كيف تخطط «الأكثرية الجديدة» للتعامل مع ريفي والحسن؟فيلتمان: الحكومة سورية بأحسن الأحوال.. وإيرانية بأسوأ الأحوال
عماد مرمل
تواجه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ اللحظة الاولى لولادتها تحديات داخلية وخارجية ضاغطة، الى حد انه لم يُترك لها فرصة ان تتقبل التهاني أو ان تلتقط أنفاسها
بعد اشهر من المخاض العسير.
محليا، قررت قوى 14 آذار ان تطلق العنان لمعارضة شرسة، لعلها الأسرع من نوعها في تاريخ الانظمة الديموقراطية، باعتبار انها افتتحت أعمالها حتى قبل ان ينتهي
الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي من تلاوة مرسوم تأليف الحكومة في قصر بعبدا. ثم جاءت أحداث طرابلس السوداء لتبين ان هناك من يستعجل إسقاط الحكومة في الشارع
وهي ما زالت في «الطور الجنيني»، مستبقا دور المؤسسات وفي طليعتها مجلس النواب، حيث يفترض ان تأخذ لعبة الموالاة والمعارضة مداها هناك.
وإزاء هذا الهجوم المبكر على السلطة المنبثقة من رحم الاكثرية الجديدة، نُقل عن مصدر قيادي بارز في هذه الاكثرية قوله في مجلس خاص انه ينصح فريق 14 آذار بالتعايش
مع حكومة الرئيس ميقاتي وتفادي استهلاك طاقته وتبذير جهده من دون طائل، لان العمر السياسي لهذه الحكومة هو سنتان، وهي ستبقى الى حين إجراء الانتخابات النيابية
المقبلة في صيف العام 2013، لا سيما انه من المعروف ان الرئيس ميقاتي متخصص بالانتخابات.
وإذا كان من بين أهداف الحملة العنيفة التي تشنها قوى 14 آذار على الحكومة القيام بخطوة وقائية لحماية رموزها في الادارة والأمن والقضاء ومنع الاستفراد بهم
والاقتصاص منهم، إلا ان وقائع اللقاء بين مرجع كبير ووزير الداخلية مروان شربل، بعد تأليف الحكومة توحي بأن مرحلة جديدة قد بدأت، وإن يكن من الصعب الحكم عليها
سلفا.
بعد التعارف الشخصي، دخل المرجع الكبير في صلب الموضوع مباشرة، داعيا شربل الى عدم التساهل في تطبيق القانون وعدم التمييز في تطبيقه بين طرف وآخر. وتوجه المرجع
الى وزير الداخلية بالقول: في ما خص أشرف ريفي ووسام الحسن، أنا أنصح بأن تكون حازما منذ البداية في تنفيذ القانون.. نحن لسنا بصدد ممارسة الكيدية والتشفي بحق
أحد من رموز الاجهزة الامنية، ولكن أي خطأ يرتكب من اليوم فصاعدا يجب ان يُحاسب صاحبه عليه، سواء كان ينتمي الى 8 او 14 آذار.
وتابع المرجع الكبير مخاطبا شربل: لن نعود الى الخلف.. سنضع خطا فاصلا بين الماضي والحاضر على قاعدة عفا الله عما مضى وفتح صفحة جديدة، مع ما يعنيه ذلك من تجنب
فتح ملفات قديمة، ولكن في الوقت ذاته ليس مسموحا الاستمرار في ارتكاب التجاوزات والمخالفات من دون ان تكون هناك مساءلة ومحاسبة.
وأبلغ المرجع وزير الداخلية انه من غير المقبول على سبيل المثال ان يتكرر سلوك قوى الامن الداخلي في مبنى الاتصالات في العدلية ونمط تعاطيها مع مخالفات البناء..
لقد ارسلوا 400عنصر الى المبنى بينما يتغاضون عن المخالفات او يكتفون بإرسال عدد غير كاف من الافراد لإزالتها، ثم ان فرع المعلومات ليس شعبة وعدد عناصره ينبغي
الا يكون 2500عنصر بالتأكيد كما ان دوره تضخم كثيرا وتجاوز الأطر المحددة له.
