Monday, April 25, 2011

دعوات إلى تحييد المدينة وتحصينها سياسياً وأمنياً مخافة أية انزلاقات«طرابلس الشام» تخاف من النظام السوري.. وعليه ضماناً لاستقرارها
غسان ريفي
طرابلس :
يتسمّر معظم أبناء طرابلس والشمال أمام الفضائيات العربية لمتابعة أدق التفاصيل المتعلقة بأحداث سوريا، فيرتفع منسوب الخوف أو ينخفض بحسب تطورات الأحداث في
سورية، ذلك أن «طرابلس الشام» التي تشكل بوابة المدن السورية (تبعد عن الحدود الشمالية 40 كيلومترا وعن مدينة حمص 120 كيلومترا) لطالما حملتها توجهاتها القومية
والعروبية ونضالها دفاعا عن القضية الفلسطينية إلى الارتباط الاقتصادي والاجتماعي بسوريا، التي كانت وما تزال تشكل لطرابلس أيضا امتدادا إستراتيجيا حيث تعتبر
مدن تلكلخ، وحمص، وحماه، وطرطوس، واللاذقية وبانياس، سوقا أساسيا لأبناء طرابلس، الذين يرتبطون مع السوريين عموما، بعلاقات عائلية من خلال صلات القربى والمصاهرات،
وبأخرى اقتصادية عبر شراكات تجارية مختلفة.
لذلك فان انتقال التحركات الشعبية في سوريا إلى حمص والمدن الساحلية، ولاسيما بانياس بدأ ينعكس سلباً على طرابلس ويضاعف من حجم مخاوف الطرابلسيين، الذين يدركون
حساسية مدينتهم تجاه أي حدث يمكن أن يحصل في سوريا لاسيما على الصعيد الأمني، الذي لم يسبق للمدينة أن تعاملت مع تداعياته أو مع انعكاسات أحداث من هذا النوع،
لكنها تعي خطورتها بالكامل.
لا يختلف اثنان على أن الشارع الطرابلسي منقسم حول ما يجري في سوريا، ويأتي ذلك ترجمة للانقسام السياسي الحاد الحاصل في المدينة والذي يدفع المواطنين للنظر
إلى ما يجري في الداخل السوري بعين انتمائه السياسي، لكن الخوف مما تخبئه الأيام المقبلة هو السمة الأساسية والدائمة، فالمعارضون للنظام السوري ينتظرون سقوطه
بفارغ صبر، ويخشون من ردة فعله في حال صمد تجاه طرابلس التي برز اسمها في أكثر من محطة حول انطلاق زوارق تحمل السلاح إلى سوريا من شاطئها، إضافة إلى الدعوات
التي أطلقت للاعتصام والتظاهر ضد النظام السوري ودعما لـ «ثورة الشام»، وكان آخرها دعوة «حزب التحرير»، فضلا عن المواقف التي تصدر من بعض نوابها.
أما الموالون للنظام أو بالأحرى الحريصون على استقرار سوريا، فيضعون أيديهم على قلوبهم خشية استمرار التحركات وتطورها ونجاحها في ضعضعة النظام أو إسقاطه، ويربطون
عاطفتهم تجاه النظام السوري بالخوف على لبنان ومصيره المرتبط برأيهم بمصير سوريا، وتأكيدهم على أن لا استقرار ولا أمن في لبنان، من دون استقرار كامل وشامل في
سوريا، وأن أي فتنة قد تحصل لدى الشقيقة الكبرى ستصيب تداعياتها بشكل حتمي الشقيق الأصغر.
ويمكن القول إن السواد الأعظم من أهل طرابلس تنتابهم مخاوف الموالين للنظام السوري، باستثناء شريحة من المعارضين الذين لا يتركون أي فسحة للنقاش، ويسارعون إلى
إعلان تأييدهم المطلق للتحركات الشعبية وإسقاط النظام، واسترسالهم في عرض ما يعتبرونها «أخطاء النظام السوري في لبنان»، و«المظالم التي لحقت بطرابلس ومناطقها
وأحيائها والحروب خلال حقبة الوصاية الماضية».
في حين تنطلق الغالبية الساحقة في مخاوفها بأن نسيج طرابلس هو عبارة عن «موزاييك» إسلامي سني ـ علوي، يضاف إليه التنوع المسيحي، وأن أي فتنة مذهبية في سوريا
سيكون لها أثر سلبي على التعايش السني ـ العلوي ـ المسيحي في المدينة وقد يؤدي إلى ما هو أبعد من ذلك من إمكانية تجدد المواجهات المسلحة، كما أن زعزعة النظام
السوري سيؤدي الى خلل بين أبناء طرابلس حتى ضمن الطائفة الواحدة والمذهب الواحد.
وتلفت تلك الغالبية الانتباه إلى أن حصول الفوضى في سوريا سيؤدي إلى تعزيز الحالة الأصولية فيها، وبالتالي فإن تلك الحالة قد تجد لها امتدادا طبيعيا، وأرضا
خصبة في طرابلس التي كانت وما تزال تواجه بتهمة «الإرهاب» عند كل حدث أمني، الأمر الذي سيجعل المدينة في حالة توتر دائمة جراء التنوع الطائفي والمذهبي القائم
فيها. وسيجعلها تدفع ثمن ذلك جموداً اقتصاديا وشللا في حركة الزوار والسياح إليها، الأمر الذي قد يفقدها دورها ويضرب كل المحاولات الرامية لتنميتها ورفع المستوى
الاجتماعي فيها، ويضاعف من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً إذا ما انعكست حال الفوضى في حال حصولها على حركة الاستيراد، عندها ستفقد القرى الحدودية ومحافظة
عكار برمتها ومعها طرابلس مصدر رزقها وامتدادها الاقتصادي، وستشهد أسعار الخضار ومعها الكثير من المواد الغذائية ارتفاعا كبيراً، على غرار ما شهدته طرابلس ومحافظة
الشمال خلال أحداث مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني و«فتح الإسلام» في العام 2007 عندما أقفلت الحكومة السورية معبري العبودية والعريضة لنحو ثلاثة أشهر.

لا يلتقي شخصان في طرابلس اليوم، إلا ويكون حديث الأحداث السورية ثالثهما، حتى غدت النقاشات في المقاهي ومكاتب العمل وحتى في اللقاءات المفتوحة تتطرق إلى التفاصيل
الدقيقة للتحركات الشعبية، وانتقالها من شارع إلى شارع، ومن ساحة إلى أخرى في المدن والمحافظات السورية، التي بات للطرابلسيين سواء أكانوا موالين أم معارضين
للنظام، خبرة مستجدة في جغرافيتها، قد تفوق الخبرة التي كانت لدى البعض خلال الوجود السوري في لبنان. وذلك من خلال المتابعات اليومية على كل الفضائيات والمواقع
الإلكترونية لكل التحركات الشعبية على امتداد الوطن السوري.
في أحد مقاهي المناطق الشعبية في طرابلس، ترتفع لهجة الحوار بين أبناء المنطقة حول الوضع في سوريا وانعكاسه على لبنان، ففي الوقت الذي يشير فيه خالد م. إلى
أن «سقوط النظام في سوريا يريحنا ويجعلنا نتنفس الصعداء وأن تداعيات سقوطه على لبنان لن تختلف عن سقوط سائر الأنظمة العربية، بل العكس فانها سترفع الوصاية بشكل
كامل وستضعف القوى التي «تشد ضهرها» بسوريا»، يشير علاء خ. الى وجود ارتباط وثيق بين البلدين و«هناك علاقات سياسية وأمنية وعائلية واقتصادية وتجارية، وأي فوضى
قد تصيب سوريا لن يكون لبنان بمنأى عنها»، معرباً عن تمنياته في «أن ينجح النظام السوري في تجاوز هذا القطوع وأن تعود الأمور إلى طبيعتها لأن ذلك سيصب حتما
في مصلحة لبنان». يتدخل أبو عمر معتبراً «أن الجسم الأمني والاقتصادي والاجتماعي لطرابلس ما يزال هشاً، بفعل الأحداث التي شهدتها بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق
الحريري، وخصوصا أحداث «فتح الاسلام»، وأحداث التبانة، والتوترات الأمنية الأخرى، والقنابل المتنقلة، مبدياً تخوفه الكبير من إمكان أن يتجدد كل ذلك ويصبح نظام
حياة إذا ما سقطت «الهالة السورية» أو تعرضت سوريا للفوضى أو للفتن المذهبية»، منتقدا بشدة «الدعوات التي تنطلق من طرابلس للقيام بتحركات مناهضة أو داعمة للنظام
السوري»، مشدداً على «ضرورة تحييد المدينة عن أي صراع لأنه يكفيها ما تعانيه وما سوف تواجهه في حال سقوط النظام».
ويختلف منذر ل. مع باقي المشاركين في حلقة الحوار، فيلفت الى «أن طرابلس ومعها كل لبنان ستكون «فشة خلق» للنظام السوري، فإذا حصلت الفوضى سيصدّرها إلينا، وإذا
استعاد زمام المبادرة سيشدد الخناق السياسي والأمني علينا، لذلك فان لبنان دائما يدفع الثمن وفي الحالتين». يتدخل محمد غ. ليؤكد أنه «من حق النظام السوري أن
يحافظ على نفسه بشتى الطرق والوسائل».
تنتهي جلسة الحوار من دون وصول أي من المشاركين فيها إلى حلّ أو إلى تصور عما سيكون عليه الوضع في سوريا أو انعكاسه على لبنان، إلا أن محطة الكلام لدى المتحاورين
«الله يسترنا من الأعظم»، كانت كفيلة بتبيان حجم المخاوف التي تعتري أبناء طرابلس حيال التطورات الحاصلة في سوريا، وخاصة في ضوء المسار الذي سلكته الأمور اعتبارا
من فجر أمس، حيث بدا أن النظام قد اتخذ قرارا بالحسم.

No comments:

Post a Comment