Wednesday, August 24, 2011

دراسةدفاعـاً عـن مشـروع الكهربـاء
وعــن الدســتور أيــضاً
ابراهيم كنعان
منذ أكثر من أسبوعين كثرت المقالات التي تتناول بالانتقاد والتجريح موضوع اقتراح قانون البرنامج المقدم من العماد ميشال عون والرامي إلى تخصيص اعتماد عقد بقيمة
1,772 مليون ليرة لبنانية لإنتاج 700 ميغاوات من الطاقة الكهربائية على مدى أربع سنوات، والإجازة لوزارة الطاقة والمياه عقد كامل الاعتماد قبل توفر اعتمادات
الدفع في موازنات السنوات الأربع اللازمة لإنجاز المشروع.
وقد حاولتُ عبثاً أن أجد في هذه المقالات سنداً قانونياً لما أبداه كاتبوها، فإذا بي أفاجأ بأنها كلها تدور حول ثلاث أفكار رئيسية:
- أولاها، أن إجازة عقد كامل النفقة يجب أن تكون لمجلس الوزراء وليس للوزير، من دون بيان السند القانوني لهذا الإجازة،
- وثانيتها، أن واضع اقتراح القانون يسعى إلى إخراج الصفقة من رقابة ديوان المحاسبة المسبقة دون بيان السند القانوني لهذا الإخراج،
- وثالثتها، أن واضع اقتراح القانون يسعى إلى اعتماد طرق خاصة للتلزيم بحيث يحصل الوزير على عمولات تصل إلى الثلاثين في المئة من قيمة الصفقة، من دون بيان هذه
الطرق.
وحرصاً على العودة إلى دولة القانون والمؤسسات التي غيّبت على مدى أكثر من عشرين سنة سابقة، وتجنباً لتحول أحكام الدستور إلى مجرد وجهة نظر، وأحكام القانون
إلى مجرد رأي، رأيت بأن الواجب يقضي بضرورة إطلاع الرأي العام اللبناني على أحكام الدستور المتعلقة بصلاحيات الوزير من جهة، وعلى أحكام القوانين التي ترعى أصول
إجراء الصفقات العمومية وعقد النفقات والرقابة عليها، وبالتالي مدى التزام اقتراح قانون البرنامج المقدم من العماد ميشال عون بهذه الأحكام.
أولاً: على الصعيد الدستوري
1- تنص الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور على أن «يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى
إدارته وبما خصّه».
ومن أبرز صلاحيات الوزير على صعيد إدارة الوزارة التي يتولاها عقد النفقات ضمن حدود الاعتمادات التي خصت بها وزارته.
ومن أبرز القوانين والأنظمة التي يلتزم الوزير بتطبيقها في إنفاق الاعتمادات المخصصة لوزارته قانون المحاسبة العمومية وقانون تنظيم ديوان المحاسبة وأي قانون
خاص يحدّد أصولاً خاصة، ولا سيما قوانين البرامج، ونظام المناقصات.
ثانياً: على الصعيد القانوني
1- المرجع الصالح لعقد النفقة:
- تنصّ المادة 55 من قانون المحاسبة العمومية على أن «عقد النفقة هو القيام بعمل من شأنه أن يرتب ديناً على الدولة».
- وتنص المادة 56 من القانون ذاته على أن «يعقد النفقة الوزير ما لم ينصّ القانون على خلاف ذلك».
وبالفعل فقد نص قانون المحاسبة العمومية على مراجع أخرى تتمتع بصلاحية عقد النفقة إضافة إلى الوزير. فالمدير أو رئيس المصلحة في حال عدم وجود مدير يتمتع بصلاحية
عقد النفقات التي لا تتجاوز قيمتها عشرة ملايين ليرة لبنانية، والمدير العام يتمتع بصلاحية عقد النفقات التي تزيد على العشرة ملايين ليرة لبنانية ولا تتجاوز
الخمسة والثلاثين مليوناً. (ولمن يرغب بالمزيد من الإطلاع مراجعة نص المواد 133 و144 و146 و148 و150 المتعلقة على التوالي بالمرجع الصالح لعقد النفقة بالمناقصة
العمومية أو بالمناقصة المحصورة أو باستدراج العروض أو بالتراضي أو في حال صفقات الخدمات التقنية).
- وتنص المادة 57 من قانون المحاسبة العمومية على أن «لا تعقد النفقة إلا اذا توفر لها اعتماد في الموازنة، ولا يجوز استعمال الاعتماد لغير الغاية التي أرصد
من أجلها».
2- صلاحية مجلس الوزراء كمرجع صالح لعقد النفقات:
