Saturday, May 15, 2010

ما سرّ الجفاء السعودي ـ السوري؟
نقولا ناصيف
في 27 نيسان الماضي، زار مستشار الملك السعودي، نجله الأمير عبد العزيز دمشق، والتقى الرئيس السوري بشّار الأسد، وسلّمه رسالة من الملك عبدالله. المعلومات الرسمية السورية تحدّثت عن تطور كبير تشهده علاقات البلدين، وأهمية التنسيق بينهما وانعكاساته الإيجابية، إلى التهديدات الإسرائيلية الأخيرة. إلا أن معلومات غير رسمية تحدّثت عن برودة ظاهرة في العلاقات السعودية ـــــ السورية أوجبت الزيارة الأخيرة لعبد العزيز في نطاق تشاور، تضمّن أيضاً تضامن المملكة مع دمشق في مواجهة تهديدات الدولة العبرية، كي يدفع في طريق إزالة التباسات بدأت تشوب علاقتهما.
أكثر من مؤشر سبق زيارة المستشار الملكي، أنبأت بخشية تصاعد وتيرة الجفاء في ضوء سلسلة ملاحظات سجلتها القيادة السورية على طريقة مقاربة المملكة مجموعة تفاهمات، كانت قد أعدّت لها المصالحة السعودية ـــــ السورية، والزيارات المتبادلة بين عبد الله والأسد السنة الماضية، وكانت آخرها زيارة الرئيس السوري للرياض في 13 كانون الثاني المنصرم:
أول تلك المؤشرات، رسالة وجّهها الرئيس السوري إلى نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي، عبر اللجنة العليا السورية ـــــ الإيرانية يبلغ إليه عدم تمسّكه برئيس القائمة العراقية إياد علاوي لرئاسة أول حكومة ما بعد الانتخابات النيابية العراقية الأخيرة، وأن سوريا تؤيد مَن تختاره طهران لهذا المنصب. يعكس هذا الموقف خروج دمشق من تقاطع تفاهم أميركي ـــــ سعودي ـــــ سوري على تزكية علاوي لرئاسة الحكومة، ووقوفها إلى جانب المرشح الذي يدعمه نجاد، كأحد مظاهر تباعد بين الأسد وعبد الله حيال الملف العراقي وسبل توفير عناصر الاستقرار لهذا البلد. إلا أن هذا الافتراق سيترك أثره على استقرار العراق وتطورات المنطقة.
يُذكر في هذا الإطار أن اللجنة العليا السورية ـــــ الإيرانية التي يمثّل سوريا فيها مسؤول رفيع، تعمل في معزل عن زيارات المسؤولين الرسميين للبلدين، ولا يُفصح عن نشاطاتها غير المعلنة التي تعكف على مناقشة سلسلة ملفات بالغة الدقة في العلاقات الإيرانية ـــــ السورية، والمرتبطة مباشرة برئيسي البلدين.
ثانيها، أن سوريا تشعر بأن التزامها التفاهمات التي كانت قد أبرمتها مع المملكة، لم تقابلها الأخيرة بالتزام مماثل. لم يطرأ تطور ملموس وجدّي على العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، وتحديداً ما يتصل بعلاقة دمشق برئيس الحكومة سعد الحريري وحلفائه الذين يتوزّعون الأدوار بين انتقاد سوريا وسلاح حزب الله، ويحظى بعض هؤلاء الحلفاء برعاية مباشرة من الرياض لا تقتصر على الدعم السياسي، بل تشمل تمويل نشاطاتهم. لم تُحرز الرياض أيضاً تقدّماً كانت قد تعهّدت به لتحقيق مصالحة سورية ـــــ مصرية، كان يؤمل منها بعد انعقاد قمّة ثلاثية ـــــ لم تبصر النور حتى اليوم ـــــ تعزيزها التضامن العربي قبل الوصول إلى القمّة العربية في ليبيا في 27 آذار الماضي، فإذا بمصر والسعودية، بعد إخفاق المصالحة والقمّة الثلاثية، تغيبان عن قمّة سرت، ولم تُحرز تقدّماً على صعيد الملف الفلسطيني ـــــ الفلسطيني،
في المقابل، تعتقد القيادة السورية أنها سهّلت مسار الاستقرار في لبنان مع تأليف حكومة الوحدة الوطنية، ودعمت «الحريرية السياسية» التي تحظى بدعم الرياض من خلال انفتاحها على الرئيس سعد الحريري. ووفت بالتزام إقليمي مهم مثّلته زيارة الأسد للسعودية في 13 كانون الثاني عندما مكث هناك ثلاثة أيام، وعقد اجتماعات أسهمت في تحقيق انسحاب الحوثيين من 28 قرية داخل الأراضي السعودية كانوا قد احتلوها وعرّضوا الاستقرار والسيادة السعودية للاهتزاز. أولى الأسد اهتماماً بهذا الأمر عبر جهود بذلها لدى إيران التي توفر دعماً كبيراً للحوثيين، وأظهر تضامنه مع عبد الله بغية إنهاء ذلك الجانب من الحرب الناشبة حينذاك بين الجيش اليمني والحوثيين.
