفيق صفا عن الحزب للاشراف الميداني على تطبيق التعميم، والتأكد من احترام
قواعد التنظيمين له.
نصرالله: القرار الاتهامي عدوان
وكان السيد نصرالله قد فكك أمس الاول بنية المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي، عبر ملف متكامل قانونياً وسياسياً، أظهر ان حزب الله أعدّ جيداً لمعركة ما بعد
صدور القرار، وأوحى ان في جعبته المزيد من الأوراق الرابحة التي سيلعبها في الوقت المناسب.
وإذ استغرب نصرالله إصرار دانيال بيلمار على تجاهل الفرضية الاسرائيلية برغم القرائن التي قدمها حزب الله، عرض وثائق تفضح التحقيق والمحكمة وفريق عملها، بدءاً
من بعض المستشارين المعادين للمقاومة والمتعاونين مع المخابرات الاميركية، مروراً بنائب رئيس لجنة التحقيق غيرهارد ليمان الذي جرى تصويره وهو يرتشي، وصولا الى
رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي الصديق الكبير لإسرائيل.
وأكد ان التحقيق الدولي والمحكمة وقراراتها وما ينتج عنها «هي بالنسبة إلينا أميركية إسرائيلية بوضوح»، رافضاً «كل ما يصدر عنها من اتهامات باطلة أو أحكام باطلة،
ومعتبراً إياها عدواناً علينا وعلى مقاومينا وظلماً لشرفاء هذه الأمة».
ودعا قوى 14 آذار الى عدم الطلب من الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته ما قَبِل الرئيس سعد الحريري أن يتخلى عنه لكي يستمر رئيساً للحكومة، متسائلا: لو لم تكن اليوم
هناك حكومة يرأسها الرئيس ميقاتي بل كانت برئاسة السيد سعد الدين الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة وتضم متطرفي 14 آذار، هل كانت هذه الحكومة لتستطيع أن تعتقل
هؤلاء الأشخاص؟ هي لن تستطيع أن تفعل ذلك، وأعتقد أنه لا بـ 30 يوماً ولا بـ 60 يوماً ولا بسنة ولا بسنتين ولا بـ30 سنة ولا بـ300 سنة يقدرون أن يجدوا أو أن
يعتقلوا أو أن يوقفوا.
وأكد انه «لن تكون فتنة بين السنة والشيعة في لبنان ولن تكون حرب أهلية إن شاء الله»، مشيراً الى ان «بعض مسيحيي 14 آذار يحلمون بشيء من هذا النوع، ويريدوننا
أن نذهب إلى فتنة، ونحن حفاظاً على بلدنا وشعبنا وأهلنا والأمن والاستقرار والسلم الأهلي، يجب أن نصبر على أي استفزاز».
مصر وإيران
وفي الأصداء الإقليمية للقرار الاتهامي، نقلت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» عن وزير الخارجية المصري محمد العرابي قوله إن القاهرة «حرصت منذ البداية على تحقيق
العدالة، ليس انطلاقاً من الالتزام القانوني والأخلاقي بتحقيق العدالة ومعرفة الحقيقة فحسب، وإنما أيضاً باعتبار أن تحقيق العدالة هو الطريق الوحيد لردع الجناة
ووقف الاغتيالات». ورأى العرابي أن «لا مجال للمفاضلة في لبنان بين العدالة والاستقرار حيث أن العدالة هي مطلب لكل لبناني وهي الضامن الحقيقي للاستقرار»، معتبراً
أن «تحقيق العدالة يقتضي استمرار عمل المحكمة الدولية وفقاً للتقاليد والأصول القانونية». وأضاف أن «التحقيق سيجري مع أفراد متهمين، وليس مع تنظيمات أو جماعات
سياسية أو دينية، انطلاقاً من افتراض البراءة في كل متهم حتى ثبوت الإدانة»، معرباً عن ثقته بالتزام الفرقاء اللبنانيين بوحدتهم الوطنية.
وأكد رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني، ان المحكمة الخاصة بلبنان «مسيسة» «وغير نزيهة» وان توجيهها الاتهام الى عناصر في حزب الله «لا اهمية له». فيما
قال السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن أبادي لـ«السفير» ان ايران تؤيد عدالة دولية غير مسيسة.
No comments:
Post a Comment