Tuesday, July 20, 2010

جعجع بطلاً... تراجيديّاً
غسان سعود
وسط ترقّب أنصار المعارضة، وعرض النائب وليد جنبلاط خططاً لإخماد الحرائق المنتظرة، ومحاولة تيار المستقبل إقناع نفسه بأن النظام السوري سيختار خراب حزب الله لا خراب لبنان إذا خُيِّر بين الاثنين، تبدو القوات اللبنانية وحدها في مكان آخر. فهي اليوم متحمسة للقرار الاتهامي الذي سيصدر عن المحكمة الدولية، باعتباره يمهد لنقطة تقاطع دوليّة جديدة، بين سعي القوات إلى حماية «الوجود المسيحي» في لبنان، الذي «يمثّل حزب الله خطراً عليه»، واعتراف المجتمع الدولي بأن حزب الله هو حزب إرهابي. ويشير أحد المسؤولين في القوات إلى أن «الحزب المقاوم» سيفقد التضامن الشعبي معه في بعض الدول العربية والغربية، فضلاً عن خسارته المتوقعة لصدقيته أيضاً. ولن يتشكك أحد بعد صدور القرار الاتهامي في أن هذا الحزب العقائدي ـــــ الديني مستعد لتجاوز كل الخطوط الحمراء التي تعوق تحقيقه مشروعه. ولا بدَّ هنا من غمز العونيين؛ فالعلاقة بين الرئيس رفيق الحريري وحزب الله «كانت أهم بكثير من تفاهم التيار الوطني الحر والحزب. ورغم ذلك، قُتل أبو بهاء».
اتهام القوات اللبنانية حزب الله بارتكاب جريمة 14 شباط لم ينتظر صدور القرار الاتهامي ولا تطور التحقيق؛ فمنذ 11 نيسان 2008، أشار «الحكيم» إلى أن ما يحصل «يؤكد رغبة الفريق الآخر في تعطيل المحكمة الدولية، ما يزيدنا اقتناعاً بأن هذا الفريق يقف وراء اغتيال الرئيس الشهيد الحريري وكل عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي حصلت منذ عام 1975 حتى الآن». وهو دأب على التذكير بأن حزب المقاومة «اغتال في مسيرته عدداً من مسؤولي الحزب الشيوعي وضباط الجيش اللبناني والأمن الداخلي»، موضحاً في 6 شباط 2008 أنه يهاجم حزب الله «لأن جسمه لبّيس».
فيما يردّد عون ثوابت بيئة شبعت رهاناً على الأميركيين، يرفع جعجع الصوت
وهكذا، تقارب القوات القرار الاتهامي للمحكمة الدولية من زاوية أخرى: غداً في أيلول سيأتي النصر، سيُتهم حزب الله باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سيُقاد عناصر الحزب إلى الزنزانات الإفرادية في وزارة الدفاع، ستعلق المشانق في الضاحية وبعلبك ومارون الراس، وستتحرك قوات اليونيفيل بإيعاز من الأمم المتحدة القيّمة على المحكمة الدولية لنزع سلاح الحزب. كيف سيحصل ذلك؟ لا أحد في القوات يجيب عمّا سيحصل بعد اتهام حزب الله أو عناصر منه (كما يحاول تيار المستقبل أن يقنع نفسه) بإعداد جريمة اغتيال الحريري. لكن «التسويات ممنوعة». فإذا رفض الحزب القرار الاتهامي وعدّه إسرائيليّ المنشأ، فسيحرج نفسه أمام الرأي العام المحلي والدولي الذي «سيفرض طوقاً على الحزب الذي سيُصنّف إرهابياً على مختلف المستويات، وسيُعزل كل من يتعاطف أو يتحالف معه». وإذا وفّر الحزب في مربّعاته الأمنية مخبأً للمتهمين باغتيال الرئيس الحريري، فسيضطر مجلس الأمن الدولي المسؤول عن صدقية المحكمة الدولية وإتمامها لمهمتها إلى معالجة هذا التطور الخطير بنفسه والتدخل لإحضار المتهمين.
في هذا كله، لا دور عسكرياً أو أمنياً للقوات. وهي لا تنوي أخذ مجتمعها إلى مواجهة مباشرة مع حزب الله. لكنها لن تسمح إعلامياً وإعلانياً وسياسياً بلملمة القضية، فتتحول السابقة إلى عُرف. وهي لن تسمح أيضاً بأن «ينتقم القاتل من المقتول»! وستدافع «باللحم الحيّ إذا تطلب الأمر» عن منجزات السنوات الخمس الماضية، بما فيها الحكومة الحالية وتمويل المحكمة الدولية. ولا مبرر، بحسب النائب القواتي، للتهويل بقدرات حزب الله، ولا لتيئيس المواطنين؛ «فالذي قاوم بصلابة المنظمات الفلسطينية المسلّحة ومنعها من تحقيق مشروعها في لبنان، والذي صمد طوال سنوات الوصاية السورية، رغم العزلة الدولية المفروضة عليه، لن يتردد اليوم في ظل اعتراف العالم كله بوصف من قتل رفيق الحريري بأنه إرهابي وجبت محاسبته».
يتبين في النتيجة، أن رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة سمير جعجع هو الرمز الحقيقي للبطولة في بيئة القوات والتيار الوطني الحر. ففيما يردّد العماد ميشال عون ثوابت استخلصتها بيئته التي شبعت رهاناً على الأميركيين وتعبت من خوض المعارك بالنيابة عن الآخرين وتبحث اليوم عمّن يهتم بأوضاعها ويعيدها إلى الدولة التي أخرجت منها، يرفع جعجع الصوت «شاهداً للحق»، محاولاً أخذ مجتمعه إلى حجّ بذل هذا المجتمع جهداً كبيراً للعودة منه، ويدعو مجتمعه إلى تجاوز التجارب السيئة مع الغرب والرهان على عودة السفينة «كول» وزميلات لها إلى المياه الإقليمية اللبنانية، ويشجّع على حرب أخرى بالشوكة والسكين (على طريقة ميشال عون 1990) من أجل الحرية والسيادة والاستقلال... والحقيقة. ورغم ذلك، يحافظ جعجع على شعبيته، ويستمر في محاولة المراكمة فوقها.
أما المتشكّكون في عظمة جعجع، الذين يريدون التأكد من الوجهة التي يأخذ المسيحيين إليها، فما كان عليهم إلا الحضور الأسبوع الماضي إلى عرزال «الزعيم» مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة في ضهور الشوير الأسبوع الماضي. هناك، في تلك النقطة الاستثنائية في إطلالتها على المتن وكسروان وزحلة، بدت بعض معالم الأيام الآتية واضحة.

عدد الثلاثاء ٢٠ تموز ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment