Thursday, August 19, 2010

تأملات في دروس تجربة سيسون وفي مهمة كونالي التي تبدأ بعد رمضان
من واشنطن الى بيروت: سياسة الوقت الضائع الأميركية

جو معكرون

واشنطن :
في الفترة الفاصلة بين مغادرة ميشال سيسون ووصول مورا كونالي، لا بد من تسليط الضوء على المرحلة الانتقالية في السفارة الاميركية في بيروت، التي طبعتها مرحلة
سيسون وتأثير كونالي المحتمل على التعبير عن السياسة الاميركية والطبيعة المتحولة لدور مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان الذي يبقى اكثر الناس في واشنطن نفوذا
في الشأن اللبناني منذ العام 2005.
كان فيلتمان سفيرا فوق العادة في بيروت. يرسل تقارير مطولة ومفصلة تعكس حشريته الفكرية وحماسته حيال لبنان، تنال استحسان كبار المسؤولين في الخارجية الاميركية
لدرجة حصوله على معاملة استثنائية بعقد لقاء شبه اسبوعي عبر الفيديو مع وزيرة الخارجية السابقة كوندليسا رايس بفضل تسهيل رئيسه المباشر حينها مساعد وزيرة الخارجية
ديفيد ويلش، وكان ينعكس هذا الامر في المواقف الاميركية الكثيرة التي كانت تُطلق حول لبنان في تلك المرحلة المغايرة.
عند وصولها الى بيروت في شباط 2008 في منصب القائمة بالاعمال في انتظار انتخاب رئيس لبناني لتسليم اوراق اعتمادها، كانت سيسون حازمة في رؤيتها الى الوضع اللبناني
حيث صرّحت حينها «من المرفوض ان يستمر الفراغ او ان تتأجل الانتخابات الرئاسية». بغض النظر عن مضمون الكلام الدبلوماسي، كانت سيسون حينها مدركة لدورها في اكثر
السفارات نفوذا في مكتب الشرق الادنى في وزارة الخارجية. لكن مع تسلمها هذه المهمة، بدأ التحول الاميركي في النظرة الى الوضع اللبناني بعد اطلاق المفاوضات السورية
ـ الاسرائيلية غير المباشرة، في ظل قرار مركزي من البيت الابيض بالتهدئة مع دمشق من دون الحوار معها.
في هذا الوقت، عاد فيلتمان الى واشنطن يتأقلم في منصبه الجديد كنائب رئيسي لمساعد وزيرة الخارجية. كان يريد أخذ الوقت لدرس الملفات الاقليمية التي تتجاوز القضية
اللبنانية التي اختبرها عن كثب خلال اربع سنوات. ظل في هذا المنصب حتى تقاعد ويلش في كانون الاول 2008 ليحل مكانه مؤقتا في الفترة الانتقالية قبل تولي فريق
عمل الرئيس باراك اوباما في كانون الثاني 2009. بدأت تنال تقاريره إعجاب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي أرادت استيعاب الملفات الكثيرة والمعقدة في الشرق
الأوسط حتى أصدر البيت الأبيض في نيسان 2009 قرار ترشيحه لهذا المنصب.
على عكس شغف فيلتمان بالتفاصيل اللبنانية، وصلت سيسون الى بيروت دبلوماسية زائدة الاحتراف وبدون احكام مسبقة، لكن لم يمر وقت طويل حتى بدأ تململها مما يجري
عندما اكتشفت انه لا يوجد سياسة اميركية حيال لبنان لاتباعها. ادارة جورج بوش اصبحت شبه غير معنية وبعدها إدارة اوباما غارقة في الملفات الاقليمية، لكن مع اشتداد
الاشتباك اللبناني قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، بدأت تشعر سيسون كأن فيلتمان يتجاوز دورها في بيروت، بحيث كانت تستغرب بأن القيادات اللبــنانية التي تلتقيها
