Saturday, July 3, 2010

موقوف «الاتصالات»: أضراره غير قابلة للإصلاح
الجميل قلق من طريقة التوقيف (أرشيف)إلى أن تختم مديرية استخبارات الجيش تحقيقاتها مع موقوف شبكة الخلوي، ستبقى القضية موضع تجاذب سياسي في البلاد. فبعد صمت حيال كل ما كُتب سابقاً عن الموقوفين بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، خرجت قوى 14 آذار لتبدي حرصها على مضمون التحقيقات، مقللة من شأن القضية
حسن عليق
أول من أمس، أعلن وزير الدفاع إلياس المر أن ما نشرته وسائل الإعلام عن الموقوف بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، شربل ق، مبالغ فيه. أما أحد أبرز المعنيين بقطاع الاتصالات في لبنان، فأكد لـ«الأخبار»، أمس، أن جزءاً كبيراً من «الأضرار الأمنية التي سبّبها شربل ق. غير قابل للإصلاح». يضيف الخبير، الذي يتولى مسؤولية مهمة في قطاع الاتصالات، «بدأت إدارة شركة ألفا باتخاذ إجراءات للحدّ من أضرار الانكشاف أمام الاستخبارات الإسرائيلية، مثل استبدال بعض مفاتيح المرور التي كان يمتلكها شربل، أو منع أي كان من الدخول إلى بعض بيانات الشركة من خارج مبناها». إلا أن ذلك، يؤكد المصدر، «لا يعني أن في إمكان الشركة تبديل كل البنية المتضررة بالاختراق».
وأبعد من ذلك، يؤكد المصدر أن شبكتي الهاتف الخلوي لم تكونا مجهّزتين بالمعدات التي تصعّب اختراقهما. وهذه المعدات متوافرة في شركات الاتصالات الكبرى في العالم، إلا أن لبنان لم يستورد مثلها لحماية بنية قطاع الاتصالات. واليوم، يضيف الخبير ذاته، ثمة حاجة إلى جهد وموارد مالية كبيرة من أجل سد الثغر التي فتحها شربل ق. في قطاع الاتصالات بمجمله، لا في شركة ألفا وحدها. أما رفع مستوى الحماية الأمنية لشبكة الاتصالات عموماً، فبحاجة إلى موارد أكبر، وبالتالي، إلى قرار على المستوى السياسي.
مصدر آخر معني بالقطاع ذاته يلفت إلى مشكلة أخرى تعتري عمل شركتي الهاتف الخلوي، وخاصة شركة ألفا، حيث «بإمكان موظفين الحصول على أكثر من مفتاح مرور (password) يمكّنهم من الاطلاع على معلومات محددة، قد تكون شديدة الحساسية، رغم أن طبيعة وظائفهم لا تتطلب منهم الاطلاع على هذه المعلومات».
وفي السياق ذاته، أكد رئيس لجنة الاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله، عقب لقائه المدير العام لشركة ألفا، مروان حايك، أن ما سمعه من شروح يشير إلى أن «الخطر الحاصل أكبر بكثير مما هو معلن، ويتطلّب الأمر تحركاً واسعاً من الحكومة لتدارك الأخطار». وبحسب ما ورد في بيان صادر عن مكتب فضل الله، فقد شرح حايك «الإجراءات الفنية والتقنية الفورية التي باشرت الشركة اتخاذها للحدّ من هذه الأضرار، فضلاً عن الإجراءات الطويلة الأمد المطلوبة لمواجهة ما حصل». كذلك أطلعه على «أجواء الشركة بعد اكتشاف عميل الاتصالات وما ترتّب على ذلك من أضرار فنية وتقنية كبيرة وخطيرة لحقت بالشركة جرّاء التجسّس الإسرائيلي».
الأمنيون المعنيون بالقضية يتكتّمون على تفاصيل التحقيقات التي تجريها مديرية استخبارات الجيش مع الموقوف، مؤكدين أنها تتقدم. ويشير مسؤول معني إلى أن ما ظهر حتى اليوم من خلال التحقيق مع الموقوف والتدقيق الذي تجريه مديرية استخبارات الجيش في شركة ألفا، غير مسبوق مقارنة بما ظهر من التحقيقات مع الموقوفين السابقين بجرم التعامل، حتى الأمنيين منهم.
