Thursday, March 10, 2011

إلى قداسة الحبر الأعظم: هؤلاء هم أحفاد مار مارون
انطوان عقل
قرأنا، وسمعنا الكثير من كلام بعض البطاركة والأساقفة والعلمانيين الذين حاضروا في حضرة قداستكم خلال انعقاد سينودوس الشرق الأوسط، وبخاصة ما ذكره بعض هؤلاء
من أن المسيحيين في لبنان محبطين زاعمين بالحرف «أن مسيحيي لبنان أصبحوا اليوم محشورين بين الزوال والانعزال مما يشكل تهديدا لنهاية دورهم التاريخي ورسالتهم».
ثم أضاف المتكلم قائلا: «كان لبنان يبدو لمعظم مسيحيي المنطقة ملجأ قد يقصدونه إذا زاد تردي أحوالهم في بلدانهم، ولكنه لم يعد اليوم كما كان في الماضي، مما
يضاعف أسباب القلق».
إن الذي يخاطبكم، يا صاحب القداسة، لم يكن له شرف المثول أمامكم ليؤكد لكم أن الكثير مما سمعتموه، لا يعكس الحقيقة، ويدل على جهل لتاريخ لبنان وتركيبته مدى
العصور، ما جعل سلفكم قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وهو من عظماء الكنيسة، يؤكد من على منبر قرب سيدة لبنان، على «أن لبنان هو أكثر من وطن، بل هو رسالة».