- لم يولِ قانون المحاسبة العمومية مجلس الوزراء أي صلاحية على صعيد عقد النفقات، وإنما كل ما أولاه هذا القانون لمجلس الوزراء هو صلاحية إجازة عقد النفقات
في حالتين:
÷ بالتراضي بناءً على طلب الوزير كما تقضي أحكام الفقرة 12 من المادة 147،
÷ بالأمانة، أي بواسطة أجهزة الوزارة إذا تجاوزت قيمة الأشغال مئة وخمسين مليون ليرة لبنانية.
- ومن المعلوم أن صلاحية الإجازة مرتبطة بطلب الوزير من جهة، وبأنها لا يمكن أن تتحوّل إلى صلاحية عقد.
- ومن المعلوم أيضاً أن لا صلاحية من دون نص. وما دام القانون لم يولِّ مجلس الوزراء أي صلاحية لعقد النفقة، فالمجلس إذن ليس مرجعاً صالحاً لعقدها.
3- الرقابة على عقد النفقات:
- تنص المادة 61 من قانون المحاسبة العمومية على أن «كل معاملة تؤول إلى عقد نفقة يجب أن تقترن، قبل توقيعها، بتأشير مراقب عقد النفقات».
- وتنصّ المادة 66 من القانون ذاته على أن «يؤشر المراقب على طلب حجز الاعتماد وعلى المعاملة ويعيد الأوراق إلى مصدرها في خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ
ورودها إليه. واذا انقضت هذه المهلة من دون أن يبتّ بها، جاز للإدارة المختصة استعادة المعاملة وتنفيذها على مسؤوليته.
واذا كانت المعاملة تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة أرسلها المراقب إليه، قبل التأشير مقرونة بمطالعته».
- وقد حددت المادة 35 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة المعاملات التي تخضع لرقابة الديوان المسبقة. (ولمن يرغب بالمزيد من الإطلاع مراجعة نص المادة 35 المذكورة).
4- مراكز الإنفاق:
- نصت المادة 21 من قانون المحاسبة العمومية على أن «يوزع كل من جزءي الموازنة إلى أبواب»، وأن «يحدد عدد الأبواب في كل جزء بقرار من وزير المالية».
- وقد حدد قرار وزير المالية رقم 559/1 الصادر بتاريخ 28 شباط 1966 المتعلق بأصول تحضير الموازنة أبواب الموازنة فخصص باباً لكل من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس
النواب ورئاسة مجلس الوزراء، وباباً لكل وزارة، وباباً لاحتياطي الموازنة، وباباً للديون المتوجبة الأداء. ولم يخصص مجلس الوزراء بأي باب، على اعتبار:
÷ أن الوزارة تشكل مركز إنفاق.
÷ وأن مجلس الوزراء لا يشكل مركز إنفاق.
- وعلى هذا الأساس تلحظ الاعتمادات في الموازنة.
- أما قرار وزير المالية رقم 3028/1 الصادر بتاريخ 16 نيسان 1996 فقد نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة منه على أن «توزع هذه النفقات إلى أبواب وفقا لأحكام
المادة 21 من قانون المحاسبة العمومية».
5- إجراء المناقصات:
- تنص المادة 130 من قانون المحاسبة العمومية على أن «تجري المناقصات لجان تشكل خصيصاً لهذه الغاية».
- وبالفعل فقد نصت المادة 22 من مرسوم تنظيم التفتيش المركزي على أن «تتولى إدارة المناقصات الأعمال المتعلقة بالمناقصات، وفقاً للأحكام القانونية والتنظيمية
النافذة»، ونصت المادة 23 من المرسوم ذاته على أن «تشمل إدارة المناقصات من:
÷ لجان المناقصات
÷ مكتب المناقصات».
فلجان المناقصات إذن تابعة لإدارة المناقصات، وهي تقوم بإجراء المناقصات وفقاً لأحكام نظام المناقصات.
ثالثاً: مدى انسجام اقتراح قانون البرنامج المقدم من العماد ميشال عون مع أحكام الدستور والقانون
1- يتبين مما تقدم:
- أن الدستور أولى الوزير صلاحية إدارة وزارته وأناط به تطبيق الأنظمة والقوانين المتعلقة بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خصّه.