وعدا عن حساسية موقع الموقوف الذي يرأس فريقاً تقنياً في شركة ألفا، ويعرف خباياها وأسرارها، «ويحمل من مفاتيح المرور السرية أكثر مما يتيح له موقعه»، ثمة ما يميّز شربل ق. عن سابقيه. فللمرة الأولى (على الأقل خلال العامين الماضيين اللذين شهدا توقيف أكثر من 70 مشتبهاً فيه بالتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية قبل إحالة الجزء الأكبر منهم على القضاء) ثمة من السياسيين من يهاجم وسائل الإعلام على نشرها معلومات تتعلق بالتحقيق مع موقوف بالجرم المذكور. ومنذ القبض على علي الجراح في تموز 2008، كانت الهيئات السياسية والاجتماعية والعائلية تسارع إلى التبرّؤ من كل موقوف (حتى قبل الادّعاء على بعضهم). لكن الآية انقلبت هذه المرة. وزير الدفاع سارع إلى التبرّؤ مما نشرته وسائل الإعلام، ووصل الأمر إلى حدّ أن النائب سامي الجميّل، بحسب ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام عنه بعد لقائه رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، أعلن أنه بحث وجعجع «بقلق في الطريقة التي أوقف فيها الموظف في شركة «ألفا»، وما تلاها من تصريحات تخطّت مؤسسات الدولة في كل ما يتعلق بالمواضيع الأمنية. الأمر المرفوض من قبلنا». أما منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فارس سعيد، فقال إنه وجعجع تداولا في «حفلة التهويل التي نشهدها على وسائل الإعلام واستباق التحقيقات والأحكام القضائية من قبل البعض الذين يريدون زجّ أسماء معينة في كل الأمور».
الخطر الحاصل أكبر بكثير مما هو معلن ويتطلّب الأمر تحركاً واسعاً من الحكومة لتدارك الأخطار
أحد الناشطين في قوى 14 آذار يرى في طريقة تعامل «إعلام 8 آذار مع قضية توقيف شربل ق. محاولة فاشلة للانقضاض الاستباقي على القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لأن حزب الله يظن أن ما تملكه المحكمة مبني حصراً على الاتصالات الهاتفية». يضيف ناشط قواتي: «تذكّرنا هذه القضية بمتفجرة كنيسة سيدة النجاة التي كانت الذريعة التي استخدمها السوريون للانقضاض على القوات. واليوم، ثمة من يريد استخدام توقيف شربل ق. للانقضاض على المحكمة الدولية».
في المقلب الآخر، يرى نائب بارز في قوى المعارضة السابقة أن فريق 14 آذار عامة يمارس نوعاً من «التهوين، كأنه يحاول لفلفة القضية، رغم أن موضوع التعامل مع إسرائيل ينبغي أن يكون مرفوضاً من مختلف الأطراف السياسية». يضيف النائب قائلاً «في حالات التوقيف السابقة، كانوا يتجاهلون الخروق الاستخبارية الإسرائيلية، وإذا بهم اليوم يتقدمون للتشكيك في خطورة ما انكشف والتخفيف منه».
ويرفض النائب التعليق على الربط بين توقيف تقني الاتصالات وقضية التحقيق الدولي في اغتيال الحريري، لافتاً إلى أن ثمة من يراهن على «ذاكرة أسماك الزينة في هذا الملف الذي يجب إخراجه من الحزازات السياسية، وخاصة أن القواعد الشعبية، مهما اختلفت سياسياً، لا تزال تتحسّس من الموضوع الإسرائيلي».
من ناحيته، قال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، هاشم صفي الدين، إن «التساهل في موضوع العملاء أصبح خيانة كبرى»، داعياً إلى «اجتثاث سرطان العمالة بقوة وحزم وتخطيط مركّز. ومن الآن فصاعداً باتت المعالجات الواهنة والضعيفة والتقليدية غير كافية». ونوّه صفي الدين بـ«الإنجاز الذي حققته مديرية استخبارات الجيش»، من خلال توقيف من وصفه بـ«مَن قد يكون الأخطر بين العملاء، لجهة موقعه وخطورة ما كان يقدمه إلى الإسرائيلي».