يا صاحب القداسة،
إن لبنان لم يكن ملجأ للمسيحيين على اختلاف مذاهبهم فحسب، بل كان أيضا ملجأ للمسلمين على اختلاف مذاهبهم.
في اوائل الجيل الخامس للميلاد، وبسبب اضطهاد بعض الرهبان المسيحيين لإخوتهم المقيمين معهم في أحد الأديار على ضفاف العاصي، هرب من بقي منهم على قيد الحياة
فجاؤوا لاجئين إلى لبنان.
وبعد مئتي سنة، في أوائل الجيل السابع للميلاد، وبسبب اضطهاد بعض المسلمين لإخوتهم المسلمين حول الخلافة، هرب بعض هؤلاء وجاؤوا لاجئين إلى لبنان. وكذلك القول
عمّن يُعرفون «ببني معروف»، فأصابهم الاضطهاد ايضا وجاؤوا لاجئين إلى لبنان.
وهكذا أصبح لبنان، على مر العصور، ملجأ للمضطهدين من كل دين ومذهب، ينعمون في ربوعه، في جباله وسهوله، ووديانه وشواطئه، بنعم الحرية، والتسامح، واحترام الغير،
والقبول به ما جعل سكان هذا الوطن أمة موحدة يفاخرون بها على سائر الأمم.
وكم، كنا تواقين إلى تذكير هؤلاء المتكلمين في حضرتكم، بأن أحد البطاركة الموارنة المقيمين في وادي قنوبين، وهو البطريرك يوحنا مخلوف، قد اضطر إلى ترك الوادي
هرباً من بطش أحد المقدّمين الموارنة، فجاء قاصدا الأمير فخر الدين المعني طلبا لحمايته، وبسبب غياب الأمير ولجوئه إلى توسكانا في إيطاليا هربا من شر والي الشام،
سارع ابنه الأمير علي إلى عرض ضيافته على البطريرك، وليسهم في بناء كنيسة السيدة في مجدل المعوش من جيبه الخاص حيث أقام البطريرك في تلك البلدة اثنتي عشرة سنة
مع إخوتنا من بني معروف.
وتجدر الإشارة، إلى أن جبل لبنان، أيام السلطنة العثمانية التي دامت أربعماية وسنتين، كان الوحيد بين البلدان التي سيطر عليها العثمانيون في البلقان والشرق
الأوسط وإفريقيا، الذي كان ينعم بالاستقلال في حكم الأمراء التنوخيين والبحتريين، والمعنيين، والشهابيين إلى جانب إخوتهم الموارنة.
وإن الحاكم العثماني جمال باشا، عندما نصب المشانق ضد اللبنانيين الأحرار المطالبين بسلخ لبنان عن السلطنة، فإنه لم يفرّق بين مسيحي ومسلم، فكان شهداء الوطن
ينتمون إلى كل الطوائف والمذاهب.
وإن الاعتداءات التي تعرض لها المسيحيون في تلك الفترة، وقبلها كانت جلها من الجيوش الأجنبية التي دخلت لبنان، وظل المسيحيون بالرغم من تلك الحقبة السوداء،
متجذرين بأرضهم متمسكين بها وبحرية معتقداتهم.
وكنا نود تذكير المتكلمين في حضرة قداستكم، بأن جميع الزعماء المسلمين، على اختلاف مذاهبهم، قد فوضوا أحد عظماء البطاركة الموارنة الياس الحويك ليمثلهم في مؤتمر
الصلح الذي انعقد في فرساي سنة 1919 ليطالب باستقلال لبنان وانسلاخه عن السلطنة، وتفويض فرنسا عن طريق الانتداب شؤونه طوال ربع قرن.
وغاب عن ذاكرة المتكلمين ان الذين غادروا لبنان خلال الحرب العالمية الأولى، او قبلها وبعدها، كانوا من المسيحيين والمسلمين على السواء، وذلك بسبب تردي الحالة
المعيشية وضيق ذات اليد، وهم اليوم منتشرون في شتى أنحاء العالم، ولم نسمع يوما ان أحداً منهم قد هاجر من لبنان بسبب الاضطهاد.
ولم يقل لقداستكم احد من المتكلمين ان لبنان يوم توحد جغرافيا وسياسيا لأول مرة في تاريخه في الأول من أيلول سنة 1920، رضي زعماؤه من مسلمين ومسيحيين بأن يكون
أول رئيس للجمهورية سنة 1926 من المسيحيين.
ويوم اعلان استقلال لبنان سنة 1943 ارتضى المسلمون ان يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا ضمن ما عرف يومذاك «بالميثاق الوطني».
كما ارتضى المسلمون اللبنانيون ان يتضمن الدستور اللبناني المنبثق من اتفاق الطائف حق الموارنة في الرئاسة الأولى التي أصبحت حقا دستوريا.
وكلمة الحق التي كان على المجتمعين قولها في حضرة قداستكم هي ان أسباب هجرة المسيحيين في الآونة الأخيرة تعود الى الاقتتال في ما بينهم وإشهار سلاحهم على بعضهم
البعض.
إضافة الى سلطة كنسية ضعيفة وانحيازها الى فئة منهم دون الاخرى بحيث لم يعد الأب حكماً حيادياً على مسافة واحدة من جميع أبنائه.
والأخطر من ذلك هو استنكاف المراكز المسيحية التي تملك عن طريق الهبات اكبر ثروة عقارية في لبنان، كما انها تملك العديد من المدارس والمعاهد والجامعات، والمستشفيات
التي تدر عليها مبالغ طائلة بملايين الدولارات، وهي، في الوقت نفسه، تصد أبوابها في وجه المحتاجين من طالبي العلم والاستشفاء والسكن والعيش الكريم.
يا صاحب القداسة،
اننا نلتمس من لدنكم، كي يعود هذا السينودس بالنفع على المسيحيين بالفعل لا بالقول، ان تتنازلوا وتعينوا لجنة تحقيق حيادية للنظر في أحوال الأموال والأوقاف
العائدة للبطريركيات والأبرشيات والرهبانيات، واقتراح الحلول الآيلة الى ضبط هذه الأموال وكيفية إدارتها وإنفاقها، ما يؤدي، بالتأكيد، الى الحد من هجرة المسيحيين
الراغبين في البقاء في أرضهم لانهم ليسوا محبطين على الاطلاق، بل هم فقط محتاجون الى وسائل العيش الكريم.
واننا على استعداد لتزويد اللجنة التي قد تسمونها بالمعلومات كافة حول أوضاع هذه المؤسسات التي تفتقد الى الرقابة والمحاسبة والمساءلة!

No comments:

Post a Comment