من وقائع انتفاضة الجنوبيّين ضد «بعض» اليونيفيل
جان عزيز
«ماذا يفعل بعض قوات اليونيفيل في الجنوب؟ ولماذا يقدم هذا البعض على ما يقدم عليه؟» سؤال تطرحه أوساط رسمية مطّلعة، بالكثير من الاستغراب والاستهجان.
الموضوع المباشر والآني، مرتبط طبعاً بسلسلة التوترات والإشكالات التي سادت منطقة عمل قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني هذا الأسبوع. غير أن دافع السؤال وخلفياته، تذهب مباشرة إلى الجهوزية الواضحة لدى بعض القوى السياسية ـــــ المحلية والدولية ـــــ للاستثمار في ما حصل جنوباً، ولاستخدامه في سياق عملية التحريض الواسعة والشاملة، التي تشهدها الساحة اللبنانية منذ فترة. حتى إن الجهات الرسمية المعنية باتت تطرح على نفسها التساؤل الخطير والمقلق: هل يمكن هذه الحركة المريبة لبعض العناصر الأممية أن تكون حلقة ضمن سلسلة التوتير المقصود والمتصاعد؟ هل يعقل أن يكون المطلوب مثلاً، التحضير لفتنة سنية ـــــ شيعية على خلفية المحكمة الدولية، وفتنة مسيحية ـــــ مسلمة على خلفية «حقوق الفلسطينيين»، في شكل متزامن مع «فتنة» لبنانية ـــــ دولية، على خلفية «الإشكالات» مع اليونيفيل، بما يسهّل لإسرائيل أو لسواها إمرار خطوة ما؟
ما الذي يعطي المشروعية الموضوعية لمثل هذه التساؤلات؟ إنها الوقائع الجامدة التي كان الجنوب اللبناني مسرحها، طيلة الأسبوعين الماضيين، والتي انفجرت عبر حركة احتجاج السكان. تقول أوساط رسمية مطلعة على جميع الاتصالات والخطوات والمراجعات الحاصلة، إن القضية بدأت قبل نحو 13 يوماً، حين أقدمت مجموعة من الوحدة الفرنسية العاملة ضمن اليونيفيل على تنفيذ عملية انتشار كثيف موفّق واستقصائي من فوق نهر الليطاني في المنطقة الفاصلة بين القطاعين الغربي والشرقي عند قرية طيرفلسيه، مروراً بوسط القطاع الغربي صوب النهر، وقرى شقراء والغندورية وحولا. ماذا تعني هذه المنطقة؟ تشير الأوساط الرسمية نفسها إلى أن هذه المنطقة بالذات هي ما يعرف بمنطقة وادي الحجير، وهي المنطقة التي اشتهرت إبّان عدوان تموز 2006 بأنها «مقبرة الميركافا». وتؤكد الأوساط نفسها أنه منذ القرار 1701 كان ثمّة اتفاق ضمني بين المرجعيتين اللبنانية والأممية على احترام الحساسية الاستراتيجية لهذه المنطقة، على اعتبار أن أي استكشاف استخباري لتضاريسها ومعالمها قد يعدّ خدمة محتملة لجهات خارجية معادية.
غير أن جنود الوحدة الفرنسية لم يكتفوا منذ نحو أسبوعين بمسح الوادي، بل نفّذوا هناك، وبين المنازل، حملة تصوير شاملة، عبر تقنيات حديثة تؤمّن نقل إحداثيات الصور المأخوذة مباشرة عبر الأقمار الاصطناعية. وعند استفسار الجهات الرسمية اللبنانية عن خلفيات تلك الخطوة، جاء الجواب أنها تحصل بدافع «حب الطبيعة» و«تصوير معالم التراث اللبناني في المنطقة».
سكت المعنيون على التحرك المريب وتركوا «القطوع» يمر، غير أن يوم الاثنين الماضي كان على موعد مع مشكلة أخرى أكثر خطورة. ذلك أن هذا النهار شهد بدء مناورة لليونيفيل تستمر ثلاثة أيام، وذلك بناءً على جدول مسبق كان قد أُبلغ إلى وحدة الارتباط المختصة في الجيش اللبناني. مع نهاية اليوم الأول من المناورة، تبيّن أن القوات الدولية تخطّت ما نسبته 40 في المئة من النطاق الجغرافي الذي حددته هي لنفسها، وأرسلته إلى السلطات اللبنانية. بادرت السلطات المختصة إلى الاستفسار، فجاءتها مجموعة غريبة من الإجابات ـــــ الذرائع، من نوع خطأ غير مقصود، أو سوء تنسيق، أو خلل بشري، أو عطل تقني...
في اليومين الثاني والثالث من المناورة، تزايدت الخروق والتجاوزات للجدول الموضوع، والأهم أنها ترافقت مع إزعاجات، لا بل استفزازات للسكان المدنيين. ففي قرية عيترون مثلاً، دخلت المجنزرات حقلاً مزروعاً بشتل التبغ، مساحته 7 دونمات، وهي في شهر زرعها الثاني، أُتلفت كليّاً. وكانت الذريعة الدولية: إنه تدريب روتيني على عمل المجنزرات، فيما كانت وحدة أخرى تشق طريقاً وسط الأشجار المثمرة، ملحقةً ضرراً بنحو 13 كيلومتراً من الخط الزراعي...
عند هذا الحد، انفجر تململ الناس في العديسة، وسرعان ما تحوّل شبه انتفاضة. بمعزل عن الوقائع الثابتة، يبقى السؤال في أذهان الأوساط الرسمية: لماذا يقدم البعض في اليونيفيل، على ما يقدم عليه؟
عدد السبت ٣ تموز ٢٠١٠
جريدة الاخبار
No comments:
Post a Comment