ويوم أمس، استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وزير الاتصالات شربل نحاس، وتطرّق البحث إلى قضية توقيف موظف قطاع الاتصالات.
________________________________________

مسرِّبون ضد التسريب
في جلسة مجلس الوزراء أول من أمس، استند عدد من الوزراء إلى ما نشرته وسائل الإعلام عن الموقوف شربل ق، الموظف التقني في شركة «ألفا»، لاستنكار «التسريبات». أخذ الجدل في هذه القضية أكثر من ساعة من وقت السلطة التنفيذية. بعض الوزراء المشهورين في الأوساط الإعلامية بـ«التسريب» عبّروا عن استيائهم، متحدثين عن عدم جواز أن تكتب «محاضر شبه حرفية» لجلسات مجلس الوزراء في عدد من الصحف اليومية. وبعد إدلاء أصحاب المعالي بدلوهم، كرّر رئيس الحكومة سعد الحريري موقف رئيس الجمهورية، الذي أعلن أنه سيوقّع أي مرسوم بإعدام محكومين بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. بعد دقائق، وردت إلى هواتف بعض الوزراء رسالة نصية من إحدى الشركات الإعلامية، تقول فيها إن مجلس الوزراء اتفق على تثبيت عقوبة الإعدام بحق عملاء إسرائيل! وزير الدولة وائل أبو فاعور مازح زملاءه داعياً إلى فتح تحقيق لتحديد المسرِّبين، مقترحاً اتهام إسرائيل بالوقوف خلفه.
أجواء جلسة البحث في وقف التسريب التي شهدت تسريباً مباشراً ومغلوطاً، شبيهة بالهجوم الذي تشنّه جهات سياسية على وسائل الإعلام التي نشرت بعض المعلومات عن موقوف قطاع الاتصالات. وهذه القوى السياسية لطالما صمتت عن أي تسريب لمضمون التحقيقات عندما يكون في مصلحة معاركها السياسية، بدءاً من يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فتقريرا الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية، ديتليف ميليس، كانا موضع ترحيب من قوى 14 آذار، رغم أنهما تضمنا نتائج التحقيق الذي تجريه اللجنة. وحينذاك، كان المديح يكال لديتليف ميليس، «المهني والحيادي» بحسب الرئيس فؤاد السنيورة (يوم 3/12/2005). وكانت السلطة التنفيذية أبرز من سرّب مضمون التحقيقات و«نتائجها»، استباقاً لأي قرار قضائي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خرج وزير الداخلية حسن السبع يوم 13 آذار 2007 ليعلن، من على منبر مجلس الوزراء، كشف «المتورطين» في جريمة عين علق، مؤكداً أن تنظيم فتح الإسلام «صنيعة الاستخبارات السورية»، رغم أن القضاء لم يقل كلمته في هذا الشأن حتى اليوم.
واستمر الصمت عن «تسريب التحقيقات» طوال السنوات الخمس الماضية، وعند كل حادث أمني ذي طابع سياسي. والذين يهاجمون ما يصفونه بالتسريب اليوم لاذوا بالصمت عندما نشرت صحيفة «المستقبل» يوم 15 تشرين الثاني 2008 ما وصفته بـ«معلومات موثقة تُثبت ارتباط التنظيم الإرهابي (فتح الإسلام) بقيادة بشار الأسد»، مرفقة إياه بصور عن أوراق من محاضر التحقيق.
ووصل الهجوم على «التسريبات» إلى ذروته أمس بتصريح لوزير العدل إبراهيم نجار الذي أكد «ضرورة عدم التغاضي عن إفشاء سرية التحقيق في قضية موقوف شركة «ألفا» شربل قزي المشتبه في تعامله مع إسرائيل»، منتقداً «تضخيم الأمر وربطه بقضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري».

عدد الجمعة ٢ تموز ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment