قلعة شمالية على طريق الجمهوريةحصة سليمان فرنجية الحكومية: «بك» كوراني.. و«بك» زغرتاوي
فايز غصن
سليم كرم
غدي فرنسيس
منذ تكليف نجيب ميقاتي، قال سليمان فرنجية كلمته من فردان: «للحكومة الثلاثينية فايز غصن وسليم كرم». علا الضجيج ثم الصمت، والمد ثم الجزر في أشهر الفراغ الحكومي.
وفي المشهد الاخير، تبدلت كل الأسماء، أعيد تشكيل الصيغة الحكومية. وفي الصورة التذكارية الأخيرة، بقي اسما فرنجية كما قالهما. مضى سليمان بك في طريقه المرسومة
المحددة مسبقاً، من زغرتا إلى الكورة فلبنان، يبني قلعته الشمالية طريقاً للجمهورية. يحمل في السلّة، «فايز بك» وزيراً للدفاع من الكورة، و«سليم بك» وزيراً
للدولة من زغرتا، وابنه البكر «طوني بك»، مشروع نائب و«عريس سياسي».
مخلفات «ثورة الأرز» في أرض الزيتون
يتمدد زيتون الكورة من الساحل غربا إلى الجبل شرقا وشمالا ساحةً للحرب السياسية الباردة. بين بشري وزغرتا وطرابلس والبترون، يصبح القضاء الأخضر هو الحلبة الأساس
والأكثر تنوّعاً وحساسية للآذاريين على أنواعهم. مثلث أورثوذوكسي وسطي، طرف سني وطرف ماروني ولاعب علماني مترهّل وقديم. هنا الكورة حيث خاض حلف الثامن من آذار
أقسى معاركه السياسية وأفتكها. تراجع نفوذه وخسر معركتين نيابيتين. وفي الاستحقاق البلدي الاخير، فاز فوزاً خجولاً. قبل 2005 كانت الكورة «قضاء في الجيب». وبعد
2005 أصبحت الكورة «قضاء يجب استعادته».
حين أتت عاصفة «ثورة الارز» إلى الكورة، قلبت واقعها السياسي وأعادت ترتيبه. النائب فريد مكاري بقي في كرسيه النيابي لكنه انتقل من موقع الرجل الاول لدى الضابط
السوري «ابو ابراهيم» (طبعا في زمن الوصاية) إلى رأس حربة حريرية. فتح جبهة لفريق 14 آذار من الساحل الكوراني. الضابط «القواتي» القديم فريد حبيب الوفي لسمير
جعجع، حتى في زمن السر والاعتقال، عاد إلى قريته كوسبا نائباً، اشترى لنفسه منزلاً ملاصقاً لمنزل فايز غصن، ملأه حرّاساً قواتيين وأعلاما قواتية، وفتح جبهة
14 آذار من صوب الجبل الكوراني. في هذا الوقت، تحول العونيون من مجموعة مناضلين ضد «الوصاية السورية» إلى كوادر في «التيار الوطني الحر»، يقاسمون القوميين و«المرده»
الزيتون الكوراني. تحولت الكورة من معقل تاريخي للحزب السوري القومي الاجتماعي إلى ساحة خساراته الأكبر أمام حلفائه وخصومه في النفوذ والمقاعد والدور. وفتحت
خاصرة فرنجية الكورانية للقواتيين. وتخبّط العونيون في تجربتهم السياسية الجديدة.
«عسكر» للمرده في ساحة كوسبا
كل شيء تغيّر منذ إعلان الحكومة الميقاتية. أعيد تكريس نائب رئيس تيار «المرده» مرجعية سياسية من جديد. هذه المرة، حرّاس فريد حبيب يلتزمون باحة منزله الخلفية
ويتركون ساحة كوسبا للجيش المخصص لحماية وزير الدفاع الجديد.
حول منزل فايز غصن يتوزع أصحاب البدلات العسكرية المرقطة لحماية الرأس السياسي لمؤسستهم العسكرية. وداخل البيت يتحلق «المرديون» حول نصرهم الحزيراني. في المطبخ،
يشمت رجال فايز بك بجارٍ لوّعهم في حقبة «سلطنة القواتيين» التي بدأت مع اغتيال رفيق الحريري. يسأل واحدهم، «لمن كوب الماء البارد»، يرد الثاني ممازحاً «للشيخ
فريد، حرام عطشان».. يضحك ويضحكون. ابتسامات كثيرة في منزل الوزير الجديد. فرحة طال انتظارها «للتشفي من القوات واستفزازاتهم». توزير «المرده» الكوراني شفى
غليل الشارع القومي والعوني أيضاً. حتى أن أحد الكورانيين المهنئين يردد: «بغض النظر عن شخص فايز غصن... ما دام يواجه «الفريدين المكاري وحبيب» نحن معه». وفي
غرفة العمليات الجديدة، بين جنرالين مساعدين، يجلس فايز غصن ويتعرّف على مهماته كوزير دفاع لبناني في استحقاقه الاول: «علقانة بين الجبل (بعل محسن) والتبانة».
يرن الهاتف فيدخل المساعد ويخرج «معاليه» من بين زحمة المهنّئين. يحمل الهاتف الخلوي معلناً مرّة «علي عيد» ومرة «فخامة الرئيس»، وقبل وبعد، «العماد قهوجي»....
«كل شيء تحت السيطرة، كما تريد فخامة الرئيس، ونحن على تواصل مستمر بالجنرال جان قهوجي...». هكذا تنتهي المكالمة الهاتفية عصر الجمعة الماضي بين وزير الدفاع
الجديد ورئيس الجمهورية ميشال سليمان.
لماذا فايز غصن مرة أخرى؟
حمّل شباب «المرده» و«التيار الوطني الحر» والقوميين فايز غصن مسؤولية خسارة معركتين انتخابيتين في العامين 2005 و2009. الأسباب كثيرة. الابتعاد عن الناس. قلة
الخدمات. الافتقاد للكاريزما. عدم القدرة على شد العصب السياسي للائتلاف الكوراني الجديد الخ... بالمجمل حمّلوه مسؤولية تراجع نفوذ تياره لمصلحة القواتيين.
على الارض الكورانية، الجميع يعرف ان نفوذ فايز بك تراجع تدريجياً منذ عاصفة «ثورة الأرز» لا بل ربما قبلها. وبينما كان تيار «المرده» يخرج من إطار العائلة
ـ المنطقة، ويقدّم نفسه كحزب سياسي وطني ويدشن أكاديمية إعداد الكوادر، وتبدأ فروعه بالتمدد تلقائيا جنوبا الى جبيل وكسروان وبعبدا وشرقا نحو زحلة، جهّز شباب
«المرده» في الكورة وسواها أنفسهم ليستلموا الوزارات. حسابات الحقل لم تأت مطابقة لحسابات البيدر. تكررت تسمية أبناء البيوت السياسية التاريخية. المنتظرون أن
يأتي دورهم أصيبوا بإحباط وبينهم من ناضلوا وضحوا في سبيل «الخط». عادت الأسماء القديمة وعاد أبناء العائلات السياسية، وهنا بدأ التململ الصامت غير المعلن.
وضع «التقليد السياسي» ثقله، فطار الدكتور وسام عيسى من مسؤولية قيادة تيار «المرده» في الكورة. فجأة أضاف فايز بك لقب مسؤول تيار «المرده» في الكورة إلى ألقابه
الكثيرة. رداً على سؤال «من هو فايز غصن»؟ تختصر معادلة الكورة الاجابة بالآتي:
فايز غصن ابن عائلة «غصن» السياسية، متزوّج من يونا باخوس حكيم بنت البيت السياسي، والد نادين التي ستتزوج طوني سليمان فرنجية، نائب منذ العام 1992 حتى العام
2005 عن الكورة، نائب رئيس تيار «المرده»، مسؤول تيار «المرده» في الكورة، مؤخراً وزير دفاع في الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، وغداً (في العام
2013) مرشّح للنيابة من جديد.