وفي موازاة الضغط الداخلي المتصاعد، ليس خافيا ان حكومة ميقاتي لم تلق حفاوة في الدوائر الغربية، ويبدو ان واشنطن فوجئت بتشكيلها، وقد وصلت الى عدد من المسؤولين
تقارير دبلوماسية من واشنطن، تعبر عن الصدى السلبي الذي تركته تشكيلة الحكومة في وزارة الخارجية الاميركية، وتنقل هذه التقارير عن مساعد وزيرة الخارجية جيفري
فيلتمان قوله ان الحكومة اللبنانية هي سورية في أحسن الأحوال، وإيرانية في أسوأ الأحوال.
ومع ذلك، فإن الإدارة الأميركية تربط موقفها النهائي الذي سيحكم طريقة تعاملها المستقبلي مع الحكومة الجديدة والجيش اللبناني بطبيعة البيان الوزاري والأفعال
الحسية، في تمايز عن إيقاع الكونغرس الذي يسير بسرعة مختلفة ويستعجل الوقف الفوري للمساعدات العسكرية للجيش ردا على تشكيل «حكومة دمشق وطهران».
وأغلب الظن، أن الاميركيين كانوا يفضلون ان يطول أمد الفراغ في لبنان، وأن يظل - بلغة قيادة السيارة - في وضعية الـ«بوان مور»، بحيث يبقى في مكانه فلا يتقدم
الى الأمام ولا يتراجع الى الوراء، تناغما مع حالة اللا استقرار التي تواجه دول الطوق المحيطة بإسرائيل من مصر الى سوريا مرورا بالأردن.
ويبدو أن الأميركيين كانوا يعتبرون ان الفراغ اللبناني هو خيارهم الأنسب في هذه المرحلة التي تشهد عملية إعادة صياغة للخريطة السياسية في المنطقة، وصل موسها
الى ذقن دمشق. وليس صعبا الاستنتاج أن واشنطن كانت تجد في حالة انعدام الوزن الحكومي فرصة لزيادة الضغط على النظام السوري ومنع حماية خاصرته الحدودية مع لبنان
الذي كان يراد له ان يبقى ساحة قابلة للتوظيف السياسي والميداني ضد نظام الرئيس بشار الاسد.
ولكن هذه «الوظيفة الافتراضية» للبنان، المتناغمة مع المصالح الاميركية، ضُربت في الصميم بمجرد تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي باتت قادرة على ملء الفراغ
بالكلمة المناسبة والاجراءات اللازمة، بما يُطمئن سوريا ويمنع استهدافها انطلاقا من الساحة اللبنانية، عملا بمقتضيات اتفاق الطائف ومعاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق
بين البلدين.
وترى اوساط الاكثرية الجديدة ان الحكومة لن تواجه عزلة إقليمية - دولية كما يروج فريق 14 آذار، مشيرة الى ان الحكومة ستلتزم بتطبيق القرار 1701 بحذافيره، «ولا
مبرر للتهويل علينا او لإخضاعنا الى امتحانات دولية في هذا المجال، المهم ان تلتزم إسرائيل باحترامه، أما في ما خص القرار الظني، فلا ضرورة لعبور الجسر قبل
الوصول اليه، ونحن سننتظر صدور القرار ونحكم عليه، لكن بالتأكيد لن نوقع منذ الآن على بياض ولن نلزم أنفسنا مسبقا بموقف سابق لأوانه».
وتؤكد الاوساط ان من اعتاد مطر الضغوط لن يخشى من بعض البلل، لافتة الانتباه الى ان التأليف ترك صدمة إيجابية في الخليج والمعطيات المتوافرة تشير الى ان طائرات
مليئة بالسياح العرب عموما، والخليجيين خصوصا، تتدفق الى بيروت.
No comments:
Post a Comment