سليمان ـ عون: لمَن الداخلية أولاً، ثـم يأتي التأليف
لم يُنهِ إعلان بارود أنه غير مرشح للعودة إلى الحكومة الأزمة التي تحيط بتأليفها (أرشيف بلال جاويش)
لم يعد في الإمكان معرفة مَن يسعه النجاح في وساطة بين الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون لتحقيق اتفاقهما على مصير حقيبة الداخلية، بعدما أصبح نزاعهما عليها أقوى من أي حلّ محتمل لها. وإلى ذلك الحين لا حكومة وشيكة
نقولا ناصيف
لم يُنهِ الموقف الذي اتخذه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود، بالإعلان أنه غير مرشح للعودة إلى الحكومة الجديدة، أزمة الاستعصاء التي تحيط بتأليفها. وإذ أخرج نفسه من السباق المحموم بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس ميشال عون على حقيبة الداخلية، أظهر في المقابل مكمن المشكلة، وهو إصرار كلّ من سليمان وعون على وضع اليد على هذه الحقيبة. لم يفضِ موقف بارود إلى توقّع التأليف، بعدما عزي التأخير إلى حقيبة الداخلية وحدها. ولا أفلحت كذلك الجهود التي بذلت بين قصر بعبدا وفردان والرابية لتسمية العميد بول مطر وزيراً للداخلية كحل وسط يقبل به سليمان وعون.
بذلك استقرت المعادلة الأحدث لنزاع الجنرالين على الآتي: لن يتفقا على بارود، ولا أسماء أخرى جاهزة للاتفاق عليها أيضاً.
واقع الأمر أن ما يتمسّك به رئيس الجمهورية يرفضه رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ومَن يقبل به الثاني يرفضه الأول للتوّ. لم ينجح خيار غير مألوف هو توسيط الجيش بينهما ـــــ وكلاهما قائد سابق له ـــــ لفضّ الاشتباك السياسي بينهما، وحملهما على القبول بشخصية افترض سعاة الوساطة أن أياً منهما لن يرفضها، إما لأن مطر ضابط في الجيش، وإما لأنهما يعرفانه تماماً. عرف سليمان مطر عندما وضع بين يديه ملف العلاقة مع القوة الدولية في الجنوب بعد صدور القرار 1701، وأصبح ضابط الارتباط بين الجيش بقيادة سليمان حينذاك وبين الأمم المتحدة. وعرفه عون منذ ما قبل عام 1986 عندما ناط به إنقاذ (الوزير) الياس المر من الكرنتينا إبان انتفاضة 15 كانون الثاني سنتذاك، وعرفه قائد كتيبة في اللواء الثامن.
تعثّر اختيار ضابط لوزارة الداخلية، من غير أن يبدو الاتفاق على توزير شخصية سياسية أمراً متاحاً. بل بيّن سليمان وعون أن توافقهما على اسم الوزير ـــــ أياً يكن ـــــ يصبح الحلّ السهل إذا اتفقا قبلاً على مَن تؤول بينهما حقيبة الداخلية. وفي ظلّ الإصرار المتبادل على أن يضع كل منهما يده عليها، لن تجد الحقيبة حلاً لها ما دام كل من الرجلين يمسك في يده عامل التعطيل الذي يحول دون إبصار الحكومة الجديدة النور: الرئيس يملك توقيع مرسوم التأليف، وعون يمثل أكثرية الأكثرية في قوى 8 آذار بما يمكنه من الحؤول دون منح الحكومة الثقة. كذلك لا يسع رئيس الجمهورية فرض أمر واقع بتوقيع مرسوم تأليف حكومة، يعرف أنها لن تمثل أمام البرلمان. ويعرف عون بدوره أنه لن يقبل بوضع الحقيبة للمرة الثالثة في عهدة رئيس الجمهورية سواء وُزّر بارود مجدّداً أو سواه.
على نحو كهذا، لن تبصر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي النور قريباً.
إلا أن لهذا الاستعصاء جوانب أخرى:
1ـــــ منتصف هذا الشهر (25 أيار)، يكون رئيس الجمهورية قد ختم السنة الثالثة من ولايته، ودخل في نصفها الثاني، وقد أهدرت النزاعات التي أحاطت بتأليف ثلاث حكومات متتالية أعوام 2008 و2009 و2011 سنة تقريباً من عهده في ظلّ تصريف أعمال: استنفد الرئيس فؤاد السنيورة لتأليف حكومته 44 يوماً، والرئيس سعد الحريري 135 يوماً، والرئيس نجيب ميقاتي (حتى اليوم في أحسن الأحوال) 99 يوماً. في الحصيلة 278 يوماً من الشغور توازي تسعة أشهر، فضلاً عن شهري تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء بسبب الخلاف على ملف شهود الزور.
2ـــــ يعزو بارود موقفه الأخير إلى الرغبة في ألا يكون عقبة في طريق التأليف، ويقول إنه حرّر نفسه من الرئيس والحقيبة في آن معاً، وحرّر الرئيس من أي التزام حياله، ووضع خياره في سياق تسهيل الحلّ بعدما أوحى الضغط الإعلامي والتجاذب السياسي أن المشكلة تنحصر في الوزير. يصرّ بارود في الوقت نفسه على جدّية خياره الذي فاتح الرئيس به في الأسابيع الأولى من تكليف ميقاتي، قبل ثلاثة أشهر، كي يؤكد اليوم أنه لا يناور، ولا يسبّب عقبات إضافية، ويترك للرجلين الخوض في خيار آخر يؤدي إلى تأليف الحكومة. يعرف حجم التحدّيات التي تنتظر حقيبة الداخلية في المرحلة المقبلة، من غير أن يشعر بأن في إمكانه ـــــ وهو على رأسها مجدّداً ـــــ تدارك ما لم يُتح له تحقيقه في السنوات الثلاث المنصرمة. لذا يفضّل ختم التجربة عند هذا الحدّ.
3ـــــ تكمن الحجة التي رافقت سهولة توزير بارود عامي 2008 و2009 في الاتفاق الضمني الذي كان قد لحظه اتفاق الدوحة لسليمان وعون معاً. عندما أقرّت مداولات اتفاق الدوحة وضع الحقائب الأمنية في عهدة رئيس الجمهورية التوافقي ـــــ وكان المقصود بذلك سليمان قبل انتخابه ـــــ قرن هذا الاتفاق، وقد اعترف بحصة للرئيس في حكومة المصالحة الوطنية، بتفاهم ضمني بينه وبين عون، يسمّي رئيس الجمهورية التوافقي الوزير ويوافق عليه عون. وُصِف اختيار بارود في وزارة الداخلية حينذاك بالتوزير الأسهل الذي لم يصطدم بعراقيل وعقبات شأن الحقائب الأخرى. برّرت تلك السهولة مواصفات بارود كوجه جديد لا يخرج من الطبقة السياسية التقليدية ولا يمثّل صورتها، وأراد سليمان وعون ـــــ كلّ تبعاً للرهان الذي كان يحمله ويعوّل عليه ـــــ تجسيد تجربة مختلفة في الحكم على طريق ما التقيا على المناداة به، سليمان منذ خطاب القسم عام 2008 وعون فور عودته إلى بيروت عام 2005، وهو التغيير والإصلاح وجبه الفساد. لم يستأثر أحدهما بالتسمية دون الآخر، ولم يُتح التوزير من دون موافقتهما.
العدد 1402
3 ايار 2011
الاخبار
No comments:
Post a Comment