ثالثها، أن القيادة السورية تشعر بجدّية احتمالات حرب مع إسرائيل في ضوء تصاعد التهديدات لها وللبنان، وانضمام الضغوط الأميركية إلى تلك التهديدات، تارة بإثارة عاصفة تهريب صواريخ سكود إلى حزب الله من طريق الحدود السورية ـــــ اللبنانية، وطوراً بالرسائل الأميركية عن البطء في تقدّم العلاقات الأميركية ـــــ السورية ومحاولة واشنطن ـــــ على وفرة طمأنات موازية ـــــ التأكيد أن لا حرب في المنطقة، إلا أن تهريب صواريخ سكود جدّي، وأن الأسد لا يستجيب لما تلح عليه. كان على سوريا، إزاء هذه التهديدات، تحصين نفسها بتشديد تحالفها مع إيران، على غرار ما كان يفعله الرئيس الراحل حافظ الأسد في الاستحقاقات الصعبة والدقيقة. يختار التحالف مع أقوياء يثبّتون توازن القوى في نزاع إقليمي على شفير الهاوية من أجل تفاديه.
في نطاق علاقات سورية ـــــ سعودية على أبواب الجفاء، كَمَنَ جانب رئيسي من مهمة عبد العزيز في دمشق بغية إنقاذ التفاهمات السابقة.
قبل الصورة أم بعدها؟
تجتمع مؤشرات الجفاء السوري ـــــ السعودي عند تقاطع موقفين متناقضين: أحدهما يقول إنه جزء من سلسلة تطورات سلبية تلت الصورة التي ضمّت في 26 شباط الماضي الرئيسين السوري والإيراني والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في دمشق. والآخر يقول ـــــ ويمثّل وجهة نظر القيادة السورية ـــــ إن هذه الصورة كانت استباقاً لحملة توقّعها الأسد باكراً على بلاده في ضوء تعثر الحوار بين دمشق وواشنطن من جهة، وإخفاق جهود السلام التي يقودها الرئيس باراك أوباما في المنطقة تحت وطأة التعنّت الإسرائيلي والإصرار على الاستيطان من جهة أخرى.
صورة الأسد ونجاد ونصر الله استبقت الحملة الإسرائيلية على سوريا ولبنان، أم سبّبتها؟
سأل نصر الله الرئيس السوري: هل يسعك تحمّل صورة كهذه؟ فأجاب: حملت قبلاً أثقل منها
إلا أن صورة قمّة دمشق انطوت أيضاً على إصرار الأسد على إبرازها للعالم، كي يوجّه من خلالها رسالة صريحة عن مضيّه في التصعيد في ضوء ما يُشعر القيادة السورية بأنها على أبواب مواجهة محتملة.
يومذاك، في 26 شباط، بعد اجتماع ضمّ الزعماء الثلاثة، طلب الأسد من نصر الله البقاء على العشاء التكريمي لنجاد.
عندما جلسوا إلى الطاولة، لاحظ الأمين العام لحزب الله ـــــ وقد أقبَلَ المصوّرون يلتقطون الصورة ـــــ أنه إلى يسار الأسد ونجاد إلى يمينه.
اقتربت المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري الوزيرة بثينة شعبان منه، وقد وقفت بين الأسد ونصر الله، وسألته هل توزّع الصورة على وسائل الإعلام، وكيف تفعل؟
ردّ بتأكيد توزيعها، وأضاف أن يلتقط المصوّرون صورة ثانية للزعماء الثلاثة وهم يغادرون العشاء، ويسيرون جنباً إلى جنب كي توزّع بدورها.
وحضّها على تركيز انتباه الإعلام على هاتين الصورتين.
بعد انصرافها، همس نصر الله في أذن الرئيس السوري: هل يسعك تحمّل صورة كهذه؟
أجاب: حملت قبلاً أثقل منها. حِملُ هذه سهل.
بين دفتي الموقفين المتناقضين من صورة قمّة دمشق التي مثّلت استفزازاً للغرب، مقدار ما مثّلت اطمئناناً إلى تضامن القوى الثلاث التي جمعتها كقوى مقاومة لإسرائيل، لا يبدو الجفاء بين دمشق والرياض على أبواب تدهور سريع متفلّت من الضوابط. لكنه يثير أكثر من علامة استفهام حيال الجمود الذي يضرب التفاهمات التي كان قد عقدها الرئيس السوري والملك السعودي في الملفات الأكثر تعقيداً في المنطقة، وهي العراق وفلسطين ولبنان واليمن، التي يمسي كل منها أرضاً خصبة لانفجار هذا الجفاء.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment