النفط: تسوية المجلس والحكومة بتوقيع برّي
من أجواء المناقشات في جلسة اللجان النيابيّة أمس (علي فواز)
باشرت اللجان النيابيّة المشتركة أمس مناقشة اقتراح قانون التنقيب عن النفط البحري. جاءت نتيجة النقاشات كما كان متوقعاً، في إعطاء الحكومة مهلة أسبوعين للانتهاء من بحث المشروع المقدّم لها وإرساله إلى المجلس، لتطغى التسويات السياسية على الملف النفطي، من دون أن تميّزه عن أي أمر آخر نظراً إلى أهمياته المتعددة
نادر فوز
بات في لبنان نفط، وانطلق النقاش الجدي في كيفية الاستفادة من هذه الثروة. إلا أنّ الأمر لم يمنع المسؤولين والكتل السياسية ورؤساءها من ترك «موتور» صراعهم الداخلي شغّالاً، غير آبهين بما يجري خلف الحدود الجنوبية من استعدادات لوجستية قد تنتج منها الثروات بدءاً من عام 2012.
توجّه خمسة وستّون نائباً إلى قاعة مجلس النواب أمس للمشاركة في جلسة اللجان المشتركة لمناقشة اقتراح القانون المتعلق بالموارد البترولية والنفطية في المياه البحرية، والمقدم من النائب علي حسن خليل. وبحضور كل من الوزراء جبران باسيل، ريا الحسن، محمد رحال وميشال فرعون، ترأس الرئيس نبيه بري الجلسة التي نتج منها إقرار المادة الأولى المتعلقة بالتعريفات وتأكيد استكمال النقاش في 12 تموز المقبل، فأُقرت 26 نقطة موزعة على خمس صفحات، تتضمنها المادة الأولى. ورغم أنّ إقرار هذه المادة ليس أمراً ذا وزن، إلا أنها تعني بالدرجة الأولى أنّ المجلس يسير في اتجاه مناقشة المشروع وإقراره.
لم يعد خفيّاً على أحد أنّ جلسة أمس حدّدت شكلها ومضمونها مجموعة الاتصالات التي سبقتها قبل ساعات، وأنها باتت تخضع لمنطق التسوية السياسية، لا لقوة أكثرية نيابية ما. وفي تفاصيل التسوية التي أدت إلى عقد الجلسة وعدم تطيير النصاب، تشير مصادر مطلعة إلى أنّ تأخير الحكومة في مناقشة المشروع الذي قدمه الوزير جبران باسيل قبل نحو ثلاثة أشهر دفع الرئيس بري إلى تقديم اقتراح القانون عبر النائب علي حسن خليل، للضغط على الحكومة ودفعها إلى إعادة الاعتبار لمشروع باسيل.
الاتصالات التي سبقت الجلسة هي التي حددت شكلها ومضمونها
وفي الاتصالات التي سبقت الجلسة، يؤكد مطلعون على أنه جرى التفاهم بين الرئيسين بري وسعد الحريري على تحريك الملف في مجلس الوزراء. ودار نقاش بين الطرفين حول المهلة التي ينبغي للحكومة فيها الانتهاء من درس المشروع، فطرح بري مهلة أسبوعين، ليشدد الحريري بدوره على أنّ الموضوع بحاجة إلى وقت أكثر، فاتُّفق على أنّ تنهي اللجنة الوزارية المختصة نقاشها في مهلة أسبوعين وتطرح مشروعها على الحكومة التي ستحوّل بدورها المشروع إلى المجلس النيابي. من هنا يمكن الربط بين هذه المهلة والموعد المقبل الذي حدده الرئيس بري لجلسة اللجان المشتركة في 12 تموز.
ويشير مطّلعون إلى أنّ التسوية تمّت على أن أياً من الطرفين لم يتراجع، فعقد بري الجلسة وخرج بانتصار في الشكل والمضمون عبر إقرار المادة الأولى من الاقتراح. ونال الرئيس الحريري وفريقه المهلة الزمنية التي يريدانها لمناقشة المشروع. لكن في شكل التسوية يبدو محور الأقلية السابقة متقدماً على الأكثرية السابقة، على اعتبار أنّ الجلسة لم تفقد النصاب، والأكثرية احترمت مجلس النواب وعمله من دون الاحتجاج على أنه يستبق عمل الحكومة ورئيسها.
وفي الشق السياسي العملي لتسوية التنقيب عن النفط، ثمة من يقول إن لكل من الفريقين قراءة، إلا أنها تتمحور حول الفكرة نفسها: الظروف والموازين السياسيتين. بمعنى أنّ الرئيس بري يرى أنه في الظروف الحالية يمكن فرض الشروط التي يريدها، لكون الأقلية استعادت أكثرية مجلس النواب. فيما يرى فريق الحريري أنّ تبدّل الظروف ممكن، وبالتالي يمكن أن تزول كل شروط الطرف الآخر. يضاف إلى ذلك ما يتحدث عنه بعض الأكثريين عن حجب الذرائع عن المقاومة، على اعتبار أنّ وجود حقول نفطية مشتركة بين لبنان وإسرائيل، يعزّز فكرة المقاومة ودورها ومبدأها. لذا، يرى هؤلاء الأكثريون أنّ من الضروري وضع الملف النفطي على نار أكثر من هادئة، حتى يجري استغلالها من الفريق المساند للمقاومة.