يتساءل «مرديون» عن سر «اختيار فايز بك»، يجيب وزير الدفاع: مؤسسة «المرده» لا تريد إعطاء فكرة مذهبية مارونية عن نفسها. لديها امتداد أورثوذوكسي وسني وشيعي
وتتعاطى مع كل المذاهب.
وحين يسأل مباشرة عن السبب، يقول غصن: «السبب خبرتي السياسية وعصاميّتي... أنا كنت ولا أزال مرشّحاً للانتخابات النيابية».
أما عن زواج الأولاد، فيقول غصن «هذا موضوع آخر». هو ثمرة «25 سنة من العلاقة التاريخية المستمرّة بين البيتين». اليوم، يعاونه جنرالان متقاعدان. إيلي روحانا
من كوسبا ونسيم إندراوس من كفرعقا، يتولّيان معاونة البيك على ادارة وزارة العسكر... الهواتف الثقيلة. من الدفاع إلى الداخلية والجمهورية... جنرال يحيك العلاقة
مع العماد «قهوجي» وجنرال يحوك العلاقة مع وزير الداخلية الجديد مروان شربل. والبك في منزله يستقبل ويودّع، ويفتح بيته مجدداً، قلعة للمواجهة «المردية» في الكورة.
الوزير «بك كرم» من إهدن
من كوسبا، تعبر السيارة الغيم والضباب في رحلة الدقائق العشرين صعوداً من منزل فايز بك إلى دارة آل كرم في إهدن. لكن الأرض السياسية العائلية لم تتغير. سليم
بك كرم وصل لتوّه مساء الجمعة: «غدا (السبت) سيأتينا المهنئون، فقررت استقبالهم في منزل إهدن لأنه أوسع». يعبر سليم بك عن النموذج العائلي الزغرتاوي التقليدي.
حفيد «يوسف بك كرم» يملك مخزوناً من الإرث السياسي لا يزال صالحاً في شرح أسباب توزيره اليوم: «أنا ابن بيت سياسي يعود تاريخه الى مئات السنين. تحالفنا مع الوزير
سليمان بك فرنجية يعود لانسجام متبادل في الأفكار والهدف والايديولوجيا»... وحين يقاطع ويُسأل البك عن تلك الايديولوجيا يجيب: «الامور العائلية... ثم الخط الوطني،
لتطوير الدولة وتحديثها»!
سليم كرم استلم «قيادة العائلة» بعد أخيه في العام 1972: «لم أفرض نفسي، العائلة اختارتني». يروي عن أمسه السياسي: في العام 1992 قاطعنا الانتخابات النيابية،
البطريرك (صفير) طلب منّا ذلك حينها... ثم في العام 1996 ترشحت للنيابة وخسرت أو بالأحرى «خسّروني»... كنت ضد الوجود السوري في لبنان حينها.. في العام 2000
ترشّحت إلى جانب نائلة معوض وخسرت. هنا يرد الوزير كرم سبب خسارته لتشطيب «المعوضيين» بطلب سوري. في سياق الحديث، رغم تشديده على معارضة الوجود السوري الماضي
في لبنان، يعدد كرم مزايا ومميزات فرنجية ومن بينها «علاقاته الإقليمية» غامزاً من قناة علاقته بدمشق. وعند السؤال الصريح يقول: نائلة معوض كانت علاقاتها مع
الضباط السوريين.. أما سليمان فرنجية، فعلاقته معروفة واضحة شخصية ومباشرة مع الرئيس بشار الأسد.
ميزة سليمان فرنجية كما يرويها «سليم بك كرم» في إهدن: «صراحته ووضوحه...هو رجل يعد ويفي... أنا أرى له مستقبلاً ذهبياً...».
تقصد الجمهورية يا سليم بك؟ يجيب: «نعم ولمَ لا، الجمهورية».
No comments:
Post a Comment