- أن قانون المحاسبة العمومية قد حدد الوزير كمرجع أساسي صالح لعقد نفقات وزارته ضمن حدود الاعتمادات المخصصة لها.
- أن عقد النفقة يخضع لرقابة مسبقة من مراقب عقد النفقات المنتدب من وزارة المالية ولرقابة ديوان المحاسبة عندما تزيد قيمة النفقة عن حد معين.
- أن مجلس الوزراء ليس مرجعاً صالحاً لعقد النفقة في أي حال من الأحوال.
- إن الوزارة هي مركز الإنفاق ولذلك تخصص بالاعتمادات، في حين أن مجلس الوزراء ليس مركز إنفاق، ولذلك هو لا يخصص بأي اعتماد.
- أن إجراء المناقصات من صلاحية لجان المناقصات التابعة لإدارة المناقصات في التفتيش المركزي.
2- إلى أي مدى ينسجم اقتراح قانون البرنامج المقدم من العماد ميشال عون مع الأحكام المبينة أعلاه؟
- يخصص اقتراح القانون اعتماد العقد واعتمادات الدفع لوزارة الطاقة والمياه، بوصفها مركز الإنفاق في ما خص إنشاء وتجهيز معامل لإنتاج الطاقة الكهربائية ولذلك
هو يتفق مع أحكام المادة 66 من الدستور، ومع أصول تخصيص الاعتمادات.
- يولي اقتراح القانون صلاحية عقد النفقة لوزارة الطاقة والمياه، ولذلك هو يتفق مع أحكام المادة 56 من قانون المحاسبة العمومية التي تعتبر الوزير هو المرجع
الصالح لعقد النفقة.
- لم ينص اقتراح القانون على أي أصول خاصة لإجراء التلزيم، ولذلك هو ينسجم مع أحكام المواد 130 و144 و146 من قانون المحاسبة العمومية التي تنيط بلجان المناقصات
في إدارة المناقصات صلاحية إجراء المناقصات واستدراج العروض.
- لم ينص اقتراح القانون على استثناء عقد نفقة الـ 700 ميغاوات من الخضوع لرقابة عقد النفقات، ولذلك هو يتفق مع أحكام المادتين 61 و66 من قانون المحاسبة العمومية،
ومع أحكام المادة 35 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، لأن الاستثناء من هذه الأحكام لا يمكن أن يتم إلا بنص قانوني صريح.
- لا يتفق اقتراح القانون مع أحكام المادة 57 من قانون المحاسبة العمومية التي تشترط لصحة عقد النفقة توفر كامل الاعتماد، إلا أن هذه المخالفة هي جوهر وضع قوانين
البرامج التي تتعلق بتنفيذ مشاريع ضخمة يتجاوز تنفيذها مدة سنة الموازنة، فتجيز عقد كامل نفقة المشروع، أي كامل اعتماد العقد أو اعتماد التعهد، على أن تلحظ
في موازنات السنوات العائدة لبرمجة المشروع اعتمادات الدفع التي يعادل مجموعها قيمة نفقات المشروع، ولذلك كان نص البند الثاني من اقتراح القانون الذي يجيز لوزارة
الطاقة والمياه عقد كامل اعتماد العقد البالغ 1,772 مليار ليرة لبنانية، وكان الجدول المرفق بالبند الثالث الذي يوزع اعتمادات الدفع البالغ مجموعها 1,772 مليار
ليرة لبنانية على أربع سنوات اعتباراً من عام 2011.
وبعد،
هل يصحّ في دولة القانون والمؤسسات التي نعمل لإرساء دعائمها، أن نستمر في السير على نهج اعتمدته الحكومات السابقة خلافاً للأحكام المبينة أعلاه؟
وهل يصحّ أن يستمرّ الفجور في الدفاع عن إجراءات مخالفة للقانون؟
وتبقى مسألة طالما أشار إليها بعض المسترسلين في انتقاد اقتراح القانون، وهي عدم السماح بإعطاء وزير مبلغ مليار ومئتي مليون دولار أميركي ليصرفها على هواه.

فلهؤلاء نقول إن من يعطي ومن يحجب هما الدستور والقانون. والمسألة هي مسألة مبدأ لا مبلغ. فالوزير الذي لا يؤتمن على مبلغ مليار ومئتي مليون دولار لا يمكن أن
يؤتمن على مبلغ ليرة لبنانية واحدة، لا بل يقتضي أن تطرح الثقة به.
وما دام نهجنا متوافقاً مع أحكام الدستور والقانون، فمن غير المنطقي أو الطبيعي أن نتنازل عن حق أولانا إياه، وإلا كنا كمن يسهم في تقويض دولة القانون والمؤسسات.


[ رئيس لجنة المال والموازنة النيابية

No comments:

Post a Comment