ويتحدث نواب مقرّبون من الرئيس بري عن وجود جوّ داخل الجلسة «حاول التفتيش عن الذرائع وتعطيل عملية النقاش والبحث عن العلل». ويشيرون إلى طرح مجموعة نيابية قريبة من النائب فؤاد السنيورة أسئلة مثل «لماذا الاستعجال في بتّ الموضوع، ومدى صلاحية مناقشة مجلس النواب للاقتراح في ظل مناقشة الحكومة المشروع نفسه».
وقبل الدخول في النقاشات والمداخلات، تجدر الإشارة إلى أنّ نص اقتراح النائب علي حسن خليل، هو المسوّدة ما قبل الأخيرة لمشروع الوزير جبران باسيل، الذي ورث بدوره أساس نصه عن الوزير السابق للطاقة، آلان طابوريان.
أما في تفاصيل جلسة أمس، فباشر الرئيس بري التأكيد أنّ عمل مجلس النواب لا يتعارض مع عمل الحكومة، مشدداً على ضرورة كسب الوقت والبدء بإقرار المواد التي يُتَّفَق عليها حتى قبل إرسال الحكومة للمشروع. فقال: «نتعاطى مع الحكومة من منطلق الإسراع لا الخلاف». وقدم بري عرضاً تاريخياً لملف النفط، داعياً إلى تحديد الحدود الاقتصادية لتثبيت حق لبنان في الأمم المتحدة بمواجهة التهديدات الإسرائيلية.
وخلال الجلسة التي دامت ثلاث ساعات إلا ربعاً، قدم الوزير باسيل المشروع الذي سبق أن طرحه على الحكومة، مؤكداً أنّ الفوارق بسيطة بين المشروعين، ومشدداً على مسؤوليّة الحكومة في إرسال الملف إلى مجلس النواب. وبعد تأكيده الأهمية الاقتصادية التي يمكن أن يمثلها النفط، أشار باسيل إلى الأطماع الإسرائيلية، ما يستوجب إسراع اللبنانيين في بتّ هذا الملف وإطلاق المشاريع التنفيذية للتنقيب عن النفط.
من جهة أخرى، أكد النائب نواف الموسوي مجموعة من النقاط الأساسية، منها أنّ المخزون الغازي هو من حق لبنان. وشدّد على أنّ النفط يأتي لتلبية الحاجة الاقتصادية اللبنانية، ما يلزم الدولة بالمبادرة إلى عملية التنقيب. وأشار الموسوي إلى أن الإسرائيليين باشروا عملية التنقيب، وسيبدأون الإنتاج عام 2012. وتطرق إلى عناوين تقنية، أبرزها أنه مع تطور تقنيات الحفر الأفقي يمكن الإسرائيلي أخذ الحصة اللبنانية من النفط.
خرج بري بانتصار في الشكل والمضمون عبر إقرار المادة الأولى من الاقتراح
وشدد الموسوي على أنّ انضمام لبنان إلى شبكة النفط والغاز، من شأنه أن يجعل لبنان في شبكة الاستقرار القسري، بمعنى أن «الشركة الأجنبية التي ستنقّب وتسدد كلفة بين 300 مليون دولار ومليار دولار، ستكون دولها مضطرة إلى محاذرة أي استفحال إسرائيلي للحرب». ورأى الموسوي في حضور بري الجلسة وترؤسها «دليل وجود أزمة، ولا أخفي أحداً أنه يعتريني القلق بأن تعقيدات التوازنات الداخلية بأبعادها الخارجية قد تحرمنا هذه الثروة، كما حرمتنا سابقاً الموارد المائية».
أما النائب عمار حوري، فأشار إلى أنّ «الطبيعة التقنية لمشروع التنقيب عن النفط تحتاج إلى أن يخرج الملف من الحكومة التي يمكنها الاستعانة بالخبراء والمختصين من دون أن يتعارض ذلك مع حق النائب بتقديم اقتراح قانون»، مضيفاً أنّ على الحكومة القيام بواجباتها.
وعبّر النائب نبيل دو فريج عن ضرورة ترك الملف لمجلس الوزراء، على اعتبار «أننا (كنواب) لا نفهم في مثل هذه المواضيع التي تحتاج إلى متخصصين، لذا يجب إيجاد الحلول لها في جلسات الحكومة»، ما دفع الرئيس بري إلى الردّ: «هل الوزراء في الحكومة يفهمون أكثر منا؟ المستشارون هنا وهناك هم أنفسهم. والقانون فيلم مكسيكي، أي مترجم، لكونه منسوخاً عن تقارير ودراسات الخبراء النروجيين».
