Sunday, June 5, 2011

واشنطن تفضل الفراغ الإيجابي وتبدي ليونة خجولة حيال مسار التشكيلالرهان الأميركي على «الوسطية» بعد سقوط حكومة الحريري
جو معكرون
عندما زار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري نيويورك في 28 كانون الأول للاطمئنان على صحة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، كان في المدينة خلال هذه
الفترة نائب طرابلس الذي كلّف بعدها بأسابيع تشكيل حكومة لم تبصر النور بعد. اجتمع نجيب ميقاتي هناك بمساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان
في «لقاء خاص» لم يتطرق مضمونه الى أي شيء يذكر سوى تحليل متبادل لأفق ما سميّ حينها بالمبادرة السورية - السعودية (السين سين على حد تعبير الرئيس نبيه بري).
هذا قبل اسابيع من اندلاع «الربيع العربي» الذي جعل لبنان تفصيلاً هامشياً.
كل من يحاور الرئيس المكلّف يشعر بأن لديه راداراً سمعياً وبصرياً يلتقط فيه الذبذبات الآتية من الخارج، يبقى قريباً بما يكفي من الدوائر السعودية والسورية
والاميركية، يريد سلطة تدار أزمتها من الخارج، كما فعل قبله سعد الحريري. ميقاتي مقتنع بأن نفوذ «حزب الله» لا يحتاج اليه، وسوريا لا تعنيها الحكومة اللبنانية
كثيراً هذه الايام، والمملكة العربية السعودية في طور من التمهل، لكنه لا يعرف سرّ واشنطن أو مفتاح الدخول اليها.
مشروع «الوسطية» بالمعيار اللبناني لم يكن فقط حلاً وسطياً بين اطراف الأزمة داخلياً، بل كان توقاً لاستعادة تقارب سوري - اميركي يؤدي الى تعديل الدينامية الداخلية.
هذا ما قاله النائب وليد جنبلاط للأميركيين في بدايات عام 2009، لكن رئيس المجلس نبيه بري لم يلتزم بملاقاته في منتصف الطريق وانتظرت هذه «الوسطية» لتبلور تنسيقها
حتى انتهاء مفاعيل المبادرة السعودية - السورية. أما التقارب الاميركي مع النظام السوري فقد أصبح صعب المنال، وتأثير «الوسطية» الداخلي يقتصر على منع فتيل المواجهة
طالما لا يوجد قرار خارجي بالتصعيد في ظل استحالة التقاء طرفي الازمة. وهنا وليد جنبلاط كلمة السرّ.
في الفترة قبل سقوط حكومة سعد الحريري، كان فيلتمان يحاول الاتصال بجنبلاط عبر الرسائل النصية (sms) على الهاتف الخليوي، في محاولة لإقناعه بأن يبقى في «الوسطية»
على الأقل وأن لا يساهم في المعركة السياسية التي تخوضها قوى «8 آذار» ضد سعد الحريري، لا سيما في تصويت مجلس الوزراء او في إسقاط الحكومة في المجلس النيابي.
وكان اللقاء بينهما في باريس في آب 2010، في الذكرى السنوية الاولى لخروجه من تجمع الرابع عشر من آذار. لكن في الأشهر الاخيرة، انعكس هذا الامر وبدأ جنبلاط
الاتصال بفيلتمان عبر رسائل نصية متبادلة وحتى مكالمات هاتفية قبل اللقاء الأخير بينهما خلال زيارة الدبلوماسي الاميركي الى بيروت في الشهر الماضي. كان يحاول
جنبلاط فهم موقف واشنطن من تشكيل الحكومة الجديدة وبعدها من التطورات في سوريا، فكان تبادل الأفكار بينهما في مواقف عبّر عنها وليد جنبلاط علناً في الفترة الاخيرة،
وفي وجهها الآخر كانت ايضاً محاولة لإبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الاميركيين.
ترجمة هذا الأمر لبنانياً كان بوقف فريق عمل الحريري التهجم الاعلامي على وليد جنبلاط وحتى صدور كلام بأن أبواب قريطم (وكذلك بيت الوسط) ستبقى مفتوحة عندما
يقرر الزعيم الدرزي زيارتها.