تعرف الموقف الاميركي مسبقا وتبلّغها انها تجري اتصالات هاتفية مباشرة مع فيلتمان. ولم تحصل سيسون على موافقة لفترة عام على الاقل لعقد لقاء مع النائب ميشال
عون على سبيل المثال، بحيث كان هناك «فيتو» على اجراء اي لقاء مع رموز المعارضة حتى تشكيل الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري ونيلها الثقة، باستثناء رئيس المجلس
النيابي نبيه بري لانه يترأس مؤسسة مجلس النواب الدستورية.
مشكلة سيسون انها كانت تحاول إرضاء الجميع خلال مهمتها الدبلوماسية ولم تحدد شروط دورها منذ تولي منصبها في بيروت وكانت قلقة كثيرا من أخذ اي مبادرة قد لا تنال
اعجاب واشنطن، وانها كانت تفضل عدم التصريح بشكل دائم بعد كل اجتماع أو قبله كما كان يفعل فيلتمان الذي تمكن من احتراف لعبة الاعلام اللبناني. كانت سيسون تهتم
بتفاصيل السياسات لكن تجاهلت قليلا الصورة الاشمل للمقاربة الاميركية. وكان ينظر البعض الى صمتها على انه يخفي شيئا ما او انها تلعب دورا ما في رسم التحولات
اللبنانية، لكنها كانت لا تعطي توجيهات خلال لقاءاتها، رغم رغبة بعض القادة اللبنانيين سماعها، بل كانت تكتفي بطرح الاسئلة والاستفسار وابلاغ الموقف الاميركي
عند الحاجة.
تعرضت سيسون لانتقادات من اطراف لبنانية واميركية، بحيث تم تحميلها على سبيل المثال مسؤولية تحول النائب وليد جنبلاط، لا سيما من الاطراف المسيحية في «14 آذار»
في المراحل الاولى لانقلابه السياسي، لكن تحول جنبلاط كان غير مرتبط بتحول السفارة الاميركية بطبيعة الحال، هو الذي لم يقبل دعوة لزيارة واشنطن خلال اللقاء
الباريسي الاخير مع فيلتمان.
تمكنت سيسون في المحصلة، رغم الظروف المعقدة التي واجهتها، من استيعاب هذه المراحل الانتقالية في واشنطن وبيروت، وهي بدت اكثر ارتياحا في المرحلة الاخيرة بعد
تجديد فريق عملها في السفارة ووضوح رؤية المشهد اللبناني بعد تشكيل الحكومة وإدراكها لاقتراب موعد مغادرتها بيروت.
وحتى اللحظة الاخيرة من مهمتها الدبلوماسية، كانت سيسون تتفادى اقتراح سياسات عملية على واشنطن، وهي افكار جرى نقاش داخلي مكثف حولها في محاولة لبلورة معالم
سياسة أميركية حيال لبنان في هذا الوقت الضائع بانتظار تحديد اوباما خريطة طريق واضحة لرؤيته الشرق الأوسطية. أما فيلتمان، فجدول اعماله اصبح اكثر انشغالا منذ
بداية هذا العام وهو يمضي 70 الى 80 بالمئة من وقته على العراق، وزحمة الملفات الاقليمية تؤدي الى تراجع زخم متابعته التفاصيل اللبنانية، وهو حتى يوحي لمن حوله
بقراره أخذ مسافة عن الشأن اللبناني الذي يرى فيه مشاهد انقسام كثيرة مشابهة لملف العراق.
في عامها الاول في دمشق، كان على كونالي التعامل مع العلاقة الدبلوماسية الحرجة بين ادارة بوش والحكومة السورية ما انعكس على انتاج السفارة الاميركية في دمشق.
لكن بعد وصول ادارة اوباما، بدأت السفارة الاميركية هناك ترسل تقارير معمقة الى واشنطن لشرح تعقيدات العلاقة مع سوريا وسبل الانفتاح عليها في تلك المرحلة التفاؤلية
من الانخراط الدبلوماسي مع دمشق في بدايات ولاية اوباما. بعدها تم تعيين كونالي في تموز 2009 نائبة لمساعد وزيرة الخارجية تتابع قضايا مصر والمشرق العربي في