وفي أجواء وديّة أيضاً، وفيما كان النائب عاصم قانصوه يطالب بتغيير عنوان المشروع وعدم حصريته بالنفط البحري، علّق النائب إميل رحمة: «صحيح، يمكن أن يأتي من الجو، لنطرح قانون نفط جوّي».
من جهته، وجّه النائب محمد قباني مجموعة من الأسئلة، أهمها عن الهيئة المشرفة على تنفيذ عملية التنقيب، وهي النقطة الأخيرة من المادة الأولى المخصصة للتعريفات، مشيراً إلى أنّ التعريف فضفاض. إلا أنّ اللجنة سارت في التحديد المنصوص عليه وفق الاقتراح.
________________________________________
شفط النفط وجنس الملائكة
فيما كانت النقاشات تدور في جلسة اللجان المشتركة في المجلس النيابي أمس، سأل رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي، النائب وليد جنبلاط، عن أسباب «هذا الضجيح المفتعل حول ملف النفط»، طالباً «أولاً، بتثبيت حقنا القانوني في الحقول النفطية البحرية، على أن نرى في وقت لاحق أفضل الطرق لاستخراج هذه الثروة الوطنية ووضعها في صندوق سيادي بعيداً عن الهدر والمحاصصة وحتى الخصخصة». وأشار جنبلاط إلى أنّ «إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الاكتشافات، وهي كالعادة تستفيد من الخلافات الداخلية اللبنانية».
وقد استحوذ موضوع صلاحيّة كلّ من المجلس النيابي والحكومة في ما يخص النفط حيّزاً واسعاً من السجال السياسي غير المباشر، وخارج ساحة النجمة.
فقد أكد النائب محمد قباني أنه خلافاً لما كان يركز عليه الإعلام «لا خلاف بين الحكومة والمجلس النيابي، وبالتالي سواء أكنا نتحدث عن مشروع القانون الموجود لدى الحكومة أم اقتراح القانون الذي قدم، فقد وضعتهما لجنة من الخبراء بمعاونة البعثة النروجية التي تساعد اللبنانيين». وشدد قباني على أنّ الأهم هو استكمال النقاش «والاستمرار في التعاطي مع الملف بإيجابية، وأن نعمل معاً لإصدار قانون بسرعة دون تسرع، واستكمال الخطوات، وهي تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان».
ورأى النائب إبراهيم كنعان أن ثمة «دوراً لمجلس النواب الذي حفز الحكومة على أن تأخذ المبادرة بإقرار اقتراح مشروع قانون النفط، والدعوة إلى لجنة وزارية وتصارح المجتمع اللبناني والرأي العام بالمدّة التي تحتاج إليها لتقديم هذا المشروع إلى المجلس النيابي». وشدد كنعان على أن هذه الثروة النفطية «تعنينا جميعاً، ويجب السعي إلى المحافظة عليها، وعدم ترك الأمر للدول التي حولنا، وخصوصاً إسرائيل التي بدأت التنقيب عن النفط وبالتزام شركات، ونحن ما زلنا نتنافس سياسياً ومن له الحق ومن قبل من!».
أما صاحب اقتراح القانون، النائب علي حسن خليل، فشدد على تلاقي الحكومة والمجلس النيابي. وأبدى تفاؤلاً في الوصول إلى «وحدة موقف». ورأى أن «الأسبوعين المقبلين كافيان لحض الحكومة على أن تتخذ خطوات في اتجاه تعجيل إنجاز هذا الملف».
من جهته، أشار الوزير ميشال فرعون إلى وجود «حرص لدى الرئيس نبيه بري على الحفاظ على التوافق الداخلي، وحكمة الرئيس بري بإعطاء الحكومة دوراً لكي تقوم بواجبها في هذا الملف». وتمنى إعطاء الحكومة فرصة لإنجاز القانون «على أن يبقى دور المجلس النيابي في إطار المراقبة والمحاسبة».
وأكد النائب نبيل دو فريج أن سرعة الحكومة اللبنانية في إقرار قانون التنقيب عن النفط وتنظيمه هو «الرد الأمثل على تهديدات إسرائيل التي تحاول نهب هذه الثروة». ولفت إلى أنّ التهديدات الإسرائيلية وحّدت رؤية لبنان في التعامل مع هذا الملف.
إلا أنّ الوزير السابق، وئام وهاب، قدّم موقفاً مختلفاً، إذ رأى أن «البلد يشهد صراعاً بين أركان الدولة نفسها على ملف النفط المكتشف أخيراً، بينما نرى الإسرائيلي قد سارع إلى رسم الحدود كما يريد، وما زلنا نحن نتلهى بجنس الملائكة». أضاف: «يبدو أن المشكلة اليوم في كيفية استخراج النفط وغداً تكون في من يشفط هذا النفط، وخوفنا من أن يكون هذا هو سبب الخلاف، والدولة التي لا تسأل عن ثرواتها وحقها لا يمكن أن تحصّله لها دول وأمم أخرى».
عدد الثلاثاء ٢٩ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار
No comments:
Post a Comment