وبرغم خياراته السياسية المعلنة، لا تزال هناك رغبة اميركية بعودة التحالف مع جنبلاط وهناك همس اميركي يلمح الى رغبة بدعوة رئيس «جبهة النضال الوطني» الى واشنطن،
هو الذي رفض هذه الدعوة من فيلتمان في اجتماعهما قبل الأخير في باريس، حينها كان رد جنبلاط ان تلبيته لهذه الدعوة محرجة ولا تتناسب مع المواقف السياسية التي
يتخذها. اما رئيس الجمهورية ميشال سليمان فاتصالاته ليست حميمية الى هذا الحد مع المسؤولين في واشنطن، لكن لديه حساسية تجاه أي موقف اميركي من الادارة أو الكونغرس
يتعلق به.
«14 آذار» أيضاً مرّت بمرحلة ارتباك اميركي مع سقوط حكومة سعد الحريري، حيث ساد الاعتقاد في بعض الاوساط الحكومية في واشنطن انها على وشك التفكك، لا سيما مع
بدء حزب «الكتائب» التفاوض مع نجيب ميقاتي في المراحل الاولية من تشكيل الحكومة. شكاوى فريق عمل الحريري وصلت بسرعة الى الادارة الأميركية نتيجة هذا الامر،
فجرى الاتصال الاميركي بقيادة الكتائب لتوضيح مغزى قناة الاتصال مع ميقاتي، وكان الرد الكتائبي ان الحريري لا يحاور رئيس الحزب (أمين الجميل)، وهو بطبيعة الحال
تلميح مبطن الى التنسيق المحصور بتيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع.
هذه الرسالة وصلت الى الحريري الذي بدأ فريق عمله فجأة وفوراً بالتودد الى قيادة «الكتائب» وكان المخرج العلني حينها تفويض الرئيس أمين الجميل التفاوض مع ميقاتي
باسم «14 آذار». وبعد فترة من التردد حول المشاركة او عدمها في حكومة نجيب ميقاتي، حسم الجميل أمره حين فهم جدية الضغوط الاميركية وربط المشاركة بالتزام ميقاتي
عدم عرقلة عمل المحكمة الدولية.
والتلميح المتداول في بيروت حول «فيتو» الإدارة الأميركية على وزارتي الداخلية والدفاع ليس جديداً، وحصل حتى في مسار تشكيل حكومات سابقة، وطريقة إيصال الأميركيين
لهذه الرسالة ليس بطريقة مباشرة بل بالإيحاء الدبلوماسي. لكن بعض المسؤولين الاميركيين، الذين يدققون اكثر بالتفاصيل، يؤكدون أن بقاء وزارتي الداخلية والدفاع
ضمن حصة رئيس الجمهورية لا يعني بالضرورة استمرار المساعدات الاميركية للمؤسسات العسكرية وألأمنية اللبنانية، فمجلس النواب الأميركي خرج من «القبضة الديموقراطية»
وأصبحت اكثريته «جمهورية»، أي لا يمكن للادارة ضمان ان المساعدات لن تتوقف بأية حال لأن الكونغرس اصبح طرفاً نافذاً في رسم السياسة الاميركية في لبنان.
الرهان الأميركي هذه الأيام هو ان لا تخرج «الوسطية» عن مسار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كل شيء في لبنان يسير حالياً على توقيت هذه المحكمة وليس على توقيت
الحكومة العتيدة. القلق في واشنطن حول ما يحصل في الجنوب اللبناني اكثر بكثير من القلق على الدور الرسمي اللبناني حيال الحراك السوري. بعد لقاءاتها مع المسؤولين
المعنيين في بيروت، الادارة الاميركية في جوّ أن الحكومة اللبنانية العتيدة لن تتشكل قريباً، وواشنطن تفضل الفراغ الحكومي في هذه الفترة لكنها لن ترمي كل ثقلها
لمنع التشكيل. وهي تبدي ليونة في الفترة الآخيرة حيال فكرة حكومة تكنوقراط بدون وزراء «حزب الله» بل اقتصار المشاركة على سائر أطراف ما يسمّى الأكثرية الجديدة.
لكن بالنسبة الى الاميركيين، خلاصة الوضع في سوريا سيكون مدخل التعامل مع لبنان في المرحلة المقبلة.

No comments:

Post a Comment