نظرة حكومية سلبية.. ومقاربات متأخرة للمشاكل
الجالية اللبنانية في ألمانيا: الأمان.. وصعوبة الاندماج
مارلين خليفة
برلين :
يخلط المسؤولون الألمان أحيانا بين اللبنانيين المهاجرين الى بلدهم وبين الفلسطينيين الذين يحملون وثائق لبنانية وبطاقات «الأونروا»، وبين الأكراد الذين سافروا
من لبنان، وبالتالي فإن عدد الـ80 ألفا الذي يقدمونه رسميا يصل أحيانا إلى 100 ألف إذا شمل الفلسطينيين والأكراد. إلا أن هذا الخلط لا ينفي أن أوضاع اللبنانيين
والفلسطينيين والأكراد وأحوالهم هي ذاتها، وكذلك أحوال الأتراك والمهاجرين الآخرين من دول أوروبا الشرقية.
في اليوم الثاني من ورشة العمل التي تنظمها وزارة الخارجية الألمانية في برلين، يمكن الاستنتاج بأن الحكومة الألمانية تعي تدريجيا مخاطر عدم اندماج المهاجرين،
لذا تقوم بإجراءات عدة تفصلها المسؤولة في وزارة العمل والشؤون الإجتماعية بيتينا سكاتات، مشيرة إلى «استحداث خطة لدمج المهاجرين عبر زيادة فرص التدريب اللغوي
والمهني وتأمين قروض ميسرة للشركات الصغرى، واقتطاع 10 في المئة من الموازنة لصرفها على قضايا المهاجرين، ومنها مشاريع مميزة».
ويبدو بأن اللغة هي العائق الأساسي أمام الإندماج فضلا عن الخوف الألماني المتجذر من فكرة الاختلاف ما يدفع بأعداد كبيرة من المهاجرين الى التقوقع على أنفسهم.
الحالة اللبنانية
تتبدل ظروف الهجرة بتبدل تواريخها، فاللبنانيون الذين وصلوا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الفائت بعدما حظوا بمنح تعليمية مستفيدين بمعظمهم من علاقات
الحزب الشيوعي اللبناني وأحزاب يسارية لبنانية أخرى بالحزب الاشتراكي الألماني الموحد (الشيوعي) في ألمانيا الشرقية (سابقا)، سرعان ما تكيفوا واندمجوا بعد الوحدة
الألمانية وبرز منهم أطباء ومهندسون وأصحاب اختصاصات عدة منهم على سبيل المثال لا الحصر ربيع وزهير الشاوي نجلا الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني
الراحل نقولا الشاوي، الياس جورج البطل، الى شخصيات أخرى تبقى أسماؤها حاضرة في السجل الذهبي اللبناني في ألمانيا.
الهجرة الكثيفة الى ألمانيا الغربية، بدأت بعد اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، وكذلك بعد الإجتياحات الإسرائيلية المتتالية للبنان (1978 و1982 تحديدا)،
فهرب قسم كبير من أبناء الجنوب ونالوا إقامات أو جنسيات، بعضهم كانوا رجال أعمال قصدوا المدن التجارية والصناعية والبحرية الكبرى مثل فرانكفورت ودوسلدورف وهامبورغ
وسواها وعملوا في القطاعين المصرفي والصناعي وعمل البعض الآخر من المهاجرين في تجارة السيارات والمطاعم وسواها من المهن الحرّة.
أكثر من 60 في المئة من المهاجرين اللبنانيين هم من أبناء الطائفة الشيعية ويعمل معظمهم في التجارة. يقدم الألمان نظرة غير موضوعية لواقع الهجرة اللبنانية مفادها
الآتي: «تعيش الجالية اللبنانية في جماعات منعزلة ولا تندمج مع المجتمع الألماني بسبب عدم تركيز اللبنانيين على إتمام علم أبنائهم الذين غالبا ما يتعرضون للتسرّب
المدرسي باكرا، ويذهبون لمعاونة أهلهم في أعمالهم، ما جعل الجيل اللبناني ـ الألماني الثاني والثالث غير قادر على الإندماج مع مجتمعه الجديد على الرغم من عيشه
في هذا المجتمع وتعلمه في مدارس ألمانية بشكل مجاني»، حسب أحد المحاضرين الألمان.
ترفض السفارة اللبنانية هذا التوصيف، بحسب مصدر ديبلوماسي لبناني متابع يشير «إلى إهمال جزء من اللبنانيين أنفسـهم لأهمية التعليم لأبنائهم وتركيزهم على العمل
ما يفقدهم فرص الإفادة من مجتمع بات مركزا للعلوم والفنون والثقافة والسينما الخ...». يضيف: «ثمة محاولة تقوم بها السفارة اللبنانية في برلين لتشجيع اللبنانيين
على الإنخراط في العمل التطوعي في قطاعات مختلفة منها الدفاع المدني والإسعاف والشرطة وسواها فيقدم المتطوعون نموذجا للشباب اللبناني الألماني الطالع للإنخراط
في مجتمعه الجديد»، ومن النماذج اللبنانية الناجحة مدرسة اللغة العربية التي تجمع 100 تلميذ لبناني يدرسون العربية والتاريخ والجغرافيا لكي يبقوا على تواصل
مع بلدهم الأم».
ويشير الديبلوماسي المذكور إلى أن «الحكومة الألمانية لم تحاول إلا متأخرة التفكير بهؤلاء المهاجرين وسواهم، وعلى الدولة الألمانية أن تبدأ بمراجعة معمقة لنظامها
التعليمي لمساعدة المهاجرين على تعلم اللغة ومتابعتهم للإفادة من طاقاتهم الكامنة، سواء العرب أو الأتراك أو سواهم».
ويخلص الديبلوماسي اللبناني الى القول بأن «الجالية اللبنانية في ألمانيا هي جبارة تتحمل ظروف العمل والطقس الصعب بحثا عن الأمان ولقمة العيش وبالتالي ينبغي
على هذه الجالية بذل جهد مضاعف لتعليم أولادها ليكونوا جزءا فاعلا في مجتمعهم الجديد، في المقابل على الألمان تحسين وتطوير نظامهم التعليمي لدمج من ليسوا من
أصول ألمانية».
وعي متأخر
إن وعي مشكلة الهجرة في ألمانيا تزايد بعد اكتشاف أن هذه المجتمعات تخرّج أشخاصا لا يتورعون عن الإنخراط في جماعات تمارس الإرهاب، وآخر النماذج الشاب العراقي
الذي فجّر نفسه في السويد وهو تلقى تعليمه في إنكلترا فضلا عن مئات الشباب الأوروبيين من اصول مختلفة الذين يهرعون للقتال في أفغانستان وباكستان أو تفجير أنفسهم
في العراق.
في دولة علمانية بنظامها تجهد الحكومة لإبعاد المنظور الديني عن شعبها، لكن المواطنين لا يتجاوبون معبرين عن استيائهم الدائم وخوفهم من بناء المساجد، ومن استقدام
أئمة يعلمون القرآن للمسلمين على مرأى ومسمع منهم وبلغات بلدهم الأصلية كما يحصل مع الأتراك خصوصا، علما بأنه يوجد في ألمانيا أكثر من 20 مليون نسمة من الملحدين
وسط 50 مليون مسيحي موزعين بالتساوي بين الكنيستين اللوثرية والكاثوليكية والبقية من ديانات مختلفة، وبالتالي ليس الدين من يحرك خوف الألمان بقدر ما هو الإختلاف
بحسب القس فولكي فايغل المسؤول عن الكنيسة اللوثرية في ألمانيا، واللافت للانتباه أن الكنيستين الكاثوليكية واللوثرية تتعاملان كإدارات رسمية مع «المؤمنين»،
إذ على المؤمن أن يدفع 9 في المئة من راتبه ليكون عضوا في الكنيسة ويمكنه عندما لا يعود راغبا في الدفع أن يشطب اسمه من الجدول الكنسي فلا يعود حينها قادرا
على الإفادة من «خدمات» الكنيسة بالإعتراف والقداس والإرشاد الروحي.
السفير
No comments:
Post a Comment