مرحلة بقيت فيها صامتة وبعيدة عن الاضواء على مدى عام تحديدا كأنها كانت تستعد لساعة مثولها امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 20 تموز الماضي من
اجل التصديق على تعيينها سفيرة في بيروت.
وقع الخيار على كونالي لاسباب كثيرة، منها بطبيعة الحال قربها من فيلتمان بحيث سيكون هناك انسجام ضمني بينهما في المرحلة المقبلة، لكن كونالي متمرسة في عملها
الدبلوماسي وبشخصيتها القوية وسيكون مثيرا للاهتمام متابعة اسلوب عملها في بيروت وادارتها السفارة الاميركية وعلاقتها مع واشنطن. كونالي ستصل الى بيروت مباشرة
بعد نهاية شهر رمضان، تأخرها مرتبط بشكل رئيسي بجدول اعمالها حيث تحتاج الى عقد اجتماعات في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الامن القومي في البيت الابيض.
المسؤول الاميركي السابق غراهام برينان يقول لـ«السفير» إن كونالي دبلوماسية لديها «حسن اطلاع وواثقة بنفسها، ليس لدينا أحد في وزارة الخارجية مؤهل أكثر ليكون
سفيرا لدى لبنان من مورا كونالي». يذكر برينان انها «تعرف المشرق جيدا ويمكنها التعامل مع السياسة اللبنانية» ويتابع مازحا «ليس لدى كل الاميركيين أفضلية في
التعامل مع لبنان، نحن جميعا في ورطة». ويرى برينان ان كونالي عملت مساعدة لفيلتمان على مدى عام قائلا «ما كانت لتكون في هذا المنصب الجديد اذا لم يكن لديها
علاقة عمل جيدة مع كل الناس الذين يعملون على هذه القضية».
وعن رؤيته لدورها في بيروت، يقول برينان «لا يمكننا معرفة ماذا سيحصل. سياسات الحكومة اللبنانية آخذة في التطور. هناك مشكلة جدية في العلاقة لأن لدى الولايات
المتحدة وجهة نظر مختلفة حول حزب الله. انها قضية رئيسية تحتاج الى نقاش». ويتابع برينان «لدينا المحكمة الدولية قادمة، كيف ستؤثر على العلاقة وكيف ستختلف الولايات
المتحدة عن حكومة لبنان حول وجهة النظر من المحكمة؟». ويتطرق ايضا الى احتمال الحرب مع اسرائيل قائلا «معظم الناس يعتقدون انها لن تحصل، لكن الخوف موجود». ويعتبر
ان كونالي لديها «اسلوب متزن ومتين. سوف تلعب دورا رئيسيا ليفهم الناس هنا في واشنطن وجهة النظر اللبنانية حول كل هذه القضايا، هذه هي وظيفتها».
تخلت ادارة اوباما عن لغة ادارة بوش حيال لبنان، التي صاغ فيلتمان جزءا كبيرا منها حين كان في بيروت قبل ان يشرف من واشنطن على تغيير أسلوبها. لا دخول اميركيا
هذه الايام على خط التجاذب الداخلي بقرار ذاتي وحتى بايحاء لبناني، التشديد هو على مؤسسات ومبادئ عامة وليس قيادات وشخصيات، وهناك تحولات أخرى بدأ مسارها البطيء
وليس هنا مكان نقاشها. لكن الادارة الاميركية تترك الباب مفتوحا بهدف تطمين الحلفاء، وتحرص ان يترافق اي اتصال او زيارة الى دمشق مع اتصال او زيارة الى بيروت.

في المحصلة، هناك حقيقة صعبة يتجاهلها كثيرون في بيروت وواشنطن: ليس هناك بكل بساطة سياسة اميركية حيال لبنان او حتى سوريا، هناك مجرد محاولات اقليمية لاستكشاف
دور واشنطن في المنطقة.
السفير

No comments:

Post a Comment